حذر مختصون من عملية الحفر العشوائي للآبار في محافظة الأحساء، وتسببها في نزف كبير للمياه، مشيرين إلى أنها سبب رئيسي في نضوب عدد من العيون، خصوصا في ظل وجود أكثر من 20 ألف بئر في المحافظة، مطالبين بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة والحلول المناسبة لوقف هذا النزيف من المياه المهدرة.» هبة العيونوقال خبير المياه د.محمد الغامدي: إن واحة الأحساء من أكبر الواحات في العالم، وهي هبة العيون الفوارة، عبر تاريخها العريق، وشكلت مياه العيون مسيرتها كأيقونة خضراء وسط رمال الصحراء الحارة، والقاسية والجافة والمتحركة، وجعلت المياه المحافظة موقعا استثنائيا، ووفرت متطلبات عيش الإنسان واستدامة حياته. واستطاع إنسان الأحساء عبر تاريخه أن يتعايش مع كل الظروف البيئية الصعبة، فأوجد نظما مائية وزراعية تتعايش مع الصحراء دون خوف من سطوتها، وجعل الأحسائيون ماء العيون محور الحياة، وعبر القرون بنوا الخبرات التي أفضت إلى تراث زراعي مائي استثنائي في قلب الصحراء.» استنزاف المياهوأضاف: كانت المياه تفيض من جوف الأرض إلى ارتفاع يزيد على المترين عن سطح الأرض، وتعامل الأحسائيون مع غزارة هذه المياه بذكاء فطري هندسي، واستمرت تلك النظم المائية في الواحة تتوارثها الأجيال، وتتدرب على إتقان أدائها حتى سبعينيات القرن الميلادي الماضي، وجاء مشروع الري والصرف ليشكل نقطة انقلاب سلبية في تاريخ هذه الواحة الشهيرة، ولم يحقق أهدافه الإنسانية، وذلك في جميع مراحل تشغيله طوال ربع قرن، فأصبح أداة لاستنزاف المياه الجوفية وهدرها، ولم يحقق أهدافه الرئيسية الممثلة بتوسعة مساحة الواحة من 8 آلاف هكتار إلى 12 ألف هكتار، ثم إلى 20 ألف هكتار في نهاية المطاف، بل تسبب في تقليص المساحة، وجفت العيون الفوارة، وأصبح ماؤها غورا.» إنقاذ المزارعوأوضح أن كميات المياه المتدفقة من العيون عام 1970م كانت تزيد على 250 مليار متر مكعب سنويا، ومع نهاية 1989م، جفت جميع هذه العيون، وتوقف عطاؤها تماما، وبسبب العجز في توفير المياه، تم حفر الآبار العشوائية لمواجهة الطلب المتزايد على المياه، وذلك محاولة من المزارعين لإنقاذ مزارعهم من العطش والهلاك، ولفت إلى بحث أجراه كشف عن أن عدد الآبار العشوائية عام 1990 تخطى 10 آلاف بئر، ولم يتوقف العدد عند هذا الحد، معتقدا أن العدد الحالي قد يبلغ 20 ألف بئر عشوائية.» هدر الملياراتوأبان أن سبب حفر الآبار العشوائية يعود في المقام الأول إلى فشل مشروع الري والصرف في تحقيق أهدافه، بل تسبب في هدر أكثر من 3 مليارات متر مكعب من المياه خلال ربع قرن منذ بدء تشغيله تحولت إلى مياه صرف، ويتم نقلها إلى رمال الصحاري خارج الواحة، ويصب الفائض منها بعد التبخر في مياه الخليج العربي، على بعد أكثر من 60 كيلو مترا، مشيرا إلى أن أرامكو وضعت عبارات على طرقها لمرور هذه المياه، وأطلقت عليها نهر الأحساء.» سوء التخطيطوأشار إلى ما أثبتته الدراسات بأن كفاءة منظومة الري لم تتجاوز 15 %، ما يعني أن 85 % من المهدر مياه ري، تذهب هدرا في مجاري الصرف التي شكلت أنهارا من المياه الثمينة الضائعة، كما ساهمت التوسعات الزراعية حول الواحة، في تجفيف العيون بسبب سوء التخطيط الزراعي، وسوء إدارة وفهم البيئة، وسوء الاستغلال، والطمع والجشع المادي الذي سيقضي على الواحة التي تواجه تحديات البقاء.» محمية زراعيةوقال: أرى أن التحديات ستنتصر في نهاية المطاف في ظل المؤشرات القائمة، فالواحة لم تعد موطنا للزراعة، ولكنها تحولت إلى مزارع ترفيه في أغلب مناطقها، والكل يسعى لجعلها واحة سياحية لا زراعية، وهذا يعني طوفان المصالح الشخصية على مصالح الواحة التاريخية ومصالح مستقبلها، مضيفا: إن الواحة بحاجة إلى عمليات أشبه بالكي، لتجنب اندثارها من الوجود، وتحويلها إلى محمية زراعية تخضع لقوانين صارمة تعمل لإعادة مجدها الزراعي، أو على الأقل تحافظ عليها كرمز زراعي تاريخي تراثي إنساني.» الاستعانة بالمزارعينوتوقع ألا يتوقف حفر الآبار العشوائية في ظل المعطيات خاصة مع لجوء مشروع الري والصرف للاستعانة بمياه الصرف الصحي المعالج، والتي أيضا لا تغطي كامل الاحتياجات، متسائلا: هل أخذ رأي أهل الواحة في ري مزارعهم بمياه الصرف المعالج؟ وهل يقبل المستهلك السعودي تناول تمر يتم ريه بمياه الصرف؟ مضيفا: إن الحل دوما نجده لدى المزارعين الملتصقين بالأرض، وليس لدى المخططين وواضعي السياسات الزراعية والمائية، ولذلك لا بد من إشراك المزارعين في أي قرار، ويجب الابتعاد عن فرض القرارات.» الواحة القديمةومن جانبه، قال رئيس لجنة التنمية الزراعية بغرفة محافظة الأحساء صادق الرمضان: إن الآبار العشوائية توجد جميعها في منطقة الواحة القديمة، وهو رقم ضخم حول عددا من المزارع إلى برك سباحة والفائض من الماء يصرف في المجاري أو الصروف الزراعية، ومن الصعب الاستفادة منها لأنها تختلط بمياه غير صالحة أو مالحة، وهذا يعد هدرا مباشرا للمياه، كما يوجد هدر غير مباشر ينتج عن طريقة الحفر العشوائي لأنها تتم بطريقة غير سليمة وتغلف بما يسمى «التكييس».وبين أن الحفر يمر على أكثر من فجوة، قد تحوي إحداها تلوثا بيئيا كالمجاري الموصولة بها، وتقوم هذه الفجوة بإنزال المياه إلى طبقات نظيفة، ثم يختلط الماء الملوث مع الماء الجيد، أو تمر على فجوات ماء مالح، ومن هنا تحدث مشكلة الفجوات المختلفة. مشددا على ضرورة مواجهة الحفر العشوائي بمنح التراخيص الرسمية التي تحظى بمتابعة من الجهات المختصة.» المياه المعالجةوأوضح الخبير الزراعي م.عبدالله الشقاق أن الحفر العشوائي للآبار يؤثر سلبا على مخزون المياه الجوفية، بالإضافة إلى تسببه فيما يسمى بانهيار القشرة الأرضية، مضيفا: إن المزارع ينظر إلى ري مزرعته، أما الوزارة فتنظر إلى مشكلة بيئية كبيرة ستنتج عن هذا النزف المائي من جوف التربة. ولفت إلى أن استخدام المياه المعالجة يسهم في حل المشكلة، ومهم أيضا لتوفير مياه الري للمزارعين.» فرق متابعةومن جهته، أشار مدير عام مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة بمحافظة الأحساء م.إبراهيم الخليل إلى وجود فرق لمتابعة الحفر العشوائي ورصده من المكتب، والمؤسسة العامة للري، والجهات الأمنية، والرفع إلى مقام الوزارة، واتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه الجهة التي قامت بأعمال الحفر وصاحب البئر المحفورة، مبينا أنه في حالة رصد أو التبليغ عن أي بئر مخالفة يتم ردمها على نفقة المحدث «حافر البئر»، بإشراف المكتب ومعاقبته بغرامة مالية تصل قيمتها إلى 25 ألف ريال على مالك الأرض، و25 ألف ريال على مالك الحفار، مضيفا: إن من يرغب في حفر بئر بإمكانه الدخول على موقع الوزارة لتقديم طلب ترخيص أو إصداره.» اشتراطات التراخيصوبين م.الخليل أن هناك ثلاثة أنواع من الآبار، وهي آبار مراقبة المياه الجوفية، وآبار مرخصة «زراعية، وصناعية، وموارد البادية»، وآبار غير مرخصة وجار حصرها، مشيرا إلى أن اشتراطات التراخيص الممنوحة لمن يريد الحفر النظامي هي صورة بطاقة الهوية الوطنية للأفراد، صورة السجل التجاري للشركات، صورة وثيقة الملكية، رسم كروكي للموقع.» واجب وطنيوأكد نائب رئيس المجلس البلدي بمحافظة الأحساء مصطفى الحميد أن العمل الرقابي يقتضي أمورا عدة منها متابعة أي مخالفة يتم التثبت منها سواء من الأمانة، أو في أحرامها، أو في المناطق الأخرى الزراعية بالتعاون والتنسيق مع الزراعة أو المؤسسة العامة للري، وأن عمل المجلس تكاملي، وأي خلل يحصل في المحافظة فإنه من الواجب الوطني ليس على المجلس البلدي فقط، أو المختصين، بل ينبغي على كل مواطن أن لا يخالف سياسة الدولة التنموية.
مشاركة :