تواجه قطر مجدّدا تداعيات قضيّة اضطهاد العمّال الوافدين، التي لم تنقطع طيلة السنوات الماضية عن التفاعل والاتّساع، في ظلّ الحاجة الطارئة إلى مئات الآلاف من هؤلاء العمّال لإنجاز المنشآت والمرافق الضرورية لتنظيم نهائيات كأس العالم في كرة القدم 2022. وكشفت مصادر دبلوماسية أنّ السفير القطري في نيبال استولى على ملايين الدولارات من عمليات مشبوهة لتوظيف العمالة في قطر. وطغى عاملا السرعة والارتجال على عملية استقدام ذلك العدد الضخم من العمّال إلى قطر من عدّة بلدان، وتمّ التغاضي عن توفير الظروف المناسبة لهم للعمل والإقامة بشكل يحمي حقوقهم ويحفظ كرامتهم، فيما لاحت للعديد من الأطراف الانتهازية من مستقدِمين ومشغّلين فرصة استغلال هؤلاء العمّال وتحقيق أقصى ما يمكن من المنافع المادّية من ورائهم، في ظل حالة من عدم اكتراث السلطات القطرية بالجوانب الحقوقية والإنسانية وانصراف كلّ اهتمامها إلى إنجاز المنشآت الرياضية بأقصى سرعة. ورغم اضطرار الدوحة بفعل تواتر الفضائح المتعلّقة باضطهاد العمّال الوافدين، وتحت ضغوط المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية إلى محاولة تحسين منظومتها القانونية المنظّمة لعلاقات العمل، إلّا أنّ ذلك كان قليل الأثر على أوضاع العمّال الوافدين، الذين ظلّوا بسبب ضعف الإرادة في تطبيق القوانين الجديدة، يتعرّضون للاستغلال والابتزاز ويدفعون أثمانا باهظة وصلت بالبعض منهم إلى فقد حياته. وسُلّطت الأضواء منذ سنوات على ما يوصف بظروف الاستعباد التي يعيشها العمال الأجانب في قطر ومعظمهم يعملون في بناء منشآت نهائيات كأس العالم القادمة. وللعمال النيباليين معاناة خاصة، فقد لقي أكثر من ألف عامل منهم حتفه في قطر بسبب ظروف العمل والعيش غير الإنسانية. وقالت المصادر الدبلوماسية إنّ 600 عامل نيبالي دفع كل منهم للسفير يوسف بن محمد الحيل تسعة آلاف دولار، أي ما مجموعه خمسة ملايين دولار، للحصول على عقد عمل في قطر التي تقول إنّها لا تفرض أي رسوم على التوظيف. وأفادت المصادر بوجود تواطؤ بين السفير القطري في نيبال وشركة لتوظيف العمّال في البلد الواقع بوسط القارّة الآسيوية تعمل تحت اسم “سكاي أوفرسيز سيرفس” وتأسست في 1998. وتعرض الشركة على العمّال راتبا شهريا مقداره 400 دولار، ليكتشفوا لاحقا أنّ الراتب الفعلي لا يتجاوز المئة دولار. وذكر معلّقون على مواقع التواصل الاجتماعي أن الفساد السائد في عمليات استقدام العمال يرقى إلى “أعمال المافيا” والاتّجار بالبشر ويمثل فضيحة للدولة المستضيفة لنهائيات كأس العالم القادم في كرة القدم. وأظهرت بيانات حكومية في نيبال أرقاما صادمة لوفيات في صفوف عمالها بقطر، حيث هلك ما لا يقل عن 1025 عاملا من نيبال بين عامي 2012 و2017. وفي عام 2018 هلك 149 عاملا من بنغلاديش، فيما تسبّبت ظروف العمل القاسية في قطر بين عامي 2012 و2018 في وفاة 1678 عاملا هنديا. وفي أكتوبر الماضي كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أنه في الغالبية العظمى من الحالات لا تجري السلطات القطرية فحوصات ما بعد الوفاة، مما يجعل من المستحيل تحديد سبب الوفاة بدقة. ورغم إعلان قطر عن إجراء العديد من “الإصلاحات” على نظام العمل فهي لا تزال تتعرض لانتقادات مستمرة من دول ومنظمات غير حكومية عن انتهاكات حقوق العمال على نطاق واسع. وقالت قطر مؤخّرا إنها ألغت قيودا على مغادرة البلاد لكل العمال الوافدين لديها تقريبا. لكن منظمة هيومن رايتس ووتش قالت إنه على الرغم من إعلان الحكومة عن تغيير القوانين الخاصة بالعمال والتي كانت لا تسمح لهم بمغادرة البلاد دون الحصول على موافقة صاحب العمل، فإن هذا لم يطبق وما زال يواجه الذين يتركون مواطن عملهم دون إذن مشغّليهم عقوبة بسبب “الهروب” تشمل الغرامات والسجن والاعتقال. وأوضحت المنظمة أن العديد من العمال الوافدين ذوي الأجور المنخفضة لا يزالون عرضة للعمل القسري. ووثق تقرير سابق لمنظمة العفو الدولية حالات نحو ألفي عامل يعملون في ظروف قاسية في منشآت رياضية تبنيها قطر استعدادا لمونديال 2022. كما أنهم لم يحصلوا على أجورهم وقد أجبر أغلبهم على العودة إلى بلدانهم دون الحصول على مستحقّاتهم. والعام الماضي شهدت قطر احتجاجات نادرة من قبل عمّال غاضبين من تراكم مستحقاتهم المالية بسبب عدم حصولهم على مرتّباتهم لفترة وصلت إلى ستّة أشهر، تصدّت لها السلطات القطرية بعنف فتحوّلت إلى أعمال شغب نجمت عنها خسائر مادية، وفق ما أظهرته صور تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي.
مشاركة :