بدت ضربة إيران الرمزية إلى حد ما، والتي وقعت في وقت مبكر ضد القواعد العراقية التي تحوي جنوداً أميركيين؛ كأنها تمت لإرضاء إيران بردّ سريع على عملية مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني من قبل الأميركيين. وترافقت الضربة الإيرانية على قاعدة عين الأسد الجوية مع بيان يوضح أنها لا تنوي التصعيد إلا إذا ردت الولايات المتحدة على ضربتها، ويبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أجل الرد العسكري حالياً أيضاً. ولكن حتى لو شعرت إيران بأنها راضية، فإن السؤال الكبير المطروح الآن هو ما إذا كانت المجموعات المقربة منها تشعر أيضاً بالشعور نفسه، أو أنها ستسعى للانتقام لمقتل سليماني عن طريق شن العديد من الهجمات على مصالح الولايات وحلفائها. وباعتباره المهندس الرئيس لاستراتيجية إيران المتمثلة في توسيع سيطرتها وتقويض النفوذ الأميركي في المنطقة، كان سليماني محبوباً جداً من قبل المجموعات التي تشكل أذرع إيران، مثل «حزب الله». ودأب سليماني على السفر باستمرار للإشراف على شبكة واسعة جداً من القوات التي أمضت إيران سنوات طويلة في إنشائها، وكان هذا الرجل يمثل مصدر الإلهام لأتباعه في شتى المناطق التي تقع تحت سيطرة النفوذ الإيراني، وكان يعرف بـ«الشهيد الحي»، ويمكن مشاهدة صورته على ملصقات موزعة من جنوب لبنان إلى اليمن، وغالباً إلى جانب المرشد الإيراني علي خامنئي. ولهذا السبب صدر عن المجموعات التي تمثل أذرع إيران أعلى الأصوات التي تطالب إيران بضرب الولايات المتحدة في أسرع وقت ممكن انتقاماً لمقتل سليماني. وفي خطاب ألقاه الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله، وجه تحذيرات قاسية الى الولايات المتحدة، وقال «الجيش الأميركي هو الذي قتله، وسيكون هذا الجيش وقواعده وكوادره وسفنه أهدافاً لنا». ومنذ اليوم الذي وجهت فيه إيران ضربتها على القاعدة الأميركية، وقع العديد من الصواريخ على القواعد العسكرية في المنطقة الخضراء في بغداد، التي تضم قوات أميركية، ومن المرجح أن هذه الصواريخ أطلقتها وحدات من القوات الشيعية المعروفة باسم الحشد الشعبي، والتي يشعر بعضها بالسخط من البيانات التي نشرتها قيادتهم والتي تحث فيها أتباعها على ضبط النفس وعدم استفزاز الولايات المتحدة. وتشير المقارنة بين استعداد طهران لعدم التصعيد مع الولايات المتحدة والخطاب العدائي الصادر عن أذرعها إلى ظهور مشكلة كبيرة في المستقبل القريب، ولطالما حاولت إيران النأي بنفسها عن نشاطات مجموعات مثل «حزب الله»، لكن بعد مقتل سليماني أعلنت صراحة عن قبولها بما تفعله بعض هذه المجموعات. وفي يوم الخميس الماضي عقد قائد القوى الجوية في الحرس الثوري الإيراني، أمير علي حاجي زاده، مؤتمراً صحافياً، حيث ظهرت خلفه العديد من رايات حلفاء في المنطقة، وكان من الواضح من كلامه بالنسبة للولايات المتحدة أنه إذا «قمت بضربنا فإننا سنرد عليك». ومهما كانت حسابات إيران الاستراتيجية، فإن المجموعات التي تشكل أذرعها لا يمكن ضمان بقائها هادئة كما تقول الخبيرة الايرانية في مؤسسة سنشري فاونديشن الأميركية، دينا اسفندياي، التي أضافت: «أعتقد أن أذرع إيران يمكن أن تجعل حياة أميركا كالجحيم، ونظراً إلى أن إيران تطرح نفسها باعتبارها مسيطرة تماماً على هذه المجموعات يجب اعتبارها مسؤولة عن كل ما ترتكبه من أفعال». وهناك شخصية أخرى لا يمكن التغاضي عنها بسهولة على الرغم من كل الاهتمام المركز على موت سليماني، حيث قضت الطائرة بدون طيار التي قتلت سليماني أيضاً على أبومهدي المهندس القائد العسكري لكتائب «حزب الله» العراقية. وتشكل جزءاً من قوات الحشد الشعبي، وهي مجموعة مسؤولة عن اقتحام السفارة الأميركية في بغداد في 31 ديسمبر الماضي. وعندما سئل أحد قادة الصف الثاني للحشد الشعبي، واسمه أبوالحسين، عما إذا كان سيكف عن الانتقام إذا طلبت منه إيران ذلك، أصر على أن الميليشيات المدعومة من إيران لن تتوقف عن طلبها للثأر، مؤكداً أنه بغض النظر عن استراتيجية إيران العسكرية، فإن أذرعها لا يمكن ضمان بقائها هادئة. وقال «حتى لو توقفت إيران عن طلب الثأر، فإن إيران ثأرت لسليماني، وعلى الحشد أن يثار للمهندس». ويعتبر ما ستفعله أذرع إيران في نهاية المطاف مهماً جداً لأنه من غير المرجح أن تسعى طهران إلى مواجهة عسكرية تقليدية مع الولايات المتحدة، ناهيك بأنها ستسعى إلى حل نووي سريع لصراعها مع الولايات المتحدة، على الرغم من أنها تعمل على توسيع قدراتها على تخصيب اليورانيوم، وتقصير المدة اللازمة لحصولها على السلاح النووي. ويمكن مقارنة نفوذ إيران باليد الممدودة التي تترك بصماتها في كل المنطقة، ولطالما قامت طهران برعاية مجموعات تعمل بالوكالة عنها موزعة في شتى أنحاء الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وجنوب آسيا، وأصبح هناك لاعبون أساسيون ينفذون أجندتها. بعض حلفائها الإقليميين الأكثر قوة هم حزب الله اللبناني والحشد الشعبي وحركة الحوثيين في اليمن، إضافة إلى حركة حماس في غزة. والعديد من هؤلاء الحلفاء لهم وجهات نظرهم الخاصة في ما يتعلق بمقتل سليماني، وتختلف الآراء حول كيفية كل منها في تقديم المساعدة لإيران كي تنفذ انتقامها. وأكد مسؤول كبير من حزب الله اللبناني طلب عدم ذكر اسمه لأنه من غير المسموح لمسؤولي حزب الله التحدث مع الصحافة الغربية، أن حزبه يقف على أهبة الاستعداد لتنفيذ الجزء المناط به لدعم إيران في صراعها مع الولايات المتحدة. وقال المسؤول «سيكون هناك الكثير من التصعيد ضد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وإذا تفاقم الوضع وقامت الولايات المتحدة بضرب إيران، فإننا سنقطع اليد الأميركية على الحدود اللبنانية. سنضرب إسرائيل». وبالطبع فإن «حزب الله» معتاد على الخطابات النارية، وكان الحزب قد خسر عدداً من قادته أمثال عماد مغنية، الذي اغتالته إسرائيل دون أن يرد الحزب بأكثر من الحديث عن التعهد بالانتقام. وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز، البرفيسور فالي ناصر: «يمكنني القول إن الحكومة الإيرانية احتاجت لتوجيه الضربة إلى القاعدة الأميركية لإرضاء أنصارها في لبنان، والعراق، وداخل إيران بأنهم يردون على مقتل سليماني». وأضاف «من الغريب أنهم أطلقوا العديد من الصواريخ على قاعدتين ولم يكن هناك إصابات عراقية ولا أميركية، لكن في الوقت ذاته تريد إرسال إشارة إلى الولايات المتحدة مفادها أنها تمتلك القدرات العسكرية لضرب الأهداف التي يريدونها»، مشيراً الى أن العديد من وكلاء إيران فهموا هذه الضربة المحدودة بهذه الطريقة. وقال أحد أعضاء كتائب حزب الله، واسمه محمد مويهي لمجلة «فورين بوليسي»: «نحن فرضنا على أميركا استراتيجية دفاعية جديدة عن طريق استخدام أسلحة متطورة دون أن تتمكن الولايات المتحدة من اعتراضها واسقاطها». وأضاف «ومن جهة أخرى فإن عدم رد أميركا على الضربة يظهر كيف أن الولايات المتحدة تخشى انتقامنا. وكان خطاب ترامب في الرد على هجومنا ضعيفاً جداً ولم يقنع حتى أتباعه». ولكن على الرغم من أن ما يراه مويهي عرضاً ناجحاً لقوة إيران العسكرية فإن الرجل يقول إن هذه الضربة غير كافية للتعويض عن خسارة سليماني، مشيراً إلى أن ثمة ضربات انتقامية أخرى يمكن أن تأتي في المستقبل القريب. وقال «هذه الضربة الصاروخية كانت بمثابة صفعة لأميركا وليس انتقاماً. الانتقام سيكون مواجهة شاملة مع الوجود الأميركي في المنطقة. لقد حققت الضربة هدفاً جيداً، ولكن بالتأكيد ليست كافية كرد على الجريمة الكبيرة ضد شخصية الشهيد سليماني». سولم أندرسون صحافية أميركية مقيمة في بيروت ونيويورك الخطابات النارية «حزب الله» معتاد على الخطابات النارية، وكان الحزب قد خسر عدداً من قادته أمثال عماد مغنية، الذي اغتالته إسرائيل دون أن يرد الحزب بأكثر من الحديث عن التعهد بالانتقام. وكانت الردود المختلفة للضربة الإيرانية بالصواريخ تعكس من ناحية الحاجة للحديث الى نوعين من الجمهور، إذ كان يتعين على طهران أن تطمئن وكلائها الإقليميين إلى أنها سترد على مقتل سليماني وتحاول الانتقام له، إضافة إلى أنها تريد إرسال رسالة إلى واشنطن مفادها أنها لاتزال تمتلك أنياباً حادة، لكن دون الوصول إلى حد التحريض على حرب شاملة. حتى لو شعرت إيران بأنها راضية، فإن السؤال الكبير المطروح الآن هو ما إذا كانت المجموعات المقربة منها تشعر أيضاً بالشعور نفسه، أو أنها ستسعى للانتقام لمقتل سليماني عن طريق شن العديد من الهجمات على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. دأب سليماني على السفر باستمرار للإشراف على شبكة واسعة جداً من القوات التي أمضت إيران سنوات طويلة في إنشائها.ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :