«بلاد ما بين النهرين»... ساحة الحرب المقبلة!

  • 1/14/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قالت مصادر قيادية في مكتب رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي لـ«الراي»، إن «أميركا لا تريد الاستماع إلى الحكومة ولا إلى البرلمان في العراق، وستجلب الحرب لنفسها من دون شك، لأنها لن تنسحب إلا بعد معارك دامية، وهي لا تهتمّ إذا اعتبرَها الشعبُ العراقي قوةَ احتلالٍ غير مرغوب بها».ويأتي هذا المناخ بعد دعوة عبدالمهدي البرلمان لإقرار انسحاب القوات الأميركية والتجاوب مع هذا القرار والطلب من الحكومة تنفيذه، وما أعقب ذلك من مطالبةِ رئيس الوزراء، وزيرَ الخارجية الأميركي مايك بومبيو بإرسال مندوبين للاتفاق على آلية انسحاب قوات بلاده. فما كان من بومبيو إلا أن قال إن «أميركا لن تنسحب من العراق وهي تحترم سيادته»، من دون أن يشرح كيف يتم احترام السيادة مع رفْض إلغاء اتفاقية التعاون الموقّعة بين البلدين العام 2014 وتالياً رفْض الانسحاب.وردّ الرئيس دونالد ترامب بدوره بأن «لدى أميركا قاعدة كلّفت مليارات الدولارات ونريد ثمنها وإلا فإن لدى العراق 35 مليار دولار في المصارف الأميركية. أعتقد أن العراق سيدفع وإلا فإننا سنبقى هناك».وكان الرئيس الأميركي هدّد بـ«عقوبات عظيمة» لم يعرفها العراق من قبل إذا طُلب من قواته الخروج. وسلّم السفير الأميركي نسخة عن العقوبات المحتملة إذا نَفذ البرلمان العراقي قراره السيادي بإخراج القوات الأميركية من بلاد ما بين النهرين.وعلى الفور زار قادةٌ من المجموعات العراقية التي شاركتْ في الحرب على «داعش» في العراق وسورية، طهران والتقوا الجنرال الإيراني إسماعيل قاآني، الذي حلّ محل اللواء قاسم سليماني الذي اغتالتْه أميركا في بغداد أوائل يناير الجاري.وبحسب معلوماتِ «الراي»، فإن قاآني «وعد بأن يدعم العراقيين بما يطلبونه ويقدّم لهم كل ما يحتاجونه لإرغام أميركا على سحْب قواتها إذا كانت تلك رغبة البرلمان وبالتالي الشعب وحكومته».وهذه هي الخطوة الأولى التي تقوم بها إيران بعد اغتيال سليماني. وقد وعد الجنرال قاآني بزيارة العراق قريباً ولقاء القادة العراقيين للتعرّف عليهم وخصوصاً أن لإيران مئة مستشار عسكري وأمني موجودين في غرفة عمليات مشتركة مع القيادة العراقية وروسيا وسورية في بغداد.وبين العقوبات التي تريد واشنطن فرْضها على العراق وضْع اليد على حسابه في البنك الفيديرالي الأميركي الذي يتغذى من عائدات النفط العراقية. ومن المعلوم أن نتائج هذه الخطوة من شأنها التسبب بأزمة نقدية في النظام المالي للعراق وخفْض قيمة الدينار العراقي.ولكن بومبيو يدّعي أن «قرار البرلمان لا شرعية له». فماذا حَدَثَ ولماذا الطعْن بقرار برلمانٍ منتخَب من الشعب؟عند حصول الاغتيال الأميركي للجنرال سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما الستة، طلب عبدالمهدي إعادة النظر بالاتفاقية الموقّعة بين العراق وأميركا العام 2014 وعنوانها: «الاتفاق بين أميركا والعراق على انسحاب القوات الأميركية من العراق وتنظيم نشاطها أثناء وجودها الموقت في العراق».فالاتفاق الأساسي انتهى مفعوله العام 2011 عند خروج آخِر جندي أميركي من العراق. وبالتالي فان الاتفاق اللاحق حصل عند دعوة الحكومة العراقية أميركا لمساعدتها على هزيمة «داعش».وتشير مقدّمة الاتفاقية بوضوح إلى «ردع العدوان والتهديدات ضدّ سيادة العراق وأمنه وسلامته الإقليمية وضدّ النظام الدستوري الديموقراطي والفيديرالي... والاحترام الكامل لسيادة كل منهم وفقاً لمقاصد مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وبدافع الرغبة في الوصول إلى تفاهم من دون المساس بالسيادة العراقية على أراضيها ومجالها الجوي ومياهها».وهنا بيت القصيد: لقد خرقتْ الولايات المتحدة الاتفاق باستخدام الأجواء والأراضي لحركة قواتها للاغتيالات التي قامتْ بها إسرائيل - بحسب ما أكد السفير الأميركي في بغداد لرئيس الوزراء العراقي - وللاغتيالات التي قامت بها أميركا نفسها ضد قائد عراقي (المهندس) وقائد إيراني (سليماني) لدولةٍ صديقة كان عبدالمهدي قد طلب منه المجيء - حسب قول رئيس الوزراء - وهذا ما أوجب إلغاء الاتفاق، بحسب البند الرابع فقرة 2 و3.وخرقت أميركا السيادة العراقية برفْضها الانصياع لطلب البرلمان وتهديد ترامب بتركيعها اقتصادياً إذا استخدمت حقّها، ضارباً بعرض الحائط ميثاق الأمم المتحدة وممارِساً «قانون الغاب» الذي يعطي الأقوى الحقّ بالهيمنة.وفي مجلس النواب، صوّتت الأكثرية بحضور 173 نائباً على قانونٍ اقترحه رئيس الوزراء الذي لا شرعية له سوى الاقتراح. ولكن البرلمان أقرّه، وهذا يسري على الحكومة الحالية واللاحقة لتنفيذ القرار التشريعي من دون تلكؤ.وحتى ولو غاب النواب الأكراد وغالبية السنّة (3 حضروا)، فإن الدستور لا ينص على حضور الطوائف ولا الإثنيات بل يَعتمد على الأكثرية لإقرار التشريع وانتخاب رئيس الوزراء ورئيس المجلس ورئيس الجمهورية (للكتلة الأكبر وليس للكتلة التوافقية بين الطوائف).وسيجتمع مجلس النواب لأخذ تواقيع كل مَن أكد على القرار وستتم قراءته مرة ثانية بحسب الدستور، وهو لا يحتاج لموافقة رئيس الجمهورية لأن الموضوع يتعلّق باتفاقية لا تخضع لمسار إقرارِ تشريعاتٍ تحتاج لتوقيعات من الرؤساء، ما عدا رئيس مجلس النواب الذي كان حاضراً بنفسه.أما عن مطالبة ترامب بدفع تكاليف بناء المطارات والمنشآت العسكرية بالقوة، فإن الاتفاقية نفسها تنص بصراحة في بندها الخامس على إعادة كل المنشآت التي استخدمتْها وبنتْها القوات الأميركية إلى العراق كما هي ومن دون أي مطلب مادي. وينص البند 24 على أنه يتم انسحاب كل القوى الأميركية بناء على طلب الحكومة العراقية «في أي وقت».من «عقوبات عظيمة» إلى «يجب أن يدفعوا ثمن منشآتنا» إلى «لن نخرج من العراق»، من الواضح أن أميركا لا تريد خسارة «ما خسرتْه» بعد اغتيال سليماني والمهندس. ومما لا شك فيه أن 2020 ستكون سنةً ساخنة على العراق وأميركا لأن مخالفة الولايات المتحدة، القرار البرلماني سيجعل من قواتها احتلالية ويُشرعن انطلاق المقاومة ضدّها. لقد عاد العراق إلى العام 2003 عندما بدأ الاحتلال وبدأت المقاومة ضده. وتالياً فإن السنة الانتخابية لترامب من الصعب أن تجلب الاستقرار للشرق الأوسط.

مشاركة :