عند متابعة مناهج الثقافة الإسلامية والتاريخ في مختلف السنوات والمراحل الدراسية نجد أنّ معدي تلك المناهج يعتقدون أنّ القتال لنشر الإسلام من أنواع الجهاد في سبيل الله، حيث إنه في درس الجهاد في سبيل الله في منهج الحديث والثقافة الإسلامية لثالث ثانوي بنين لأقسام العلوم الشرعية والدينية طبعة 1428-1429هـ الموافق 2007- 2008م، نجد إطلاق هذا السؤال:» متى يكون القتال جهادًا في سبيل اللَّه؟» وجوابًا عن هذا السؤال، يقول معدو المنهج «أن يكون تلبية لأمر اللَّه، وتضحية في سبيله، ونشرًا لعقيدة التوحيد، ودفاعًا عن حياض الإسلام وديار المسلمين، وإعلاءً لكلمة اللَّه، فهذا هو الجهاد في سبيل اللَّه». [ص151] وذات السؤال وذات الجواب نجدهما في درس الجهاد في سبيل الله في الثقافة الإسلامية لمادة الحديث (2) التعليم الثانوي نظام المقررات، طبعة 1441هـ/2019، ص 185، «متى يكون القتال جهادًا في سبيل الله ؟ والجواب: «لا يخرج القتال عن مقصدين: أن يكون تلبية لأمر الله وتضحية في سبيله ونشرًا لعقيدة التوحيد ودفاعًا عن حياض الإسلام وديار المسلمين وإعلاء لكلمة الله فهذا هو الجهاد في سبيل الله.» وجاء في تعريف الجهاد في الاصطلاح: «... كما يشمل معنى القتال الذي شرعه الله تعالى لنشر الدعوة الإسلامية، وليتمكن الناس من الدخول في دين الإسلام للحماية وتوفير الأمن ولمواجهة الظلم والاضطهاد والفوضى...» وفي منهج السيرة النبوية وتاريخ الدولة الإسلامية لسنة أولى ثانوي لعام 1424هـ/ 2003م، وقد وضعه وراجعه نفس الذين وضعوا منهج الحضارة الإسلامية لسنة ثانية ثانوي: «وقد سار الخلفاء الراشدون ومن جاء بعدهم على نهج الرسول عليه الصلاة والسلام، وتبليغ الشعوب دعوة الإسلام، وإليك عرضًا موجزًا لامتداد الدولة». [ ص47 ــ 48] وفي منهج الدراسات الاجتماعية والمواطنة لثاني متوسط/ للعام الدراسي 1441هـ / ف1، ص 25، جاء هذا النص: «سار خلفاء بني أمية في سبيل نشر الإسلام ورفع راية التوحيد على سياسة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، فتوسعوا في فتوحاتهم حتى وصف عصر الدولة الأموية بعصر الفتوحات الإسلامية..»، وجاء في الصفحة التي تليها: «كثّف الأمويون جهودهم في سبيل نشر الإسلام في بلاد الروم، فرتب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حملات برية وبحرية متتابعة».[المصدر السابق: ص 26] ولنتوقف عند الآتي: 1- ما جاء في تعريف الجهاد في الاصطلاح:» ... كما يشمل معنى القتال الذي شرعه الله تعالى لنشر الدعوة الإسلامية. 2- القول بأنّ من مقاصد القتال جهاداً في سبيل الله نشر عقيدة التوحيد، وأنّ هذا هو من الجهاد في سبيل الله.» وهذان القولان لا يتفقان مع المفهوم الإسلامي الصحيح للجهاد في سبيل الله، فالإسلام أمرنا بقتال من يقاتلنا، ونهانا عن البدء بالعدوان: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة:190]، (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ) [البقرة:194].. فهاتان الآيتان تلخصان مفهوم القتال في سبيل الله، ولا توجد آية قرآنية واحدة تنص على فرض الإسلام بالقتال، بل تدعو إلى اتباع الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إليه: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل:125]، وقد نص القرآن الكريم على الحرية الدينية في آيات كثيرة، منها: (لا إكراه في الدين)(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ. لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:21-22]، (لكم دينكم ولي دين)، (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)[النور:54] وليس القتال للبلاغ، فمن أين أتى واضعو المناهج بهذه الأقوال لتحريف معنى الجهاد في سبيل الله، وجعله لفرض الإسلام بالسيف ليعزِّزوا افتراءات المستشرقين التي أطلقوها ضد الإسلام؟. 3- أمّا القول: «سار خلفاء بني أمية في سبيل نشر الإسلام ورفع راية التوحيد على سياسة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فتوسعوا في فتوحاتهم» فهذا مغاير للحقائق التاريخية، ويؤكد هذا: • صحيفة المدينة وهي أول دستور مدني في تاريخ البشرية تمت كتابته فور هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ويهدف إلى تحسين العلاقات بين مختلف الطوائف والجماعات في المدينة، وعلى رأسها المهاجرون والأنصار واليهود وغيرهم، حتى يتمكن بمقتضاه جميع سكان المدينة على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم من التصدي لأي عدوان خارجي على المدينة، فلم يفرض الإسلام عليهم، وهي عاصمة الدولة الإسلامية، بل أقرهم على دياناتهم ونظّم العلاقات بينهم، وجمعهم جميعًا على مواجهة أي عدوان خارجي يهدد أمنهم.
مشاركة :