تكمن خطورة استنتاجات بحثية حديثة في أن معظم العقاقير الدوائية الأكثر شيوعاً على مستوى العالم يمكن أن تؤثر سلبياً على كيمياء الدماغ بما ينعكس على السلوكيات والعواطف الوجدانية والحالة المزاجية.فلنُلق نظرة... يعرف الجميع أن عقاقير الهلوسة تؤثر سلبياً على الوظائف الدماغية والعقلية وبالتالي على السلوكيات الشخصية والحالة النفسية والمزاجية. لكن أدلة واستنتاجات بحثية متواترة جديدة حذرت من أن بعض العقاقير الدوائية الشائعة - كالمسكنات التي تحتوي على باراسيتامول، ومضادات الحساسية، وعقاقير الستاتين المخفضة لكوليسترول الدم، وعقاقير الربو، ومضادات الاكتئاب - قد لا تقل تأثيراتها السلبية على الدماغ عن تأثيرات عقاقير الهلوسة، حيث إنها قد تجعل متعاطيها أكثر اندفاعاً وأسرع انفعالا وأكثر قلقا كما أنها قد تقلل مستوى تعاطفهم الوجداني مع الآخرين.وتأتي هذه الاستنتاجات في وقت يواجه فيه العالم أزمة الإفراط في تناول العقاقير. فعلى سبيل المثال، يستهلك الأميركيون 49 ألف طن من أدوية الباراسيتامول سنوياً، أي بمعدل 298 قرصاً لكل شخص. وفي المملكة المتحدة يتناول واحد من بين كل عشرة أشخاص ممن تفوق أعمارهم 65 عاما ثمانية عقاقير أسبوعيا.في هذا السياق، كشفت الدكتورة بياتريس غولومب، الباحثة في جامعة كاليفورنيا الأميركية، عن أنها أجرت دراسة تحليلية موسعة حول المرضى الذين أثرت عقاقير شائعة على أدمغتهم وغيرت شخصياتهم بشكل أدى إلى خلق انعكاسات سلبية ومدمرة على حياتهم الزوجية والمهنية، بل ودفعت كثيرين منهم إلى الشروع في القتل. وقالت غولومب إنها لاحظت من خلال دراستها أن أعراض التغير في الشخصية تزامنت مع بداية تناول أحد العقاقير المخفضة للكوليسترول (الستاتينات) في عدد كبير من الحالات، وأن معظم تلك التغيرات اختفت عندما توقف المرضى عن تعاطي تلك العقاقير.وتعتقد غولومب وباحثون آخرون أن السبب قد يكمن في أن تخفيض مستويات الكوليسترول يؤثر على مستويات السيروتونين، الذي هو ناقل عصبي مسؤول عن تنظيم المزاج والسلوكيات الاجتماعية في الدماغ، خصوصا وأن نتائج دراسات سابقة كانت قد ربطت بين انخفاض مستويات السيروتونين وبين زيادة نزعات العنف والاندفاع والانتحار والرغبة في القتل لدى البشر ولدى ثدييات أخرى.ويؤيد دومينيك ميشكوفسكي، الباحث في الآلام بجامعة أوهايو الأميركية، كلام غولومب قائلاً إن معظم الأبحاث تركز على الآثار الفسيولوجية للعقاقير، لكنها لم توضح حتى الآن مدى تأثير تلك العقاقير على أدمغتنا وسلوكياتنا وأمزجتنا.وقال ميشكوفسكي إنه أجرى مع مجموعة باحثين دراسة في هذا الاتجاه حول تأثير عقاقير الباراسيتامول المسكنة على قدرة الدماغ في ما يتعلق بالعواطف، مشيراً إلى أن نتائج الدراسة كشفت عن أن عقاقير الباراسيتامول تقلل بشكل كبير من المشاعر الوجدانية عموما والتعاطف مع الآخرين خصوصا.ويرى ميشكوفسكي أن هذه النتيجة «مرعبة»، وذلك لأن هذه العقاقير واسعة الانتشار عالمياً وقد تؤثر سلبياً على العلاقات الاجتماعية، بما في ذلك العلاقات الغرامية والصحة النفسية للأطفال والحياة العملية الناجحة. لذا، ينصح ميشكوفسكي بعدم تناول أي من عقاقير الباراسيتامول قبل المشاركة في المواقف الإنسانية والاجتماعية التي تتطلب تفاعلاً وجدانياً.وتشير أدلة أخرى أيضاً إلى أن معظم أدوية الربو لها تأثيرات سلبية على كيمياء الدماغ، وأن تلك التأثيرات تؤدي إلى تغييرات في المزاج والسلوكيات، بما في ذلك فرط النشاط أو زيادة احتمالات الإصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه. ويعتقد أن السبب يكمن في أن أدوية الربو تتسبب في اضطراب مستويات السيروتونين والمواد الكيماوية المسببة للالتهابات في الدم.ويتفق الباحثون على أن هذه الأدلة لا تعني أنه ينبغي التوقف عن تناول تلك العقاقير. وتلخيصاً لذلك قال ميشكوفسكي «لا مشكلة ما دمنا نتعاطى تلك العقاقير باعتدال وبالطريقة الملائمة، لكن من المهم جداً أن نعرف مدى وحجم تأثيراتها الجانبية السلبية على صحتنا الذهنية والنفسية».
مشاركة :