لقد كانت صفقة تجارية سابقة لأوانها لعموم إفريقيا -بأكثر من طريقة. حين أطلقت مجموعة ناسبرس الإعلامية Naspers في جنوب إفريقيا ذراعا تلفزيونية محلية مدفوعة في عام 1985، كانت سباقة ومتقدمة حتى على مجموعة سكاي التابعة لروبرت مردوخ في بريطانيا. عندما أطلق المشروع الذي يحمل اسم "ملتي تشويس" MultiChoice، قناة تلفزيونية فضائية رقمية عبر عدة دول إفريقية في عام 1995، أصبح واحدا من أوائل الشركات خارج الولايات المتحدة، التي تقدم مثل هذه الخدمات. بعد قرابة ربع قرن من الزمان، تطورت مجموعة ناسبرس لتصبح شركة إنترنت تمتد إلى ما هو أبعد من إفريقيا، ويعزى ذلك جزئيا إلى حصتها في مجموعة التكنولوجيا الصينية "تينسنت". لم تعد "ملتي تشويس" جزءا من الإمبراطورية، بعد أن أدرجت بشكل منفصل العام الماضي باعتبارها شركة تبلغ قيمتها في حد ذاتها مليارات الدولارات. لكن باعتبارها صورة من صور الاستثمارات في عموم إفريقيا في عام 2019، فربما لن تكون قصة غزو القنوات التلفزيونية المدفوعة لـ"ملتي تشويس" في مكانها الصحيح اليوم. على الرغم من العقود المتقلبة، لا يزال هذا الاستثمار يتميز بكونه يتطلع، مثل شركات جنوب إفريقيا، إلى البحث عن فرص في الشمال. ومثل هذا التوجه ليس لضعاف القلوب أو عديمي الصبر. في العام الماضي تجاوز عدد المشتركين في "ملتي تشويس" من الدول الإفريقية عدد المشتركين المحليين - 7.7 مليون مقابل 7.4 مليون. في تموز (يوليو) ألغت "إكونيت" Econet، أكبر مجموعة اتصالات في زيمبابوي، محاولة لإنشاء مشغل تلفزيوني مدفوع في جميع أنحاء إفريقيا. وقع تلفزيون كويسي Kwese TV ضحية لكل من المنافسة الشرسة وأزمة زيمبابوي الاقتصادية، ما جعل الحصول على العملات الأجنبية باهظ التكلفة. أكبر منافسة لـ"ملتي تشويس" عبر الحدود في إفريقيا تأتي من خارج القارة – "ستار تايمز" الصينية، مشغلة التلفزيون الرقمي منخفض التكلفة، التي توسعت لتشمل أغلبية الدول الإفريقية حتى أنها بنت قاعدة تضم عشرة ملايين مشترك. لقد اكتسبت شعبية بشكل جزئي بدعم القروض الصينية للحكومات الإفريقية لمشاريع الهجرة الرقمية. في الوقت الذي ينمو فيه الاستثمار في عموم إفريقيا من داخل إفريقيا -مدفوعا بإطلاق منطقة التجارة الحرة الإفريقية العام الماضي- لا يزال أكبر دولة صناعية في القارة صامدة أمام مناخ صعب عبر الحدود. يقول أندرو جونز، وهو شريك في شركة لينكلاترس للمحاماة: "عدد قليل نسبيا من الاستثمارات في عموم إفريقيا يأتي من داخل إفريقيا"، مضيفا أن الاستثمار في عموم إفريقيا يعكس "أين تقع الشركات الكبرى. وعلى هذا النحو تهيمن الشركات في جنوب إفريقيا على الاستثمار في عموم إفريقيا". وفقا لبنك التنمية الإفريقي، تضاعف عدد صفقات الاندماج والاستحواذ بين الشركات الإفريقية إلى 418 في العقد التالي لعام 2006، مقارنة بالأعوام العشرة السابقة، بينما زادت قيمة الاستثمارات أكثر من الضعف لتصل إلى عشرة مليارات دولار. ثلث هذا المجموع تقريبا استثمارات من جنوب إفريقيا. حتى الشركات الإفريقية التي بدأت خارج البلاد كانت في الغالب مدعومة من جنوب إفريقيا. مثلا، شركة جنوب إفريقيا للاستثمار العام، وهي أكبر مدير صناديق في إفريقيا تشرف على أصول معاشات تقاعد موظفي الحكومة، دعمت شركة دانجوتي للأسمنت و"إيكوبنك" في نيجيريا أثناء شروعهما في التوسع الإقليمي. "جوميا" Jumia، مجموعة التجارة عبر الإنترنت، النشطة في نيجيريا وأسواق إفريقية أخرى والمدرجة في نيويورك، تمتلك حصة في MTN في جنوب إفريقيا -أكبر مجموعة اتصالات في القارة من حيث عدد المشتركين- وتعد أكبر داعم لها. كانت نيجيريا سوقا صعبة حتى بالنسبة للمستثمرين في جنوب إفريقيا: واجهت شركة MTN هجمات تنظيمية متكررة على أعمالها واسعة النطاق في البلاد، وتخلى عدد من تجار التجزئة في جنوب إفريقيا عن خطط للتوسع النيجيرية خلال العقد الماضي. في تموز (يوليو) قال بيتر إنجلبريتشت، الرئيس التنفيذي لشركة شوبرايت، أكبر شركة لبيع المنتجات التموينية والاستهلاكية في إفريقيا، إن الظروف التجارية للعمليات الإفريقية للشركة "قاسية"، ليس أقلها انخفاض قيمة العملات المحلية في أسواقها الكبيرة مثل أنجولا وزامبيا ونيجيريا. خارج جنوب إفريقيا، تراجعت مبيعات "شوبرايت" 7.7 في المائة في النصف الأول من عام 2019، على الرغم من انتعاشها في موطنها. في ذلك الوقت قال إنجلبريتشت: "لكن بالنظر إلى تفاؤلنا بفرص بيع مواد غذائية بالتجزئة على المدى الطويل في القارة، فإننا لا نزال حازمين في هدفنا المتمثل في أن نكون متجر التجزئة معقول التكلفة والمتاح في إفريقيا". قد يعود سبب مرونة الشركة إلى أن المنطقة المجاورة مباشرة لجنوب إفريقيا كانت بمنزلة حقل تجارب مثالي لمزيد من التوسع الإفريقي. فهي تمتلك بعض أفضل نماذج البنية التحتية في القارة -الطرق وشبكات السكك الحديدية وموانئ الحاويات- إضافة إلى اتحاد جمركي عمره قرن بين جنوب إفريقيا وجيرانها المقربين مثل بوتسوانا وناميبيا. غالبا ما تكون شركات تجارة التجزئة عبر الحدود، التي ظهرت خارج جنوب إفريقيا ذات أصول جنوب إفريقية، مثل "تشوبيز" في بوتسوانا، أو "زامبيف" في زامبيا. يقول جونز: "جنوب إفريقيا متكاملة تماما، لذا هي تحتاج إلى خطوة صغيرة نسبيا عبر الحدود، ثم إلى الدول الأبعد في الشمال".
مشاركة :