بعدما صنعت محلات الكاسيت في الكويت نجوماً، أتى وقت أفولها فأغلقت أبوابها إلا القليل مما تبقى من هذه المحلات الذي ظل يقاوم الانقراض ويصارع من أجل البقاء، ووفقاً لجولة ميدانية قامت بها «الراي»، لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، موزعة على مناطق حولي والسالمية والفحيحيل، حيث تصارع هذه المحلات من أجل البقاء، ويبقى التساؤل هل تتحرك أجهزة الدولة المعنية للحفاظ على هذا التراث الفني والتاريخي؟ الداخل لهذه المحلات يشعر وكأن آلة الزمن عادت به إلى الوراء، وألقته في حقب السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات... فنوادرالأغاني بعضها لن تجده إلا في تلك المحلات التي تمتلك تراثاً ينتظر من يزيح عنه الغبار ويوثقه ويحفظه لتطلع عليه الأجيال القادمة.من بين هذه المحلات محل «كيلوباترا» الكائن في منطقة حولي في شارع تونس قبالة الدائري الثالث، الذي يعد واحداً من أبرز هذه البقية المتبقية من هذه المحال الشاهدة على عقود من التاريخ الكويتي، وقد تم تدشينه العام 1969. هذه المحلات، على قلتها إلا أن لكل منها تخصصاً، فثمة المتخصص في الأغاني القديمة، وهناك المتخصص في التراث اليمني، وآخر متخصص في الفنون الشعبية والسمرات، بينما البعض الآخر يحاول اللحاق بالأغاني الحديثة «نسبياً».ووفقاً لأصحاب المحلات الذين تحدثوا لـ «الراي»، فإنه «ما زال هناك هواة شراء أشرطة الكاسيت في الكويت، ويفضلون اقتناء تلك الأشرطة على شراء الأسطوانات المدمجة (سي دي) كون الأخيرة سريعة التلف، وبعضهم لديه أشرطة نادرة يأتي إلينا لتحويل نسخة منها إلى (سي دي) زيادة في الاحتياط». وعلى وقع قلة البضاعة المبيعة وارتفاع الإيجارات فضلاً عن رواتب العمالة وبعض الالتزامات الأخرى، يضطر أحياناً بعض أصحاب تلك المحلات إلى الدفع من جيوبهم لسد العجز الشهري في المصروفات، لكن في الأعم الأغلب بالكاد تغطي هذه المحلات مصروفاتها الشهرية.الجانب المعنوي يشكل العنصر الأهم في سبب صمود أصحاب هذه المحلات، فأرفف الشرائط شكلت ذكريات طفولتهم وأجهزة التسجيل ساهمت في تنمية ذائقتهم الموسيقية. الشريط الذي كان سعره في الثمانينيات دينار واحد، أصبح لا يتجاوز الآن الدينار ونصف الدينار بزيادة تكاد لا تذكر. وتقدم تلك المحلات خدمة تصليح الأشرطة التالفة بفعل الكسر أو الذوبان بسبب حرارة الشمس، فيما يؤكد أصحاب المحلات المتبقية أن البقاء مرهون بعدم هدم البنايات المتواجدين فيها، أو مغادرتها ورفع سعر الإيجار. ركود سوق الأشرطة بدأ في 2005، مع انتشار الأجهزة الذكية وتدشين موقع «اليوتيوب». ومازالت محلات بيع الشرائط تحتفظ بأجهزة للنسخ والتسجيل ونقل المواد من أجهزة الكاسيت لـ (سي دي) والعكس. وبالتزامن مع صراع تلك المحلات من أجل البقاء، تكاد تكون الكويت خالية من أجهزة المسجلات باستثناء عدد محدود تبيعه محلات الإلكترونيات القديمة في منطقة المباركية، وتجاوز سعر الواحدة منها الـ 100 دينار. وعن شريحة زبائن الكاسيت الحالية، فإن المتابع سيجد أن أغلبها من كبار السن مع ثلة صغيرة من الشباب الباحثين عن الأغاني العدنية وغيرها من الأعمال الفنية التي لا توجد نسخة «صافية» منها على موقع «اليوتيوب».وبنبرة حزن على المجد الذي كان، اختتم أصحاب تلك المحلات حديثهم بالقول «إن الذي أثر على عملنا ودمرنا الإنترنت وموقع «اليوتيوب» والوصلات في السيارة، لكن ما زال لدينا بعض من عشاق الزمن الجميل».
مشاركة :