كيف قتلت الولايات المتحدة قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني؟ سؤالٌ طُرح كثيراً في الأيام الماضية، وإن كانت مثل هذه العمليات تشمل خطوطاً عريضة وبديهية من عمل استخباري وعسكري، إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل دائماً. لم تكن هذه العملية عصيّة على بلد كالولايات المتحدة، في ظل تقدم تكنولوجي واستخباراتي هائل، وإن كانت بطبيعة الحال قد احتاجت للقيام به للكثير من الوقت والخبرات والموارد. وتبدو صعوبة هذه العملية أقل نسبياً من عمليات استهدفت أشخاصاً آخرين كأسامة بن لادن زعيمِ تنظيم القاعدة، أو أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، إذ أن سليماني لم يكن شخصية في الظل أو على الأقل في السنوات الأخيرة ويشهد على ذلك ظهوره العلني في مناسبات عدة إضافة إلى أنه يشغل منصباً رسمياً، وهو ما كان سيفاً ذا حدّين بالنظر لردود الفعل التي أثارها مقتله.لكن.. من هي الجهات التي كانت بيضة القبان في هذه العملية؟ الجمعة 3 كانون الثاني/ يناير لقي سليماني حتفه بعد استهدافه بغارة أمريكية فور خروجه من مطار بغداد الدولي قادماً من دمشق. وتحدثت تقارير صحفية عن تفاصيل ما حدث تلك الليلة وعن الأطراف المتورّطة في العملية، أبرز ما يلفت فيها كان شبكة جواسيس غير متوقعة في بلديْن يقعان تحت مظلّة طهران، هما سوريا والعراق، ورغم قوة النفوذ الإيراني في العراق، فإن الولايات المتحدة أيضاً لها نفوذها وووجودها العسكري الكبير، وهو ما لا ينطبق على سوريا تماماً، حيث الوجود العسكري والنفوذ محدودان جداً ويقتصران على المناطق الشمالية.كيف ورد اسم سوريا في العملية؟ بحسب تفاصيل كشفها تقرير لشبكة NBC الأمريكية، فإن بداية الخيط كانت من مطار دمشق. سليماني غادر إلى بغداد على متن رحلة تابعة لشركة طيران "أجنحة الشام"، ومن هذه النقطة تحديداً وصلت معلومات للأمريكيين عن طريق موظفين في الشركة، أن سليماني كان على متن الرحلة. هذه المعلومات نفتها مصادر في شركة أجنحة الشام وكذلك في الطيران السوري في حديثها لوسائل إعلام متعددة، نافية تورط أي موظفين في مطار دمشق بالعملية ونافية كذلك اعتقال أي شخص في إطار التحقيق ومؤكدة أن اسم سليماني لم يكن على قوائم الركاب أصلاً. كان تقرير NBC قد تحدث عن بدء الاستخبارات السورية تحقيقات حول هوية الموظفيْن اللذين وشيا بسليماني، نقلاً عن رويترز. يذكر أن شركة أجنحة الشام هي شركة طيران سورية خاصة، أثارت الكثير من الجدل عند إنشائها حول هوية مالكها الحقيقي، الذي يُعتقد أنه رامي مخلوف ابن خال الرئيس السوري، وأن مجموعة شموط التجارية التي تمتلك الجزء الأكبر من أسهم الشركة كما يردد الإعلام السوري، ليست سوى واجهة.الدور الإسرائيلي بحسب تقرير الشبكة الأمريكية، لعب إسرائيل دوراً محورياً في عملية الاغتيال، فقد تعاونت مع الاستخبارات الأمريكية لتأكيد معلومات وتفاصيل أساسية. وقال التقرير نقلاً عن مصدرين مطّلعين على العملية ومسؤولين أمريكيين آخرين، إن إسرائيل ساعدت بتأكيد المعلومات التي قدمها مخبرون في مطار دمشق بأن سليماني كان على متن رحلة ليلية من العاصمة السورية إلى العاصمة العراقية. صحيفة تايمز أوف إسرائيل ذكرت أن وسائل إعلام إسرائيلية تحدثت في اليوم التالي للضربة عن محادثة جرت بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو و رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أطلعه فيها بومبيو مسبقاً على الخطط الأمريكية لقتل سليماني. اتصل الوزير الأمريكي هاتفياً بنتنياهو في الأول من كانون الثاني/ يناير. ظاهرياً، لشكره على دعم إسرائيل للولايات المتحدة بعد الهجوم على السفارة الأمريكية في العراق، ظاهرياً. في اليوم التالي لمح نتنياهو قبل مغادرته إلى أثينا إلى "أشياء مثيرة للغاية" تحدث في المنطقة. وفي طريقه إلى أثينا وقبل مقتل سليماني بساعات، قال نتنياهو للصحفيين في مطار بن غوريون "نحن نعلم أن منطقتنا في حالة غليان. تحدث فيها أشياء مثيرة للغاية. نحن في حالة تأهب ونراقب الوضع، وعلى اتصال مستمر مع صديقتنا العظيمة الولايات المتحدة، بما في ذلك حديثي بعد ظهر أمس (مع بومبيو)". في هذا الصدد، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" السبت أن نتنياهو كان الزعيم الوحيد غير الأمريكي الذي كان على علم بالمخطط مسبقًا.غرفة العمليات كما العادة مع هذه العمليات شديدة الأهمية والدقة والخطورة والسرية، يجتمع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية لمتابعة كل التفاصيل ومشاهدة المجريات على الهواء مباشرة. جينا هاسبيل مديرة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كانت تراقب العملية من مقر الوكالة في فرجينيا، ووزير الدفاع مارك إسبر كذلك كان يتابع تطورات المخطط لحظة بلحظة، وفي الوقت نفسه كانت تعرض العملية كذلك في البيت الأبيض رغم أن الرئيس الأمريكي كان في فلوريدا حينها يقضي عطلته. وكان عدة مسؤولين أمريكيين يشاهدون بثاً مباشراً للضربات في مواقع مختلفة من العالم. أما في قطر وتحديداً من مقر القيادة المركزية الأمريكية، انطلقت العملية، بحسب تقرير NBC.سوريا خاصرة رخوة رغم أن الاغتيال وقع في العراق والعملية انطلقت من قاعدة أمريكية في قطر، فإن المعلومات التي اعتُبرت حاسمة أتت من سوريا، إن صحّت فرضية إعطاء معلومات للأمريكيين حول سليماني من قبل موظفين في مطار دمشق. قد يعيد هذا إلى الأذهان عمليات اغتيال لشخصيات كبرى مرتبطة بإيران جرت في سوريا قبل الثورة والحرب وإبّانهما، كعماد مغنية أحد أكبر القادة العسكريين في حزب الله اللبناني الذي اغتيل في دمشق عام 2008، ونجله جهاد مغنية القيادي في حزب الله والذي اغتيل في غارة إسرائيلية على القنيطرة عام 2015 ، وسمير القنطار أحد كوادر الحزب الذي قتلته غارة إسرائيلية على جرمانا في ريف دمشق عام 2015، ومصطفى بدر الدين الرجل الثاني في حزب الله الذي اغتيل بانفجار قرب مطار دمشق الدولي عام 2016. قائد فيلق القدس المغتال سليماني .. تخطى الانقسامات وحصد شعبية قياسية في إيران شاهد: كيف أزاحت سيدات إيرانيات صورة قاسم سليماني وطرحنها أرضا في طهران مسؤولون أمريكيون: ترامب وافق على قتل سليماني منذ سبعة أشهر
مشاركة :