إقبال جماهيري على عرض «مجاريح» الإماراتي في عمان

  • 1/15/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عمان: «الخليج» تواصلت فعاليات مهرجان المسرح العربي في دورته الثانية عشرة، حيث استضافت العاصمة الأردنية عمان أمس الأول ثلاثة عروض: الإماراتي «مجاريح»، والسوري «ثلاث حكايا»، والمصري «أيام صفراء». وشهد «مجاريح» وهو من تمثيل محمد يوسف وحبيب غلوم وبدور محمد وموسى البقيشي ، إقبالاً لافتاً، حيث امتلأت قاعة «هاني صنوبر» في المركز الثقافي بعمان عن آخرها بالجمهور، والعمل من تأليف إسماعيل عبدالله وإخراج محمد العامري لفرقة مسرح الشارقة الوطني، وحضر العرض أحمد علي البلوشي السفير الإماراتي في الأردن، وأعضاء الهيئة الدبلوماسية خالد علي النعيمي، وفهد منير العتيبي، وخالد الخياط، ورئيس فريق الإغاثة التابع للهلال الأحمر الإماراتي في الأردن علي الصايغ. الحرية هي قرار، هي نمط تفكير، هي استجابة حقيقية دائمة مهما تغيرت الظروف للمبدأ الذي اقتنعنا به، هي محاولة تفكير ومجابهة لتقلبات الحياة وصراعاتها الدرامية، تلك هي الفكرة الأساسية التي يدور حولها نص وعرض مسرحية «مجاريح» الإماراتية، من إخراج العامري، الذي فضل الاعتماد على طريقته الخاصة في تفكيك النص، وإعادة تأويله وفق أدوات بصرية ومؤثرات مسرحية، تحتفي بمكامن الجمال فيه، وتبرز الإشكاليات التي يطرحها، وتضمن حصول المتلقي على توافق سمعي بصري فرجوي على مستوى عال جداً يجمع بين الترفيه والمتعة وإثارة الأسئلة الكبيرة. أحداث العرض تبدأ للوهلة الأولى وكأنها نفس الحكاية التي يرددها التراث العربي المتناقل بين الأجيال فيما يتعلق بالفوارق المجتمعية، ووهم التفوق العرقي وغير ذلك، ولعل أبرز مثال على ذلك قصة عنترة بن شداد وحكاية حبه ومحاولته الزواج من ابنة عمه عبلة، التي يراه والدها غير كفؤ لها، ويراه مجتمعها المقرب منها عبداً لا يصلح للاختلاط بالسادة. لكن الكاتب يأخذنا فوراً بعيداً عن ذلك الشكل النمطي الذي توحي به حكاية الحب بين «فيروز» وابنة سيده غانم «ميثاء»، إنه يغوص بالمتلقي أبعد من ذلك، فيقدم له إشكالية أخرى تنتج من خلف قرار «فيروز وميثاء» تحدي المجتمع والهروب والزواج بعيداً عن رغبة والدها، والذي كان يرفض تزويجها لمن يراه أقل منه مستوى ولا يصلح لكي يكون صهراً له. يقرر الكاتب إسماعيل عبد الله من خلال النص أن يضعنا أمام سؤال إشكالي هام: هل تحافظ على نفس مبدئك في الوصول للحرية وتثمينها إذا ما تعارض الأمر مع مصلحتك؟ ويقدم ذلك من خلال تصاعد الحكاية المسرحية درامياً، بحيث نجد أن الزوجين الهاربين يقفان أمام اختبار يشبه تماماً ما هربا من أجله، وهو أن ابنتهما «عذية» التي رزقا بها من زواجهما الخارج عن الأعراف المجتمعية تقرر بدورها أن ترفض الزواج من ابن عمها خيري، وتقرر بالتالي تحدي رغبة والدها فيروز، وتعلن أنها ستتزوج بمن تحب، ومن هنا ينبثق الضوء الكاشف الذي يلقيه كاتب العمل على إشكالية الحرية، ليفجر تساؤلات متجددة حولها دون أن يُقحم أجوبة تلقائية مباشرة. مخرج العمل العامري تماهى مع الفكرة الذكية للنص، فحشد من خلال عرضه الكثير من الرموز والدلالات، مثل جذور الحبال التي كانت ترمز إلى التوق إلى الحرية، والذي تبدى بشكل واضح في مشهد «ميثاء»، وهي تقطع تلك الجذور، وكأنها تعلن رفضها للخضوع، وكذلك مشهد ابنتها «عذية» وهي تطلب منها أن تنظر إلى الأفق لترى ما حولها من تغيرات اجتماعية وثقافية، إلا أن الأم تضع يدها على وجهها كمن يخشى أن يواجه ضوء الشمس بشكل مباشر، واستطاع المخرج كذلك أن يقدم الانتقال الزمني من الماضي إلى الحاضر بصورة مدهشة ورائعة، واستخدم عناصر السينوغرافيا من إضاءة وموسيقى وغناء شعبي، من أجل تقريب الحالات النفسية والإنسانية، كما جاءت الحوارات بلغة شاعرية، في غاية العمق، وعبرت عن حالة الصراع. وربما تكمن الميزة الأهم للعرض في أنه استطاع الوصول لبنية فرجوية تعتمد على مفردات وعناصر حديثة، إضافة إلى أنه تجاوز بشكل ذكي جداً ذلك التوثيق الذي يقع فيه البعض في مثل هذه الأعمال للحالات الاجتماعية، ولم يقف عند ذلك كثيراً، واهتم أكثر بأن ينقل تلك الإشكالات المجتمعية إلى مستويات أبعد من المُتناول العادي، ورسخها بشكل جمالي وتعبيري متميز، فلم يعد النقاش بحسب العمل يتركز على العبودية بل على وهم تلك العبودية وما يطرحه من أسئلة مفتوحة لا تقف إلا لتبدأ. الحرب تقتل الحب، تلك هي الفكرة التي يدور حولها عرض «أيام صفراء»، عن نص اليوغسلافية دانييلا يا نيتش، ومن إعداد عمر توفيق، وإخراج أشرف سند لفرقة مسرح الهناجر للفنون. يدور العمل حول أطروحات تناقش فكرة رفض الآخر، والتي تتسلل إلى داخل الأسرة الواحدة، فتنتهي بزوج يقتل زوجته التي يحبها. في هذا العرض نشاهد أسرة بسيطة، تعيش البطلة في سعادة مع أخ تحبه، ومع زوج تهيم به شغفاً، ولأسباب غامضة وربما كامنة في اللاوعي يبدأ الأخ في الحديث عن مجتمع متمايز طبقياً بين ثلاث شرائح، نحن وهم والحمر، ونعلم مع تصاعد الأحداث أن الحمر يمثلون طبقة السادة والتي ينتمي إليها الزوج، وببطء تتصاعد نبرة كراهية في كلام الأخ تجاه زوج شقيقته، يحدثها مراراً عن الظلم التاريخي الواقع على طبقتهما، ولكنها لا تنصت إليه، بل تحاول أن تمتص غضبه، وتتعقد الأمور في ذلك المجتمع، حيث تتكرر الاضطرابات بصورة يومية ما يؤدي إلى حرب أهلية، فيذهب زوج المرأة ليقاتل مع الحمر، أما الأخ فينضم إلى صفوف فريق نحن. يعودان من المعركة وكل منهما أكثر كراهية للثاني، والأهم من ذلك أن تلك الحرب تبدو بلا نهاية، فبعد أن ينتصر فريق نحن على الآخر، يستعد لسحق فريق الحمر والذي يدخل في تحالف مع بقايا الآخر، لتبدأ معركة جديدة. ويحاول كل من الرجلين أن يستميل المرأة إلى صفه، وهنا تتمزق نفسياً، وفي الخلفية بلد مدمر يخاف فيه الجميع من بعضهم بعضاً، يتنفسون الكراهية ولا يتحدثون إلا عن هويات مغلقة وقاتلة، وتنتهي الأحداث بالزوجة وهي تطرد أخاها من المنزل، أما الزوج ففي لحظة جنون يقتل زوجته وهو يردد «حبيبتي».. والعرض محمل بأسئلة عديدة، ويتماس مع قضايا شائكة، و يتميز بنبرة تشاؤم واضحة. رؤية واضحة «ثلاث حكايا» بائسة جاءت بتوقيع المخرج أيمن زيدان، عن نص الأرجنتيني ازوالدو دراغون، لفرقة المسرح القومي- دمشق، الحكاية الأولى تدور حول موظف حكومي يعمل كبائع متجول ليحسن دخله، ثم يعرض عليه أن يصبح موديلاً لتمثال العامل المناضل مما يضطره للوقوف طويلاً في الحر فيموت بسبب ضربة شمس. أما الثانية فتنتهي بانتحار البطل بعد أن يدخل في صفقة مشبوهة تحت ضغط الحاجة، وينكشف أمره ويتخلى عنه الجميع. وتؤدي مرارة البحث عن فرصة عمل بالبطل الثالث لكي يقبل بوظيفة حارس، تنتهك آدميته، فيصل إلى مرحلة العواء والمشي على أربع. تميزت عروض اليوم الثالث للمهرجان بقوة الأفكار التي تطرحها، حيث ترتكز إلى نصوص واضحة الرؤية، تنحاز إلى حرية وكرامة الإنسان، بغض النظر عن انتماءاته الفكرية أو أصوله الاجتماعية.

مشاركة :