تخصص الولايات المتحدة ثالث يوم اثنين من شهر يناير كل عام، للاحتفاء بذكرى زعيم حركة الحقوق المدنية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، القس مارتن لوثر كينغ جونيور. يخصص هذا اليوم لاستحضار ذكرى كينغ وأثر جهوده لمكافحة التمييز العنصري على المجتمع الأميركي، والعمل الذي لا يزال يتوجب إنجازه لانتزاع المزيد من الحقوق. حلِم الرجل بأميركا أفضل لجميع الأميركيين وبعالم أفضل لجميع الناس، وعرف أن الحرية والعمل هما حاجة وحق لكل إنسان ليعيش بكرامة. وفي 28 أغسطس عام 1963، سار كينغ في مسيرة ضمت مئات آلاف من المواطنين إلى العاصمة واشنطن ليبلغ العالم بأن حلمه "ضارب بجذوره العميقة في الحلم الأميركي" بالعيش الكريم، ولم يرزح تحت "قيود العزل" ولم تكبل إرادته بـ"سلاسل التمييز". في تلك اللحظة التاريخية، وفي ظل نصب لينكولن التذكاري في قلب العاصمة واشنطن، كان كينغ آخر المتكلمين فيما عرف لاحقا بأنه أكبر احتجاج في تاريخ الحقوق المدنية. وحقق كينغ ما كان يحلم به، إذ ألغي التمييز على أساس العرق في التوظيف والتعليم وجرّم الفصل العنصري في المرافق العامة الأميركية، بالإضافة إلى إنهاء "ضريبة الاقتراع"، التي كانت تفرض على السود في ولايات الجنوب من أجل حرمانهم من الاقتراع أو إعاقتهم عن ممارسة هذا الحق. وتم الاحتفال بيوم مارتن لوثر كينغ، لأول مرة في عام 1986، فيما عمم الاحتفال به في جميع الولايات بحلول عام 2000. نشأته وإنجازاته ولد كينغ في 15 يناير 1929 في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، حيث سادت أبشع مظاهر التفرقة العنصرية. وفي عقده الثالث، استطاع كينغ باستراتيجيته اللاعنفية أن يساهم في تغيير وجه الولايات المتحدة. جاءت نقطة التحول المفصلية في نضال كينغ في ديسمبر 1955، حينها رفضت روزا باركس وهي سيدة سوداء أن تخلي مكانها في حافلة لراكب أبيض، حسبما كان متبعا، فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها. إثر ذلك الحادث، نادى كينغ بمقاطعة شركة الحافلات وامتد ذلك عاما كاملا أثر كثيرا على إيرادات الشركة، وأدى إلى كسر قانون العزل العنصري في ألاباما. وتحقق النصر في 1956، حين استقل كينغ وزملاء له في النضال حافلة مختلطة. الخطوة الثانية جاءت في مايو عام 1957، حينها ردد كينغ (27 عاما آنذاك) صرخته الشهيرة "أعطونا حق الانتخاب" في خطابه خلال مسيرة "الحج من أجل الحرية" أمام نصب لينكولن التذكاري الذى هاجم فيه السياسيين من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة (الجمهوري والديمقراطي) ونجحت مساعيه في تسجيل خمسة ملايين أميركي من أصول إفريقية في سجلات الناخبين في الجنوب. لدي حلم خطاب كينغ الشهير، الذي كان مكتوبا، وصف حالة المتظاهرين الأميركيين الذين قدموا إلى عاصمة بلادهم من كل حدب وصوب لـ"المطالبة بديْن مستحق لهم.. ولم تف أميركا بسداده"، وقال "بدلا من أن تفي بما تعهدت به، أعطت أميركا الزنوج شيكا من دون رصيد، شيكا أعيد وقد كتب عليه أن الرصيد لا يكفي لصرفه". وفي سياق الخطاب، صرخت منشدة التراتيل الدينية المعروفة آنذاك مهاليا جاكسون "أخبرهم مارتن عن حلمك.. أخبرهم مارتن عن حلمك". فما كان من القس الذي اعتاد على عظات قداس الأحد إلا أن وضع أوراقه جانبا.. أمسك بطرف المنصة.. تنفس بعمق.. ثم قال "لدي حلم.. أقول لكم اليوم، يا أصدقائي، إنه على الرغم من الصعوبات والإحباطات، ما زال لدي حلم". "لدي حلم أنه في يوم ما ستنهض هذه الأمة وتعيش المعنى الحقيقي لعقيدتها الوطنية بأن كل الناس خلقوا سواسية". "لدي حلم أن أطفالي الأربعة سيعيشون في يوم واحد في دولة حيث لا يتم الحكم على لون بشرتهم بل على مضمون شخصيتهم". "هذا هو أملنا.. دعوا أجراس الحرية تقرع وتنشد.. أحرار في النهاية! أحرار في النهاية! شكرا يا رب، نحن أحرار في النهاية!" وتوالت خطابات كينغ. ففي الثالث من أبريل عام 1968، خطب كينغ في إحدى كنائس ممفيس بولاية تينيسي حيث ذهب لمساندة عمال الصرف الصحي المضربين. في ذلك الخطاب دعا إلى الوحدة والإجراءات الاقتصادية والمقاطعة، والاحتجاج اللاعنفي، متحديا الولايات المتحدة لأن ترقى إلى مُثُلها العليا. وقبيل نهاية خطابه، تحدث عن إمكانية موته المبكر. اختير كينغ كأول أميركي من أصل إفريقي "شخصية العام" من مجلة تايم عام 1963، كما أنه كان حصل على جائزة نوبل للسلام في 1964 عندما كان في الـ35 من عمره. رحيله وعند مغيب شمس الرابع من أبريل 1968، قتل مارتن لوثر كينغ في موتيل لوريان في ممفيس بولاية تينيسي، على يد محكوم سابق يدعى جيمس إرل راي صوب بندقيته تجاه غرفة كينغ وانتظر خروجه. وعندما خرج كينغ من الغرفة للتحدث إلى مساعده آنذاك جيسي جاكسون، دوى صوت طلق ناري، وانفجرت حنجرة كينغ ثم سقط على أرض الشرفة واندفع الدم من عنقه. كينغ كان يستعد للظهور أمام تجمّع جماهيري في تلك الليلة ويتأهب لقيادة مسيرة في ممفيس لتأييد إضراب عمال الصرف الصحي الذي كاد يتفجر في عدد من المدن الأميركية.
مشاركة :