بمناسبة انعقاد مؤتمرمنظمة التعاون الاسلامي في دولة الكويت الشقيقة الصديقة، وجه الدكتور ظريف الرسالة التالية: «ما هو واجبنا تجاه الظروف الراهنة التي تعيشها المنطقة؟ هذا احد الاسئلة التي ما برحت تشغل ذهني، لا باعتباري كوزير الشؤون الخارجية في الجمهورية الاسلامية الايرانية فحسب، بل بصفتي كانسان مسلم يشعر بحساسية، ازاء مصير الآخرين. ان منطقتنا تمر بأحد أصعب ظروفها، وهذه الظروف تمخضت عن انطباعات ورؤى وتصورات عناصر اقليمية ودولية عن بعضها البعض، وكذلك ما نتج من تفاعلات وتحديات حقيقية في الساحة السياسية. في مجال الانطباعات فإن عدم الثقة، سوء الظن وبقية المشاعر السلبية، كالخوف والقلق من موقع ومكانة الآخرين، أدت الى تبلور ظروف ومناخات نفسية ثقيلة. اما في الشأن الميداني، فإن بعض المظاهر كالحروب الداخلية والعمليات الإرهابية والعنف السياسي والقبلي والطائفي، والتنافس لشراء الاسلحة، والتنافس الاستراتيجي بين لاعبي خارج الاقليم والاقليم، والوطن وداخل الوطن، جعل الحياة اليومية للناس العاديين في المنطقة، امراً عسيراً وربما متعذراً وغير ممكن، أدى الي تهجير البشر إلى الشتات وتضاعف عدد المشردين وألحق بهيكلية المجتمعات وتركيب المناطق خسائر فادحة لا تحمد عقباها، وبعبارة مقتضبة، فإن الوضع السائد في ربوع المنطقة يسير من سيئ الى أسوأ. إن هذه الحالة الوخيمة التي تعيشها المنطقة يجب ان تتغير وان هذا التغيير ممكن، واني مؤمن تماما بامكانية ايجاد هذا التغيير والتطور في المنطقة، وان هذا الايمان له جذوره في معتقداتي الدينية، واستيعابي العلمي وخبراتي الميدانية والعملية. ان اكثر الحروب شراسة وأشد النزاعات الدموية، يمكن معالجتها وحلها بالايمان، والاعتماد على المشيئة الإلهية، والتدبير والتعقل واستثمار الطاقات التي وهبها الله للانسان. ان العديد من الحروب والصراعات في الماضي قد حسمت وانتهت، وان الصراعات المؤلمة التي يشهدها عالمنا اليوم يجب ان تنتهي كذلك. ومن المؤكد، بغية تحسين ظروف المنطقة، يمكن اتخاذ قرارات جادة و القيام بمبادرات عاجلة، و قبل كل شيء يجب الاهتمام بأسلوب وطريقة نظرتنا للقضايا الاقليمية. ان كافة الحروب والمصالحات تتبلور في الاذهان بداية، ومن اجل تغيير ظروف المنطقة واوضاعها، يجب ان نذعن اولا بأن مصيرنا، جميعا كسكان هذه المنطقة، مشترك ولا يتجزأ، وان عالم اليوم في كل مكان وكذلك في منطقتنا، مرتبط ومتصل ببعضه البعض. وعلى هذا الاساس وكخطوة تالية علينا، أن نعيد النظر بانطباعاتنا تجاه بعضنا. ان الانطباعات الخاطئة هي التي تحدد مسار العمليات والمبادرات الخاطئة. في مجال الملف النووي فإن الانطباعات السلبية، التي تصور بأن انهاء المسألة النووية الايرانية وازالة العقوبات والسلوكيات المتعجرفة التي تمارس ضد بلادنا، سوف تؤدي الى زعزعة مواقع بعض الجوار الاسلامي في المنطقة والعالم، هذا الانطباع قد زاد من حجم التضخيم الاعلامي، بل وحتى من الصراعات والحروب الاقليمية، وهو ما كان من دواعي الاسف في العالم الاسلامي. هذا في حين أن حسم هذه الازمة المصطنعة، وابعاد المنطقة عن الصدام العسكري، هو لصالح السلام وتكريس الاستقرار والتنمية في ربوع منطقتنا، ولصالح كل الدول الاسلامية. ان الانطباع والفهم الخاطئ والخطير الذي يبثه من يضمر السوء لنا جميعا عبر اوهام مغلوطة، ومن خلال رصد انتقائي لبعض التصريحات غير الواقعية التي يبثها الاعلام، وتكون ركيزة لهذا القلق والوهم، هو ان ايران تطمح لاحياء امبراطوريتها التاريخية. وان هذا الأمر باطل لا صحة له ويهدف الى اثارة الرعب، وهو معد ومصمم لتكريس العنف بين دول المنطقة. وأقولها بكل ثقة بأن الجمهورية الاسلامية الايرانية لا تطمح سوى الى السلام والمحبة والوئام لجوارها وللعالم كله، وكما ذكرت سلفا اؤكد من جديد بأن الجمهورية الاسلامية الايرانية، وانطلاقا من القواسم المشتركة الدينية والثقافية والتاريخية ومبادئ التعايش السلمي والقواعد السائدة على حسن الجوار، ووفقا للتحديات المشتركة، فانها على استعداد للحوار والحصول على حلول مستدامة للتحديات الاقليمية، وتعزيز وتقوية العلاقات مع العالم الاسلامي والعربي بشكل عام، ومع جوارها العربي بشكل خاص. ان هذا الحوار يجب ان ينطلق على اساس الاصول العالمية المشتركة وبعض الاهداف المشتركة، واهمها: احترام السيادة والسلطة والاستقلال السياسي لكافة الدول وعدم امكانية تغيير الحدود الدولية، وعدم التدخل في الشأن الداخلي لبقية الدول والحل السلمي للخلافات، ومنع التهديد او استخدام القوة، ودعم السلام والاستقرار والتقدم والسعادة في المنطقة. ان مثل هذا الحوار يمكن ان يكون بشكل هادف ومنظم، في اطار مجموعة تحاور اقليمية، وان يشمل الفهم المشترك والتواصل المتبادل على مختلف المستويات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وأن يضم المواضيع التالية: مبادرات بناء الثقة و الامن، مكافحة الارهاب والتطرف والصراع الطائفي وضمان حرية الملاحة وتدفق النفط بحرية و بقية المصالح في الخليج (الفارسي) والحفاظ على البيئة في المنطقة. ان هذا الحوار الاقليمي باستطاعته كذلك أن يشمل ايجاد آليات لعدم الاعتداء والتعاون الأمني الاقليمي. لا أحد بامكانه أن يغير جغرافيا الجوار من خلال تضخيم الازمات، لكننا باستطاعتنا ومن خلال التعاون والتفاهم أن نصنع مستقبلا افضل لشعوب المنطقة، لو عملنا بعزم وإرادة سلمية، وان الله سيكون معنا». * وزير الشؤون الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية
مشاركة :