يرى محللون أن تركيا المصمّمة على توسيع نفوذها في حوض البحر الأبيض المتوسط حيث تثير الموارد النفطية التوترات، قد تعمل على تكثيف الضغط على قبرص، معتبرة إياها “الحلقة الضعيفة” في تحالف إقليمي يقف في وجه طموحات أنقرة في المنطقة. ويأتي التوتر بين أنقرة ونيقوسيا في وقت تكثف فيه تركيا اختبارات القوة العسكرية على كل ضفة من المتوسط، متدخلة بشكل مباشر في نزاعي سوريا وليبيا. ولمواجهة مطالب أنقرة حول حقول المحروقات في المنطقة، وقّعت قبرص واليونان وإسرائيل مطلع يناير الجاري اتفاقا حول أنبوب “شرق المتوسط” للغاز. والتوترات الناجمة عن اكتشاف حقول كبيرة من الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة في شرقي البحر الأبيض المتوسط بلغت ذروتها بين تركيا وقبرص التي يحتل الجيش التركي شمالها منذ 1974. ويقول محللون إن أنقرة قد تسعى إلى زيادة الضغوط على نيقوسيا لثنيها عن مواصلة عمليات التنقيب عن المحروقات، حتى وإن كان العمل العسكري التركي ضد الجزيرة مستبعدا. وأعلن أوبر فاوستمان الأستاذ في جامعة نيقوسيا ومدير الفرع القبرصي لمؤسسة فريدريخ-إيبرت الأمانية أن “تركيا لن تتراجع لأن الأمر أصبح مسألة هيبة وطنية”. يمكن لتركيا عرقلة أي اتفاق بزيادة وجودها العسكري والبحري والجوي في الشطر الشمالي الذي تحتله في قبرص وأضاف فاوستمان أن “أنقرة لن تخسر هذه المواجهة لأنها مستعدة للذهاب بعيدا، أكثر من كل الدول الأخرى”. وفي نهاية نوفمبر وقعت تركيا اتفاقا مثيرا للجدل حول ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية بهدف تأكيد حقوقها في مناطق شاسعة في شرقي المتوسط. واعتبرت كل من قبرص واليونان ومصر وفرنسا هذا الاتفاق كما اتفاق التعاون العسكري بين طرابلس وتركيا، “باطلا ولاغيا”. لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد في الـ16 من الشهر الجاري أن بلاده ستبدأ “في أقرب وقت” بعمليات تنقيب في هذه المناطق المتنازع عليها والغنية بالمحروقات. وقال فاوستمان “استراتيجية تركيا تكمن في إيجاد مناطق رمادية وأراض متنازع عليها في المناطق الاقتصادية الخالصة لقبرص واليونان” معتبرا أن أنقرة “قادرة على تخريب” عمليات خصومها الإقليميين للتنقيب عن المحروقات. وتابع أن الاتفاق التركي – الليبي سيساهم أقله في تأخير بناء أنبوب “شرق المتوسط” للغاز لأنه يفترض أن يمر عبر مناطق بحرية تدعي أنقرة أنها تابعة لها. وأوضح “يبدو أن أنبوب نقل الغاز لن يرى النور أبدا” قائلا “المفارقة هي أن أفضل حل للغاز القبرصي سيكون تصديره لتركيا”. وهدف أنبوب “شرق المتوسط” هو جعل قبرص وإسرائيل واليونان حلقة مهمة في شبكة إمدادات أوروبا بمصادر الطاقة. ويقول سيريل وايدرشوفن المحلل في قطاع الطاقة ومؤسس مكتب “فيروسي” الاستشاري، إن “تركيا بزيادة الضغوط على قبرصتحتفظ بمفتاح مستقبل أنبوب شرق المتوسط”. ويضيف وايدرشوفن “يمكن لتركيا عرقلة أي اتفاق مطبق حاليا حول الاستثمار الأوفشور بزيادة وجودها العسكري والبحري والجوي في الشطر الشمالي الذي تحتله في قبرص”. ويتابع “مثل هذه القرارات غير مكلفة” لكنها فعالة وتعارض تركيا أي عملية تنقيب أو استثمار للمحروقات تستبعد الشطر الشمالي من قبرص حيث يقيم القبارصة الأتراك. وفي الأشهر الأخيرة أرسلت أنقرة سفينتي تنقيب لاستكشاف النفط والغاز قبالة سواحل قبرص، رغم تحذيرات كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي. وجمهورية قبرص عضو في الاتحاد الأوروبي. وفي ديسمبر الماضي، نشرت تركيا أيضا أول طائرة مسيرة مسلحة في الشطر الشمالي من قبرص، فيما. قالت وسائل إعلام تركية، إن أنقرة تنوي بناء قاعدة بحرية فيها. ومطلع نوفمبر الماضي اجتاز الاتحاد الأوروبي مرحلة جديدة نحو فرض عقوبات على تركيا بسبب أنشطتها غير المشروعة للتنقيب على الغاز من خلال التبني الرسمي لإطار قانوني لاستهداف الأشخاص أو الكيانات المتورطة أو المتدخلة في هذا الملف. وبحسب تشارلز إيليناس الخبير في مركز “أتلانتيك كاونسل” للأبحاث، فإنه من المستبعد أن يتحول الخلاف إلى مواجهة مسلحة. ويقول إيليناس “لن تذهب تركيا إلى حد شن عمليات عسكرية في قبرص لأنها لن تكسب شيئا من ذلك”. ويضيف “حتى الآن حققت أنقرة غاياتها دون اللجوء إلى المواجهة العسكرية”. وكشفت دراسة أعدت عام 2010، أن حوض شرق البحر المتوسط، يحتوي على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل احتياطي من النفط.
مشاركة :