لماذا الولايات المتحدة سيئة للغاية في السياسة الخارجية؟

  • 1/15/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ستيفن إم والت*ـ فورين بوليسي ترجمة خاصة لـ «الغد»: نادر الغول   وصفت سابقاً الصفات “المميتة” لنهج إدارة ترامب تجاه الشرق الأوسط وخاصة إيران. وعلى وجه الخصوص، أكدت أن الإدارة ليس لديها استراتيجية حقيقية، إذا كان هذا يعني بمصطلح واحد مجموعة من الأهداف الواضحة، مقترنة بخطة عمل متماسكة لتحقيقها تأخذ في الاعتبار ردود الفعل المتوقعة من الآخرين.   ما لدينا بدلاً من ذلك هو الإكراه بالقوة الوحشية، والبعيدة عن الأهداف الواضحة وتنفيذها من قبل رئيس جاهل مع سيطرة ضعيفة على اندفاعه. بعد ما يقرب من ثلاث سنوات في منصبه، نجح الرئيس دونالد ترامب في زيادة خطر الحرب، ودفع إيران إلى إعادة تشغيل برنامجها النووي تدريجياً، واستفزاز العراق لمطالبة الولايات المتحدة بالاستعداد للمغادرة، وإثارة شكوك جدية بشأن الحكم والموثوقية الأمريكية، واطلاق صافرة الإنذار لدى الحلفاء في أوروبا، وجعل روسيا والصين تبدوان وكأنهما ينبوعان للحكمة والنظام. لقد أوضحت إدارة ترامب أنها تعتقد أن اغتيال المسؤولين الأجانب هو أداة شرعية للسياسة الخارجية وأنه ينبغي تحييد مجرمي الحرب، وهي خطوة من المرجح أن تلقى ترحيباً من الحكومات السيئة وتقليدها.   لسوء الحظ، فإن قصر النظر الاستراتيجي هذا يتجاوز الشرق الأوسط. لنأخذ على سبيل المثال القضية الأكثر أهمية، الصين. إدارة ترامب تدرك أن الصين هي المنافس الندي الوحيد المحتمل الذي ستواجهه الولايات المتحدة لعقود عديدة. هذا الإدراك ليس إنجازا عظيما من العبقرية. ولكن، يمكن للأشخاص العقلانيين أن يختلفوا حول حجم وطريقة تحدي الصين، فقط شخص أعمى يمكنه أن يتجاهل الآثار المقلقة لنهضة الصين.   إذا فكرت استراتيجياً، فستبدأ في البحث عن طرق للحد من النفوذ الصيني بأقل تكلفة ومخاطر على الولايات المتحدة نفسها. من المفهوم أن الولايات المتحدة لا يمكنها إيقاف أو عكس النمو الاقتصادي الصيني (وبالتأكيد ليس دون الإضرار بنفسها)، لكنك تعمل للحفاظ على أكبر عدد ممكن من البلدان الندية الى جانبها بشأن القضايا المهمة، بما في ذلك التكنولوجيا المتقدمة. في الواقع، يجب أن  تكون جادًا في محاولة منع الصين من الوصول إلى موقع مهيمن في تقنيات يحتمل أن تغير اللعبة مثل الحوسبة المتقدمة والذكاء الاصطناعي. يجب أن يكون لديك تركيز ثابت في الحفاظ على مكانة دبلوماسية قوية في آسيا، ومع مرور الوقت، يجب أن تبحث عن طرق لدق إسفين بين الصين وروسيا. وعليك جاهداً محاولة عدم الانشغال بالقضايا الثانوية وإضاعة الوقت أو الاهتمام أو رأس المال السياسي أو الموارد.  ماذا فعلت الولايات المتحدة بدلا من ذلك؟   كبداية، تخلى ترامب عن شراكة عبر المحيط الهادئ، وهي صفعة في وجه بلدان آسيا والمحيط الهادئ الـ 11 التي عملت بجد للتوصل إلى اتفاق كان من شأنه أن يوفر بعض المزايا الاقتصادية المتواضعة ويبقيها أكثر ارتباطًا بالاقتصاد الأمريكي. ثم شن ترامب حربه التجارية الخاصة مع الصين. ولكن بدلاً من أن يجتذب القوى الاقتصادية الرئيسية الأخرى للاصطفاف إلى جانبه، هدد أو شن الحروب التجارية مع معظمهم أيضًا. فبدلاً من تقديم الصين لجبهة موحدة، كانت الولايات المتحدة تواجه الصين بمفردها إلى حد ما، مع انخفاض كبير في النفوذ. والنتيجة المتوقعة، حل وسط تجاري يحفظ ماء الوجه ويعيد عقارب الساعة ولا يحرز أي تقدم في مجال التنافس الحقيقي مع بكين.   بعد ذلك، بدأ ترامب مسلسل الواقع (في إشارة إلى برنامجه التلفزيوني) تجاه كوريا الشمالية، في البداية هدد “بالنيران والغضب”، ثم يبتلع بوعود كيم يونغ أون الفارغة في اجتماعهم الأولي. وكانت النتيجة، عدم إحراز تقدم في علاقات الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية، وعدم وقف برنامجها النووي، وعبر آسيا تقلصت الثقة في الحكم الأمريكي.   وفي الوقت نفسه، قضى ترامب معظم السنوات الثلاث الماضية في إهانة الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في أوروبا دون مبرر وهدد بسحب البلاد من الناتو. وكانت المفاجأة، عندما حاول المسؤولون الأمريكيون حينئذٍ إقناع حلفاء أمريكا بعدم شراء التكنولوجيا الصينية، وخاصة معدات الجيل الخامس الرقمية من هواوي Huawei 5G، حصلوا على التجاهل من قبل الحكومات التي لم تكن في مزاج لتقديم خدمة لترامب. سارع الدبلوماسيون الصينيون الذين يسعون إلى الحفاظ على موقع هواوي إلى الاستفادة من أخطاء ترامب المتكررة، وأبلغوا المسؤولين الأوروبيين أنهم أكثر التزامًا بالتعددية والانفتاح التكنولوجي من الولايات المتحدة مسلطين الضوء على دعمهم لاتفاق باريس المناخي (اتفاق آخر هجره ترامب بحماقة). وفقا لجوليان سميث من صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة: “لقد بدأ الصينيون يدعون بوقاحة أن الصين، وليس الولايات المتحدة، هي التي تشترك في المزيد من القيم مع أوروبا. و يذكرون أيضًا بشكل متكرر للجماهير الأوروبية بأن الصين، على عكس الولايات المتحدة، تؤمن بتغير المناخ والتعددية، وهي رسالة قوية بشكل خاص في مكان مثل ألمانيا.”   الآن، لنضع في الاعتبار هذا الشيء، في وقت تكون فيه وزارة الخارجية الأمريكية في مرحلة سقوط، ترفع الصين مستوى لعبتها. لدى الصين الآن سفارات وقنصليات ومناصب دبلوماسية أخرى أكثر من الولايات المتحدة، وفي عصر يمكن أن يكون فيه التقارب المستقبلي مع عدد من الدول المهمة في متناول اليد. وفقًا لنائب وزير الخارجية الأمريكي السابق وليام بيرنز: “لقد دخلنا حقبة الدبلوماسية أكثر أهمية من أي وقت مضى، في ظل بيئة دولية شديدة التنافس. الصين تدرك ذلك وتوسع نطاق قدراتها الدبلوماسية بسرعة. على النقيض من ذلك، تبدو الولايات المتحدة عازمة على نزع السلاح الدبلوماسي من جانب واحد”. كما أشرت من قبل، فإن أي أمل في موازنة الصين في آسيا يتطلب من الولايات المتحدة الحفاظ على روابط قوية مع تحالف قوي مع الدول الآسيوية، وهذا يتطلب دراية دبلوماسية متطورة وصبورة ومتفانية ليست أقل مصداقية من القوة العسكرية.   أخيرًا، بدلاً من القيام بفك ارتباط تدريجي ومحسوب من الشرق الأوسط، والعودة إلى نهج ميزان القوى الذي استخدمته الولايات المتحدة بنجاح من الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب الباردة، سمح ترامب للدول العميلة المحلية، المانحين الأثرياء، والمستشارين الصقور لجره مرة أخرى إلى مواجهة لا معنى لها مع إيران. لا يمكن للمرء إلا أن يتخيل الابتسامات لمعظم العارفين بالسياسة الخارجية في بكين وهم يشاهدون الولايات المتحدة تتعثر باتجاه مستنقع آخر من صنعها.   باختصار، على الرغم من الإدراك أن تحدي الصين كان العنصر الأكثر أهمية في أجندة السياسة الخارجية لأمريكا، مع استثناء محتمل لتغير المناخ نفسه، إلا أن ترامب وشركاه قد اتبعوا سلسلة من السياسات التي تكاد تكون مصممة خصيصًا لمنح الصين أكبر عدد ممكن من المزايا.   هذه وحدها ليست الأخبار السيئة. على الرغم من أن إدارة ترامب ربما تكون قد اتبعت نهج “لا إستراتيجية” ودفعت به إلى مستوى جديد، إلا أن هذه المشكلة كانت واضحة لبعض الوقت. اعتقد بيل كلينتون أن الولايات المتحدة يمكنها توسيع حلف الناتو شرقًا، واحتواء العراق وإيران في وقت واحد، وإدخال الصين في منظمة التجارة العالمية قبل الأوان، وتعزيز العولمة المتسارعة مع الخضوع لها، بدون عواقب سلبية خطيرة. اعتقد جورج دبليو بوش أن إنهاء الطغيان والشر إلى الأبد يجب أن يكون الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأعتقد أن الجيش الأمريكي يمكن أن يحول الشرق الأوسط بسرعة إلى بحر من الديمقراطيات المؤيدة لأمريكا. كان كلينتون أكثر حظًا من بوش، حيث أن العواقب السلبية لأفعاله لم تظهر إلا بعد تركه منصبه، لكن أيا من تصرفات الرئيس تركت الولايات المتحدة في وضع عالمي أقوى.   كان لدى باراك أوباما نظرة أكثر واقعية حول قوة الولايات المتحدة ووزن أكبر للدبلوماسية، لكنه لم يفعل الكثير لتقليل التورط العسكري الأمريكي في الخارج ودعم بالكامل الاستخدام النشط للقوة العسكرية الأمريكية. أرسل أوباما المزيد من القوات إلى أفغانستان في عام 2009، ودعم تغيير النظام في ليبيا وسوريا، ووسع عمليات القتل المستهدف للإرهابيين المشتبه بهم بطائرات بدون طيار أو قوات العمليات الخاصة. فشلت إدارته في توقع رد فعل روسيا على الجهود الغربية لتقريب أوكرانيا من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وأثبت عجزه عن توحيد البلاد وراء مقاربته لتغير المناخ أو إيران. ولا ينبغي أن ننسى أنه في العام الأخير من توليه منصبه، أسقط الجيش الأمريكي أكثر من 26000 قنبلة في سبع دول مختلفة.   ماذا يجري هنا؟ منذ متى أصبحت الولايات المتحدة سيئة للغاية في التخطيط الاستراتيجي؟ السياسة الخارجية هي مؤسسة مليئة بالتحديات حيث تنتشر الشكوك والأخطاء أمر لا مفر منه في أحيان كثيرة. لكن عدم القدرة على التفكير بشكل استراتيجي ليس ثابتًا في الحمض النووي الأمريكي. واجهت إدارة ترومان تحديات هائلة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لكنها جاءت أكثر شمولية من ناحية الاحتواء، من خطة مارشال، وحلف الناتو، ومجموعة من التحالفات الثنائية في آسيا، ومجموعة من المؤسسات الاقتصادية التي خدمت الولايات المتحدة وحلفاءها بشكل جيد لعقود. وبالمثل تمكنت إدارة بوش الأولى (1989-1993) من إدارة انهيار الاتحاد السوفيتي، وإعادة التوحيد السلمي لألمانيا، وحرب الخليج الأولى ببراعة كبيرة وخبرة وضبط النفس. لم تكن الإدارة مثالية، لكن تعاملهم مع الظروف المعقدة والجديدة أظهر فهماً أكيدًا لما هو أكثر أهمية والقدرة على استنباط الردود التي أرادوها من كل من الحلفاء والخصوم. وبعبارة أخرى، كانت جيدة في التخطيط الاستراتيجي.   ومن المفارقات، أن جزءًا من المشكلة اليوم هو المكانة المميزة الذي تمتعت به الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة. لأن الولايات المتحدة قوية وثرية وآمنة، فهي في الغالب معزولة عن عواقب تصرفاتها. عندما ترتكب الأخطاء، يتحمل الآخرون معظم التكاليف، ولم تواجه منافسًا نديًا يكون سريعًا في الاستفادة من الأخطاء. لقد تكلفت حرب العراق وأفغانستان في نهاية المطاف أكثر من 6 تريليونات دولار وآلاف الجنود، لكن عدم وجود سقف للاستنزاف يحد من المخاوف العامة بشأن الخسائر، تدفع الولايات المتحدة تكاليف جميع هذه الحروب من خلال اقتراض الأموال من الخارج، ونمو نسبة العجز، وإلصاق هذه الفواتير بالأجيال القادمة.   يساعد هذا الموقف في توضيح سبب اهتمام عدد قليل من الأميركيين بما يحدث في الخارج أو ما تفعله الحكومة الأمريكية حيال ذلك. وفقًا لديان هيسن، التي أجرت مقابلات معمقة مع لجنة مكونة من 500 أمريكي منذ عام 2016، تقول: “معظم الناخبين لا يهتمون كثيرًا [بالسياسة الخارجية] ، وهذه مشكلة. “طلبت استطلاعات رأي أخرى حديثة من الأميركيين أن يدرجوا أولوياتهم العليا، السياسة الخارجية لم تتصدر قائمة الأولويات العشرة. عندما لا يستطيع معظم الأميركيين تحديد الفرق بين النجاح والفشل، على الأقل من حيث العواقب الفورية الملموسة للسياسة الخارجية، عليه صناع السياسة سيكونون تحت ضغط أقل للتوصل إلى الاستراتيجيات التي تنجح بالفعل والمواقف سيكون لها الأسبقية على الأداء المهني.   ثم هناك هذه الغطرسة. لطالما اعتبر الأمريكيون أنفسهم نموذجًا للآخرين، وقد عزز النصر في الحرب الباردة الاعتقاد بأن الولايات المتحدة كانت لديها الصيغة السحرية للنجاح في العالم الحديث. علاوة على ذلك، فقد اعتقدوا أيضًا أن الجميع تقريبًا من جميع أنحاء العالم أدركوا هذا ولا يمكنهم الانتظار لمتابعة تقدمهم والانضمام إلى نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة وتصبح مثلهم تدريجيًا. واقتناعا من أن المد والجزر في التاريخ يعمل لصالحهم، أعتقد القادة الأميركيون أن جميع الأبواب مفتوحة أمامهم. من الذي يحتاج إلى استراتيجية متماسكة ومعقدة ومصممة بعناية عندما كانت الاتجاهات العالمية القوية تدفع العالم بالفعل في الاتجاه الذي يريدونه؟.   علاوة على ذلك، كما يوضح بول بيلار في كتابه المهم “لماذا تسيء أمريكا فهم العالم”، فإن التجربة التاريخية غير العادية للولايات المتحدة، والعزلة الجغرافية، والسوق المحلية الكبيرة، والجهل العام قد أضعفت قدرتها على صياغة استراتيجيات للسياسة الخارجية قابلة للاستمرار. يتطلب وضع استراتيجية فعالة للسياسة الخارجية توقع كيفية رد فعل الآخرين، لكن المسؤولين الحكوميين، ناهيك عن الجمهور بشكل عام، لا يعرفون كثيرًا عن البلدان التي تحاول التأثير على تصرفاتهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخرافة الدائمة لـ “بوتقة الانصهار”،  والتي تصور المهاجرين إلى الولايات المتحدة على أنهم يعتنقون بسهولة الهوية الأمريكية الجديدة وتندمج بسلاسة في نسيج المجتمع الأمريكي، يقود البلد إلى تقليص قوة القومية والإثنية وغيرها من المصادر الدائمة للهوية المحلية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى التقليل من صعوبة بناء الدولة أو الأمة لمجتمعات متنوعة. وبسبب بعض الاستقامة والنوايا النبيلة، فإن الولايات المتحدة بطيئة بنفس القدر في إدراك أن المجتمعات الأخرى قد يكون لديها أسباب وجيهة للتشكيك في دوافعها أو اعتبارها خطيرة. تشكل هذه النقاط العمياء مجتمعة عقبة خطيرة أمام تطوير إستراتيجية فعالة للسياسة الخارجية، وخاصة تجاه أجزاء من العالم تختلف تجاربها التاريخية وعناصرها الثقافية اختلافًا جذريًا عن تجاربها.   إن السمات الرئيسية للنظام الديمقراطي الأمريكي تجعل من الصعب وضع وتنفيذ سياسة أمنية خارجية ووطنية متماسكة، خاصةً عندما لا يكون هناك خطر واضح وحاضر لتركيز العقل وفرض الانضباط على مناقشات السياسة الخارجية. عندما يكون معظم الجمهور غير مبال، فإن عملية السياسة يتم الاستيلاء عليها بسهولة من قِبل جماعات الضغط المحلية والأجنبية، خاصة في عصر يلعب فيه المال دورًا رئيسيًا في السياسة. بدلاً من أن يكون هناك سوق حقيقي للأفكار حيث تناقش الوصفات السياسية المتنافسة بعناية وبصراحة، تصبح السياسة الخارجية ساحة تهيمن عليها أصوات أعلى الأصوات وأفضل التمويل أو تفضيلات مجموعة صغيرة من المانحين الأثرياء. وكما أشرت من قبل، ربما تكون الولايات المتحدة أكثر عرضة للنفوذ الأجنبي من أي قوة عظمى في التاريخ الحديث. إذا حصلت مجموعة من مجموعات المصالح الخاصة هذه على الأقل على بعض ما تريده (على سبيل المثال، ميزانية دفاع أكبر، مزيد من الاهتمام بحقوق الإنسان، رفض اتفاقيات تغير المناخ، دعم غير مشروط لبعض الدول العميلة، إلخ)، القدرة على وضع استراتيجية شاملة لصالح الأمة ككل سوف تتآكل. في أحسن الأحوال، ينتهي الأمر بالولايات المتحدة غارقة في التزامات تفوق قدراتها. في أسوأ الأحوال، ينتهي الأمر باتباع سياسات متناقضة بشكل متبادل وبالتالي تهزم نفسها بنفسها.   من الناحية المثالية، فإن المؤسسات المسؤولة عن وضع السياسة الخارجية وإدارتها سوف تتعلم أيضًا من التجربة بمرور الوقت. ولكن كما اكتشفت، هناك القليل من المساءلة في مؤسسة السياسة الخارجية اليوم. لا تزال الأفكار السيئة قائمة بغض النظر عن عدد مرات دحضها وفشلها، والأشخاص الذين يخطئون في تقدير الأمور بشكل متكرر يفشلون مراراً، بينما يتم تهميش أولئك الذين يقومون بفعل الأمور بشكل صحيح. ضع في اعتبارك أن الأفراد و / أو المجموعات التي صممت وسوقت حرب العراق وأبقتها ضلت شخصيات محترمة إلى يومنا، وبعضها مؤهل للخدمة في المستقبل. خذ بعين الاعتبار أن الصفحات الافتتاحية لصحيفة “وول ستريت جورنال” و “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” قد زادت فعليًا من عدد كتاب الأعمدة المنتظمين الذين أيدوا تلك الحرب، لكن لا يزالون لا يقدموا نفس المساحة لأي شخص توقع بشكل صحيح أنها ستكون كارثة. إذا لم يدفع أولئك الذين يبتكرون استراتيجيات سيئة أي ثمن، وأولئك الذين يقترحون بدائل أفضل لا يتم الاعتراف بهم، فلماذا يتوقع أي شخص من البلد أن يفعل ما هو أفضل؟.   يتم إغراء المرء برؤية هذه الإخفاقات المختلفة كنتيجة حتمية لتحول أمريكا التدريجي من جمهورية إلى إمبراطورية عالمية، وأنها دولة قوية لا تستطيع التوقف عن التدخل في جميع أنحاء العالم. حذر الآباء المؤسسون من أن أي جمهورية لا يمكنها الدخول في حرب مستمرة دون أن تتعرض للفساد، وكانوا على حق. وهو ما استوعبه الجنرال ذو الخمسة نجوم والرئيس السابق دوايت أيزنهاور. إن شن الحرب يتطلب باستمرار مؤسسات قوية للأمن القومي، ومزيدا من السرية الحكومية، والتوسع التدريجي في السلطة التنفيذية. ومعها تتلاشى الرقابة والمحاسبة، وتنتهك القوانين المحلية والدولية، ويصبح الإعلام جزئياً مشاركاً ومتواطئاً، ويتم إسكات المنشقين أو تهميشهم، ويجد الرؤساء وأتباعهم أنه من الأسهل الكذب والاحتفاظ وكسب التأييد له والسياسات التي يفضلونها. بمجرد أن يتم إهمال والحط من قدر الخطاب العام وخطفه من العالم الواقعي، فإن الخروج باستراتيجيات يمكن أن تنجح في هذا العالم يكاد يكون مستحيلًا.   لقد وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها السياسة الخارجية والأمن القومي في الولايات المتحدة عبارة عن رقص تعبيري. أفعال الولايات المتحدة لم تعد مهمة، باستثناء الجنود والبحارة والطيارين والدبلوماسيين المكلفين بتنفيذها. أكثر ما يهم الرؤساء الأميركيين هو مظهرهم على التلفزيون، على تويتر، أو ناخبين معنيين بأن يتم تسليتهم أكثر من تنويرهم. لأن الولايات المتحدة مازالت قوية وآمنة جدا، يمكنها الاستمرار في هذا النهج لفترة من الزمن. ولكن لا يمكنها القيام بذلك إلى الأبد، سوف تخسر الكثير من الفرص لتكون أكثر أمناً، أكثر ازدهاراً، وبناء مجتمع يعيش لقيم أنبل.      *أستاذ روبرت ورينيه بلفر للعلاقات الدولية بجامعة هارفارد.   رابط المقال الأصليهنا

مشاركة :