سيرة حياة الراوي سعيد بن راشد حمبوص الظهوري وحكاياته هي سجل للحياة الجبلية بكل تفاصيلها، فقد عاش في منطقة جبال شعم من رأس الخيمة، تلك المنطقة الرعوية الخصبة بأشجارها وأعشابها، والغنية بمواشيها، والآمنة بأكناف جبالها والتي هيأت لسكانها أنواعاً من البيوت محفورة في الجبال تقيهم الحر والبرد وتوفر لهم الأمان، فعاشوا نمطاً خاصاً من الحياة يتميز كثيرا عن أنماط الحياة في المناطق غير الجبلية، واستوعبوا بيئتهم وما توفره من مواد أولية يمكن تسخيرها لتسيير حياتهم، فكان أن أنتجوا أنواعاً من الحرف في مجال البناء والرعي والري والزراعة، وقد استوعب سعيد حمبوص الظهوري تلك الحياة وعاشها بكل تفاصيلها كواحد من أبناء الجبال يقوم بما يقوم به أهله وأقرانه، وحفظ تلك التفاصيل في ذاكرة حتى إذا شاهد الواقع يتغير والحياة القديمة تندثر والناس ينزحون إلى المدن، نذر نفسه لحفظ ذلك التراث، ويخلد حكاياته، ونتيجة لجهوده فقد كرمته إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة في الدورة الثامنة من يوم الراوي، و أوردت له سيرة مختصرة في كتاب يوم الراوي عشر سنوات مسيرة عشر سنوات .يحكي سعيد الظهور تفاصيل مهنة البناء، حيث تميزت أبنية الجبال باعتمادها على الحجارة بدلاً من اللبن المصنوع من الطين في المناطق الأخرى، وتجمع الحجارة ثم وترص ويلحم بينها بعجين الطين والتبن لكي تتماسك، وبعد أن تصل الحيطان إلى الارتفاع المطلوب تسقف بخشب جذوع النخل، تبسط فوقه حصائر الجريد ويصب فوقها الطين المخلوط بالتبن، فيصبح السقف قوياً متماسكاً يسمح بالصعود فوقه، ويضعون المرازيب المرزاب التي تسرب المياه من سطح البيوت الطيني إلى الأرض حتى لا يذوب الطين فيخرب البناء، وربما وجد بعض السكان كهفاً أو حفراً في الجبل قابلاً للتحويل إلى بيت سكني، فيطوره ويعدل عليه حتى يبدو بيتاً جميلاً كأنه محفور في الجبل، وكانت لتلك البيوت قدرة طبيعية على التكيف مع التقلبات المناخية، ففي فصل الشتاء تكون دافئة توفر لسكانها ملجأ من ليالي الشتاء القارسة، وفي الصيف تكون باردة يخلدون إليها من حرارة الجو فتكون باردة بما يكفي لراحتهم، أما الأثاث فكان أغلبه يصنع من جلود الماشية، والأواني تصنع من الخشب في أغلب الأحيان، فكل شيء من تلك البيئة قابل للاستغلال، كما يقول الظهوري، وكان أبناء الجبل يتميزون بالفطنة والانتباه لكل شيء، فلا يفوتهم ما يمكن الاستفادة منه. كما يحكي الظهوري عن طرقهم في الزراعة التي عرفوها منذ القدم بعدة أشكال خاصة زراعة النخيل والحبوب، ومن أهم الحبوب التي كانوا يزرعونها القمح والشعير والدخن والذرة حيث تزرع ضمن الأراضي المنبسطة الصالحة للزراعة في المناطق الجبلية وتعتمد في ريها على مياه الأمطار، حيث تتجمع السيول في أكناف الجبل التي تكون عادة مغطاة بالرمل، والمناطق السهلة عند السفوح، ويعمدون إلى تلك المناطق بعد انحسار الماء فيحرثونها بالبذور، ويقومون وحين يخرج النبات يقومون على حراسته من الماشية، وكانوا يستعملون ما نصب على شكل إنسان عليه قماش يظل يرفرف في الريح لكي تتوهم الطيور أنه إنسان فتهرب منه بعيداً عن الحرث. امتهن سعيد الظهوري في مدة من حياته مهنة بيع الحطب، فكان يجلب الحطب إلى القرى الساحلية، ويبيعه فيها، ويقوم عمل الحطاب على جمل الأخشاب الجافة من بقايا جذوع الشجر وأغصانها، وتقطيعها وفلقها إلى أجزاء وتقطيعها على شكل أعمدة صغيرة بحجم نصف متر، ثم جمعها في حزم أو خيش كبير، وحملها على الدواب، وتتميز الإبل بشكل خاص بقدرتها التحميلية التي تصل ما يقارب سبعين كيلوغراماً من الحطب، وتستطيع السير لمسافات بعيدة، ويعتبر شجر السمر من أجود أنواع الحطب، لأن جمره قوي وتطول ولا تخبو وتدوم ناره مدة طويلة تكفي لإنضاج الطعام، كما يتحدث الظهوري أيضا عن جمع العسل، وطرقه وكيف كان ذلك مهنة رائجة يقبل عليها كل أبناء الجبل، وكانوا يعرفون الأماكن تجمع النحل، وطرقه في تخزين العسل، ويستخدمون لجمل العسل أدوات خاصة. كان يحمل يومياً 70 كيلوغراماً من الحطب بأعالي الجبال ويسير بها إلى مسافات بعيدة وصولاً إلى القرية.
مشاركة :