في شهر أغسطس من العام 2018 أصدر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قرارا بتأسيس “مجموعة عمل إيران” في الوزارة؛ لتقوم بالتعامل المباشر مع كل متعلقات الملف الإيراني، وتتابع الالتزام بتطبيق العقوبات الأميركية على طهران، ويناط بها تقدير فرض تبعات معينة على الدول التي تحاول تجاوز نصوص العقوبات المفروضة على إيران أو الالتفاف عليها أو إيجاد المخارج لها، أو تلك التي لا تجد نفسها ملزمة بإجراءات واشنطن. وقع اختيار بومبيو، حينها، على المحامي براين هوك ليكون على رأس المجموعة، ليضطلع بمهام المبعوث الأميركي الخاص لإيران أيضا، كما تم تكليفه بإدارة وإعادة تقييم وتنسيق كل جوانب نشاطات وزارة الخارجية المرتبطة بإيران. الأكثر نفوذا كان هوك، حتى تاريخ استلامه لرئاسة مجموعة عمل إيران، يشغل منصب مدير دائرة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأميركية، وهو الموقع الذي شغله بتعيين مباشر من الوزير السابق ريكس تيلرسن. والمنصب كان يشار إليه بأنه أحد أكثر المناصب نفوذا وتأثيرا في سير الأعمال والقرارات المرعية في الوزارة. وقد صّرح هوك حال توليه مسؤولياته بأن مجموعته ستهدف إلى “فرض احترام الدول الأخرى للعقوبات الاقتصادية على إيران، التي أعاد الرئيس الأميركي العمل بها بعد انسحابه من الاتفاق النووي بين طهران والقوى الدولية الكبرى (5+1) المنجز في العام 2015”. وأشار إلى أن مجموعة عمل إيران “مصممة لتكون قادرة على القيام بجهد دولي يدفع النظام الإيراني إلى تغيير سلوكه”. هوك يرى أن من النتائج المباشرة والأهم للعقوبات الهادفة إلى ردع إيران وإعادتها إلى جادة الصواب، أن صندوق النقد الدولي كان مضطرا إلى تعديل رؤيته المالية لإيران بسبب انكماش اقتصادها في صورة مضطردة خلال إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، شغل هوك منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون المنظمات الدولية، وكذا موقع كبير مستشاري سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، والمساعد الخاص للرئيس بوش للشؤون السياسية في مكتب كبير موظفي البيت الأبيض، وأخيرا مستشار مكتب السياسة القانونية في وزارة العدل الأميركية. وهو حائز على درجة البكالوريوس في التسويق من جامعة سانت توماس، وعلى درجة الماجستير في الفلسفة من كلية بوسطن، وشهادة في القانون من كلية الحقوق بجامعة أيوا. في الخط الثاني من نشاطه السياسي عمل هوك في حملة المرشح مت رومني للانتخابات الرئاسية في العام 2012 كمستشار أول للسياسة الخارجية. ومديرا للسياسة الخارجية للحملة الرئاسية للحاكم تيم باولنتي من العام 2010 إلى 2011. نووي وميليشيات أعلن الرئيس دونالد ترامب في مايو 2018، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في فيينا في شهر مارس من العام 2015، عازياً انسحابه إلى أن إيران لم تتوقف عن نشاطاتها العسكرية في تمويل الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، والمنتشرة في غير دولة عربية من أجل القيام بعمليات قتالية تصب في مطامع الملالي الحاكمين، وتعمل على تصدير أفكارهم وأحلامهم التوسعية الشوفينية على حساب دول الجوار ذات السيادة. رأى ترامب أن الاتفاق كان يصب في مصلحة إيران وتأمين الموارد لها، والتي لم تستعملها في التنمية ورفع مستوى معيشة شعبها وتأمين فرص العمل والوظائف لشبابها، بل كانت الأموال التي حصلت عليها طهران إثر توقيع الاتفاق الدولي تهدر لتمويل أعمال العنف والإرهاب التي تمارسها كتائبها العابرة للحدود، بتمويل وقيادة من الحرس الثوري من طهران. ولا ننسى أن الخلاف الرئيسي والجوهري بين طهران وواشنطن يتعلق مباشرة بالبرنامج النووي الإيراني ومشاريعها لإنتاج الصواريخ الباليستية بعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية، وفي النهاية طموحها الأعظم في إنجاز امتلاك السلاح النووي. سارعت واشنطن مباشرة بعد انسحابها لتعلن عن استئناف العمل بكافة العقوبات التي تم تعليقها، معتمدة سياسة العصا والجزرة في علاقتها مع إيران. ففي 30 يوليو 2018، أعلن ترامب “أنه لا مانع لديه من إجراء لقاء مع الرئيس الإيراني حسن روحاني”. أما الرد الإيراني فلم يتأخر أبدا، وأعلن روحاني في اليوم التالي رفضه للعرض الأميركي معللا قراراه بأن “الولايات المتحدة غير جديرة بالثقة”، على حد قوله. كما دفع بأحد مستشاريه وهو حميد أبوطالبي، ليدلي بتصريح مفاده أن إيران تشترط على واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي قبل الجلوس إلى طاولة الحوار، وقال “إن احترام حقوق الأمة الإيرانية وخفض الأعمال العدائية والعودة للاتفاق النووي خطوات يتعين اتخاذها لتمهيد طريق المحادثات بين واشنطن وطهران”. ضربة سليماني في منتصف أكتوبر الماضي مثل هوك أمام مجلس الشيوخ في جلسة استماع حول إيران، وقال حينها “سنستمر في سياسة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية على إيران لإرغامها على التصرف كدولة طبيعية وحتى توافق على التفاوض على اتفاق جديد”. وعلق على قرار ترامب الانسحاب من شمال شرقي سوريا بالقول إن “هذا القرار لن يؤثر على سياستنا تجاه إيران”. وعن الضغوط الاقتصادية التي تمارسها واشنطن من خلال برنامج العقوبات التصاعدي على حكومة طهران قال براين لأعضاء مجلس الشيوخ “لقد أدت العقوبات الأميركية إلى دفع حزب الله اللبناني وحماس ليضعا خططا تقشفية بسبب الأزمة المالية في إيران”، وأضاف أن “أذرع إيران في لبنان بدأت بجمع التبرعات للحرس الثوري”. ويرى هوك أنه من النتائج المباشرة والأهم للعقوبات الهادفة إلى ردع إيران وإعادتها إلى جادة الصواب، أن صندوق النقد الدولي كان مضطرا إلى تعديل رؤيته المالية لإيران بسبب انكماش الاقتصاد الإيراني بصورة مطردة، واستمرار تدهور سعر صرف العملة الإيرانية مقابل العملات العالمية. وكان هوك واضحا في إدانة الهجمات على مصالح دولية لشركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في منطقة الخليج، متوجها بالاتهام مباشرة إلى إيران وقال “للأسف ردت طهران على العقوبات بالعنف، وبسلسلة من الهجمات المسعورة لإيقاف ضغوطنا، وهي مسؤولة عن الهجوم على ميناء الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، وعلى سفن في خليج عمان، وعلى منشآت نفطية في السعودية”. وأعلن الحرس الثوري عن انتقامه لمقتل قائد فيلق القدس بإطلاقه عشرات الصواريخ باتجاه قاعدة عين الأسد قرب بغداد، ولم يُعلن عن أي خسائر بشرية نتيجة الضربات الصاروخية؛ بينما أكد الجانب الأميركي أن الأضرار المادية محدودة جداً ولا خسائر في الأرواح الأميركية أو العراقية. وغداة الضربة أعلن هوك للإعلام اعتقاده أن رد الفعل الإيراني هذا هو كل ما في جعبة طهران، وأنها لن تهاجم الولايات المتحدة مجددا حسب تقديره. وقال للصحافيين “يبدو أن إيران انتهت من ردها انتقاما لقتل قاسم سليماني. نأمل أن تبدأ الآن في اتخاذ قرارات أفضل وأن لا تواصل سياستها الخارجية العدوانية التوسعية سواء جاء الأمر عن طريق العدوان المباشر أو عبر وكلائها”. وأوضح هوك مدى نجاح العقوبات الأميركية على طهران في تحجيم طموحها النووي ما سيرغمها في نهاية الأمر على العودة إلى طاولة المفاوضات بلا شروط لإنجاز اتفاق نووي أممي أشمل وأكثر فاعلية، مؤكدا أنه “لا يمكن السماح لإيران بحيازة سلاح نووي، لأن هذا الأمر سيكون في حالة حدوثه كارثيا على الشرق الأوسط”. واستتباعا لقائمة العقوبات المستهدفة لشخصيات إيرانية بعينها أعلن هوك يوم 17 يناير الجاري أن واشنطن أدرجت اسم القائد في الحرس الثوري الإيراني، حسن شافاربور، في قائمتها للعقوبات لدوره في قمع المتظاهرين المدنيين في إيران، مشيرا إلى أنه متورط في ارتكاب انتهاكات جسيمة، ويتحمل مسؤولية قمع 148 إيرانيا في شهر نوفمبر من العام 2019، موضحا أن قرار فرض العقوبات عليه استند لمعلومات تم جمعها من مواطنين إيرانيين زودوا مجموعة عمل إيران بأكثر من 88 ألف شهادة تدل على انتهاك هذا الضابط لحقوق الإنسان. بدا هوك في هذه الفترة، مرتاحا للموقف الأوروبي، لأن الدول الموقعة على اتفاق فيينا قررت أخيرا الرد على ابتزاز إيران لها في الملف النووي. لأن استمرار إيران في تهديد أمن العالم واستقراره سيزيد من عزلتها، حسب هوك الذي يقول إن مستقبل إيران يقرره الشعب الإيراني وحده. وستكون مجموعة عمل إيران برئاسة هوك في حالة انعقاد دائم هذه الأيام وفي المستقبل القريب بسبب تواتر الأحداث في إيران، وتسارعها، إلى أن يصل التعنت الإيراني إلى معدل صفري، وعندها سيكون الطريق ممهدا لخلع كل مخالب إيران العدوانية وتقليم طموحها النووي، وكبح جماح تغولها على دول الجوار.
مشاركة :