استؤنفت، ليل الثلاثاء الأربعاء، عمليات استهداف مقرات وقواعد عسكرية تشغلها القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها في سوريا، على وقع تصعيد أميركي إيراني جديد ناتج عن اغتيال قائد قوات فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري قاسم سليماني والذي يعد مهندس التدخل الإيراني في سوريا. واستهدفت غارات جوية يعتقد أنها إسرائيلية مطار التيفور العسكري والذي يسمى أيضا “التياس” في ريف حمص، وعدّ الهجوم الأعنف وركز على ضرب مخازن للأسلحة والذخيرة. وجاءت الغارات الجديدة بالتزامن مع قصف لطيران مجهول مواقع تابعة للحكومة السورية في شرق البلاد، وسط تزايد الهواجس من إمكانية تحول سوريا مستقبلا إلى ساحة مواجهة بين واشنطن وحلفائها من جهة وطهران وأذرعها من جهة ثانية، خاصة وأنه سجل عقب مقتل سليماني إعادة انتشار للعناصر الإيرانية وأذرعها في الشرق وتحديدا في محافظة دير الزور المحاذية للعراق. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل ثلاثة من العناصر التابعة لإيران جراء القصف، وأوضح أن الحصيلة مرشحة للارتفاع، مشيرا إلى أن “القصف، تسبب بتدمير مستودع ذخيرة للميليشيات الإيرانية ومبنى قيد الإنشاء بالإضافة إلى تدمير عربتين عسكريتين”. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مطار التيفور العسكري. وكانت طائرات إسرائيلية استهدفته في يونيو الماضي ما تسبب في مقتل خمسة على الأقل، وقبلها سجل هجوم على المطار في أبريل سارعت روسيا حينها إلى توجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل وهي من المرات النادرة، التي تقدم فيها موسكو على تلك الخطوة. وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” في وقت سابق إن الدفاعات الجوية للبلاد اعترضت العديد من الصواريخ التي أطلقت على قاعدة التياس الجوية. ووجهت مصادر مقربة من الحكومة السورية أصابع الاتهام إلى القوات الأميركية، التي تتمركز في منطقة التنف الواقعة على المثلث الحدودي السوري العراقي، بأنها من “سهلت مرور الطائرات الحربية الإسرائيلية التي قصفت مطار التيفور”. طهران تعمل جاهدة على إنشاء قاعدة على الأراضي السورية، ونصب منظومة صواريخ مع آلية استهداف دقيقة. وأشارت المصادر إلى أن الاستهداف، لم يكن هدفه إلحاق خسائر بشرية بل تدمير مخازن وأسلحة تخشى إسرائيل أن تستخدم في مواجهات ضدها. ولم يصدر تعليق من الجيش الإسرائيلي، الذي لا يعترف عادة بعملياته في الخارج، ولكن جميع المؤشرات تؤكد أنه من يقف خلفها، خاصة وأن إسرائيل تضع طرد القوات الإيرانية وأذرعها من سوريا أولوية مطلقة على الجبهة الشمالية. وسبق وأن حذر محللون إسرائيليون من مشروع الصواريخ الإيرانية الدقيقة في سوريا، مشيرين إلى أن طهران تعمل جاهدة على إنشاء قاعدة على الأراضي السورية، ونصب منظومة صواريخ مع آلية استهداف دقيقة. وجاءت الضربة على مطار التيفور وسط توترات شديدة في المنطقة في أعقاب مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في غارة أميركية بطائرة دون طيار في وقت سابق من هذا الشهر. ويعتبر سليماني مهندس المشروع الإيراني لإقامة موطئ قدم في سوريا، وتفيد تقديرات إسرائيلية بأن مقتله من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على المشروع، وبالتالي يمنح إسرائيل فرصة لمضاعفة جهود إنهائه. ونقل المحلل العسكري في موقع يديعوت أحرونوت الإلكتروني، رون بن يشاي، عن مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة قولها إن الاعتقاد في جهاز الأمن هو أن اغتيال سليماني “أحدث فراغا” في المنظومة الإيرانية التي أدارت التموضع في سوريا ومشروع تحسين دقة الصواريخ. “فقد كان سليماني يحرك خيوط هذه المنظومة لوحده، واغتياله كان بمثابة خطوة غيّرت قواعد اللعبة”. ولفت المحلل إلى أن التقديرات الحالية تفيد بأن إيران ستحضر في نهاية المطاف إلى مفاوضات مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى وستوافق على إعادة بحث الاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن، وسيحدث ذلك على الأرجح بعد الانتخابات التشريعية القريبة في إيران وبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي ستجري في نوفمبر المقبل. واعتبر بن يشاي “في هذه الأثناء، يحظر السماح للإيرانيين بإقامة في ساحتنا الخلفية، سوريا والعراق، غول صاروخي وميليشيات كالتي أقاموها ضدنا في لبنان بعد حرب لبنان الثانية”. وتدخلت إيران بشكل مباشر في الحرب السورية منذ العام 2013، حيث أرسلت قوات لها من فيلق القدس وميليشيات عراقية ولبنانية فضلا عن تجنيد المئات من العناصر الشيعية من باكستان وأفغانستان للقتال لصالح الرئيس السوري بشار الأسد. وعملت إيران على بناء أرضية لوجود دائما لها، في مسعى لمحاصرة “العدو” الإسرائيلي وأيضا للحصول على منفذ على البحر المتوسط الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى مسرح للنزاعات الدولية على خلفية الاكتشافات الغازية الهائلة هناك. وشكل الوجود الإيراني أحد أكبر الهواجس الأمنية بالنسبة لإسرائيل، التي شنت منذ العام 2013 المئات من الغارات على مواقع تابعة لطهران، وقد نجحت إلى حد ما في الحد من هذا الوجود في الجنوب السوري المتاخم لها، ولكن ذلك لم يخفف من المخاوف الإسرائيلية.
مشاركة :