يبدأ العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الثلاثاء، جولة عمل تشمل كلّا من بروكسل وباريس، يتطرق خلالها إلى التطورات في منطقة الشرق الأوسط على خلفية مقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، والتدخل التركي في ليبيا الذي اعتبر أنه يفاقم في تعقيد الأوضاع، والأحداث في سوريا والعراق، وتأثيراتها على الأردن والمنطقة وتداعيات ذلك على أوروبا. واستبق العاهل الأردني الزيارة بمقابلة مع قناة فرانس 24 تحدث خلالها الملك عبدالله الثاني مع الإعلامي مارك بيرلمان، واستهلّها بالحديث عن التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، معبّرا عن أمله في أن لا يؤدّي الوضع الراهن إلى حرب مفتوحة. ولفت الملك عبدالله الثاني إلى أن الوضع، إلى غاية الآن، يشي بأن الأمور تسير نحو التهدئة، مؤكدا رغبته في وقف التصعيد، فالمنطقة لا يمكن أن تتحمل مزيدا من عدم الاستقرار ضمن وضع سيؤثر بدوره على أوروبا وبقية العالم. وقفت المنطقة على حافة حرب مفتوحة إثر غارة جوية أميركية في العراق أسفرت عن مقتل الجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي بالعراق أبومهدي المهندس، ما مثل ضربة قوية لإيران. وفي ردّه عن تقييمه للقرار الأميركي وهل كان صائبا، قال العاهل الأردني إنه قرار أميركي، وقد حصل وانتهى. لكن المهم الآن هو النظر إلى القادم وتصويب الاتجاه في المنطقة، من خلال السعي للتهدئة والحد من التوتر، خاصة وأن كل شيء في هذه المنطقة متشابك، فما يحصل في طهران سيؤثر على بغداد ودمشق وبيروت، وعملية تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. من هنا، يعتبر العاهل الأردني أن زيارته إلى بروكسيل وباريس ذات أهمية وتأتي في توقيت مناسب، حيث يجب على الطرفين البحث والتفكير في تعزيز التواصل بعقلانية واحترام، بدلا من أساليب الخطاب التي تؤجّج المشاكل، وقد تقود إلى الهاوية. هناك حوار بين عمّان ودمشق، وهو اتجاه يسلكه العديد من الدول حول العالم حاليا بناء على تصوّر دولي للاتجاه الذي تسير فيه الأمور في سوريا كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أوّل من تحدث عن سعي إيراني للتوسع في المنطقة وإثارة احتقان طائفي ضمن توصيف دقيق أطلق عليه مصطلح “الهلال الشيعي”. وجاءت تحذيرات الملك عبدالله الثاني خلال زيارة إلى الولايات المتحدة في ديسمبر 2004، أي بعد عام واحد من الغزو الأميركي للعراق. اليوم غيّر العاهل الأردني من هذا المصطلح وجعله “الهلال الإيراني” الذي لديه امتداداته في العراق وسوريا ولبنان، وهو أمر يرى الملك عبدالله الثاني أنه كان على الجميع مواجهته، لافتا إلى أن الاحتجاجات التي تشهدها إيران في الداخل تجعل النظام هشّا. وقال “كلّنا نتابع التحدّيات الداخلية التي تواجه الشعب الإيراني، وأعتقد أن الاقتصاد في وضع صعب، وهذا يضع ضغوطات على النظام، وكما هو الحال في منطقتنا، لدينا أكبر جيل من الشباب في التاريخ، وجميعهم يريدون فرصا في الحياة والاستقرار». وأضاف العاهل الأردني «يجب علينا جميعا التوصل لطريقة من أجل العمل على اقتصاداتنا داخليا لتوفير حياة أفضل للناس، وهذا تحد كبير على ما أعتقد بالنسبة لإيران والشعب الإيراني، الذي يستحق فرصا لحياة أفضل وللازدهار”. لكن، في مواجهة الاحتقان الداخلي، تتبنى طهران سياسة الهروب إلى الأمام والتصعيد في الخارج. وكان الرئيس الأميركي حذّر من أن إيران كانت ستستهدف أربع سفارات أميركية، فهل كانت السفارة الأميركية في الأردن واحدة منها؟ أجاب الملك عبدالله الثاني عن هذا السؤال لافتا إلى أنه كان هناك مستوى تهديد أعلى خلال عام 2019 على أهداف معينة داخل الأردن، قائلا “فمن منظور عسكري نحن في حالة تأهب عليا لمواجهة وكلاء قد يتحرّكون داخل البلاد”. والمقصود بهؤلاء الوكلاء، وكلاء إيران تحديدا. وقال الملك عبدالله الثاني “كان هذا مصدرا للقلق، ولكن لحسن الحظ لم يحدث شيء”. وجدّد الدعوة إلى العودة إلى الحوار، لأن أي سوء تقدير من أي طرف يعدّ مشكلة للجميع، والكل سيدفع الثمن. عودة داعش شدّد الملك عبدالله الثاني، خلال حديثه عن تداعيات مقتل قاسم سليماني وأهمية التهدئة، على ضرورة دعم الاستقرار في العراق بشكل خاص، مشيرا إلى أن الوضع مثار قلق في هذا البلد الذي يتجه مجدّدا إلى فترة من الانقسام الطائفي والحرب الأهلية. لكن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني استطرد مشدّدا على ثقته في العراقيين وقدرتهم على المضي قدما نحو الضوء في نهاية النفق. ولفت الملك عبدالله الثاني إلى أن العراق كان يسير بقوة في اتجاه إيجابي خلال العامين الماضيين، لكن رحيل الحكومة أعاده ربّما خطوتين إلى الوراء. وشدّد الملك عبدالله الثاني على أهمية عودة العراقيين نحو الاتجاه الإيجابي، والتأكد من أن الطائفية لن تكون قضية تواجه العراق والمنطقة، لأن ذلك سيكون أحد الأبواب التي تعيد فتح صفحة الإرهاب وعودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وسيكون من الملفات المطروحة على طاولة اللقاء الأوروبي – الأردني، خطر عودة وإعادة تأسيس داعش، ليس فقط في جنوب وشرق سوريا، بل وفي غرب العراق أيضا. وهذه العودة تعني تهديدا للجميع ليس فقط لدول المنطقة، بل لأوروبا ولبقية العالم. ولفت الملك عبدالله الثاني إلى نقاشات عديدة حدثت ليس مع الولايات المتحدة فحسب، ولكن مع العديد من الدول تحت مظلة الناتو عن كيفية الانتقال لحماية قوات التحالف في العراق، لافتا إلى أن البوصلة الصحيحة في الحرب ضد داعش هي العمل مع العراق وآخرين في المنطقة من أجل التغلب على التنظيم ومواجهة عودته في سوريا والعراق. ولفت العاهل الأردني إلى أن الحديث هنا ليس فقط عن هذين البلدين، فهناك مشكلة في ليبيا، حيث المقاتلون الأجانب الذين خرجوا من سوريا يعيدون تمركزهم بقوة، ومن المنظور الأوروبي، بسبب قرب ليبيا من أوروبا، هذا سيكون محور نقاش مهم في الأيام القليلة القادمة عن كيفية التعامل مع ليبيا، والتأكد من القيام بما هو مطلوب لمواجهة التنظيمات الإرهابية. الأوضاع في ليبيا قاد الحديث عن خطر داعش في ليبيا إلى فتح ملف الساعة وهو التدخل التركي في هذا البلد وما أثاره من جدل عربي وأوروبي. ورأى العاهل الأردني أن التدخل العسكري التركي يجعل الوضع أكثر تعقيدا. وقال الملك عبدالله الثاني “إرسال تركيا قوات إلى ليبيا سيخلق المزيد من الارتباك، على ما أعتقد، لقد كان هناك قرار روسي مهم، ونرجو أن يسهم ذلك في تهدئة الأمور». وحذر العاهل الأردني من أن عدة آلاف من المقاتلين الأجانب قد غادروا إدلب وانتهى بهم المطاف في ليبيا، وهذا أمر على الجميع في المنطقة العربية وفي أوروبا مواجهته، ومتوقع أن يكون من أكبر التحديات والتهديدات التي سيعيش على وقعها العالم في عام 2020. وشدد الملك عبد الله بقوله «لا نريد دولة فاشلة في ليبيا، ومواجهات مفتوحة أخرى للتحالف ضد المنظمات الإرهابية”. القضية الفلسطينية يعتبر الأردن من بين الدول التي تؤثر وتتأثر بكل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لأبعاد استراتيجية وجغرافية من ناحية، ولعلاقة الأردن بمختلف الأطراف الفاعلة والمؤثرة من ناحية أخرى. ويأتي على رأس الملفات التي يتأثر بها ويؤثر فيها الأردن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. تشكل البيئة السياسية الإسرائيلية الراهنة لحظة حاسمة بالنسبة لحل الدولتين الذي يخشى البعض أنه قد انتهى بسبب سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل، والقدس الآن هي العاصمة ولم تعد بندا من بنود مفاوضات الحل النهائي، الأمر الذي انتقده العاهل الأردني مجدّدا في لقائه مع فرانس 24 مؤكّدا على موقفه بشأن حل الدولتين لافتا إلى أن الأردن ملتزم بالسلام كخيار استراتيجي، وهو عامل مهم لاستقرار المنطقة، وأن حل الدولتين هو الطريق الوحيد إلى الأمام. وشهد هذا الملف تغييرات هامة منذ إعلان دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وما تلاه من تهديدات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن ضم أجزاء من الضفة الغربية. وقد حذّرت عمّان من تبعات هذه الخطوات الوخيمة. المجتمع الدولي فشل في مساعدة الأردن على التعامل مع تدفّق اللاجئين السوريين رغم أن عمّان، وعلى عكس أنقرة، لم تهدّد بإغراق أوروبا باللاجئين وقال العاهل الأردني إن مثل هذه الخطوة ستقضي على حل الدولتين، مشيرا إلى أن العلاقات الثنائية بين إسرائيل والأردن “معلقة” بسبب المشاكل الداخلية وأزمة تشكيل الحكومة الإسرائيلية. وشدّد الملك عبدالله الثاني على حل الدولتين، قائلا “برأيي وبرأي معظم الدول الأوروبية هو الطريق الوحيد إلى الأمام، أمّا بالنسبة لمن يدعم أجندة حل الدولة الواحدة، فهذا أمر غير منطقي، فهناك ازدواجية في المعايير، وسيخلق هذا الحل المزيد من عدم الاستقرار”. ولفت العاهل الأردني إلى أن الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله المضي قدما هو الاستقرار في الشرق الأوسط، ولتحقيق ذلك يجب أوّلا تحقيق الاستقرار بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأشار إلى ضرورة إعادة إطلاق الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والحوار بين الأردن وإسرائيل كذلك، الذي توقف منذ عامين تقريبا، وأضاف “لذلك علينا أن ننتظر قرار الشعب الإسرائيلي”. وتوقّع الملك عبدالله الثاني أن يكشف دونالد ترامب قريبا عن صفقة القرن قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. وقال “نحن بانتظار الفريق للكشف عن الخطة، وبالتالي أمامنا جميعا منطقة رمادية، لأننا إن لم نعرف محتوى الخطة، وهنا يأتي دور – ليس الأردن ودول المنطقة فحسب، بل الدول الأوروبية كذلك – فكيف لنا أن ننظر إلى الخطة عند الإعلان عنها، وأعتقد أنه سيتم الإعلان عنها”. وأضاف “من الصعب اتخاذ أية قرارات تخص الخطة عندما لا نعرف محتواها، وهذه مشكلة لا تواجه الأردن فحسب، بل أصدقاءنا الأوروبيين كذلك، وسنبحث ذلك في أوروبا، نحن ندعم فكرة الجمع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن علينا أن نرى الخطة أولا إذا أردنا النظر إليها نظرة النصف الممتلئ من الكأس”. أزمة اللاجئين وفي ذروة الأزمة السورية، كان الأردن من أكثر الدول التي تأثرت بالحرب خاصة على مستوى اللاجئين الذين خلق تدفقهم ضغطا هائلا على الاقتصاد الأردني وتحدّيا كبيرا. ويقدر وجود 1.3 مليون سوري في الأردن، وتم إعادة فتح معبر الحدود الرئيسي، ولكن قلة هم الذين عادوا إلى سوريا، ومن الواضح أنهم باقون. في مناسبات ومقابلات كثيرة تحدث العاهل الأردني عن الضغط الذي بات يمثله اللاجئون لافتا إلى أن المجتمع الدولي فشل في مساعدة الأردن على التعامل مع تدفق اللاجئين السوريين، وأنه على عكس تركيا، لم يهدد بإغراق أوروبا باللاجئين. لفت العاهل الأردني إلى أن بلاده اضطرت إلى اللجوء للاقتراض من المجتمع الدولي لتوفير المسكن والرعاية للاجئين الذين يشكلون 20 بالمئة من سكان الأردن. وقال “إننا محبطون، ولكننا ممتنّون لأن هناك العديد من الدول التي تساعدنا، ولكن تقع المسؤولية على عاتق الأردنيين في نهاية المطاف لتأمين كل هؤلاء السوريين بخدمات التعليم والصحة والسكن، الأمر الذي يفرض عبئا كبيرا. والمعذرة على تركيزي على هذا الموضوع، ولكن خذلنا بالفعل لقيامنا بالأمر الصائب، إننا نوفر على أوروبا كمّا هائلا من الضغط باستضافتنا اللاجئين”. وأشار الملك عبدالله الثاني إلى أن الأردن يحتاج إلى مساعدة عاجلة، خاصة بعد أن اختلفت الصورة في سوريا الآن، وقال “النظام أقوى الآن، وما يزال الطريق أمامهم طويلا، ولكن يجب أن نتذكر أنه على النظام السوري التحرك نحو دستور جديد وحكومة جديدة، مع إبقاء الجزء الثاني المتعلق بسوريا في الاعتبار، وهو الحرب على داعش، حيث أن التنظيم عاد مجددا”. وبخصوص استئناف العلاقات الدبلوماسية، أشار الملك عبدالله الثاني إلى أن هناك حوارا بين عمّان ودمشق، وهو الاتجاه الذي تسلكه العديد من الدول حول العالم حاليا بناء على تصور دولي للاتجاه الذي تسير فيه الأمور في سوريا. شهد الأردن، أسوة بعدد من الدول العربية احتجاجات شعبية ظلت تدور في فلك مطالب اجتماعية. وعبر العاهل الأردني في مناسبات عديدة على أن من أولوياته تأمين مستقبل الشباب الأردني. وسيكون هذا الموضوع ضمن النقاشات التي سيعقدها في أوروبا والتي ستتضمن التأكيد على أهمية تأمين 60 مليون فرصة عمل في المنطقة للشباب في السنوات القليلة القادمة. وقال الملك عبدالله الثاني “إننا في منطقة تسودها الصعوبات وعبء اللاجئين السوريين أثقل كاهلنا بالفعل، لدينا خطة للتعافي جيدة، فالحكومة أطلقت عدة حزم للسير بالاقتصاد في الاتجاه الصحيح، وبدأنا برؤية نتائجها، ولكننا بحاجة إلى مزيد من الدعم من أصدقائنا في المجتمع الدولي لنضمن على الأقل أن يكون الأردن نموذجا للمنطقة على المسار الصحيح، وكما قلت سابقا فإن العديد من الدول تمر بالمشاكل نفسها التي يواجهها الشرق الأوسط”. وفاة السلطان قابوس بن سعيد تزامن موعد مقابلة الملك عبدالله الثاني مع وفاة السلطان قابوس بن سعيد الذي قال عنه “كان رمزا، وكانت هناك صداقة وطيدة بينه وبين الملك الحسين الراحل، وكان معروفا كصوت حيادي وعقلاني وكقائد يقرب الناس من بعضهم، وبالتحديد كان حلقة قوية للتواصل ما بين إيران والعالم العربي والمجتمع الدولي”. وختم العاهل الأردني حديثه معبّرا عن قناعته بأن سلطنة عُمان ستستمر في القيام بهذا الدور الإيجابي، قائلا “السلطان الجديد، هيثم بن طارق آل سعيد، يحترم تراث سلفه وسيتبع نفس سياسته”.
مشاركة :