هل يمكن أن تسير الشعلة الأولمبية عبر شوارع بيونغ يانغ، ويتنافس أبرز رياضيي العالم على ميداليات في بلاد كيم جونغ أون؟ هذا هو حلم الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، الذي قال هذا الشهر إن من شأن ترشح كوري مشترك لاستضافة ألعاب 2032 «خدمة فرصة ذهبية لنظهر للعالم أن الكوريتين هما أمة واحدة وللقيام بقفزة إلى الأمام معاً». حتى الآن، تراوحت ردود الفعل بين اعتبار ذلك ينم عن رؤية وبعد نظر وبين اعتباره ضرباً من ضروب الجنون. ناشطة حقوق الإنسان سوزان سكولت، رئيسة «مؤسسة منتدى الدفاع»، قالت: «إنها فكرة غير واقعية»، وأضافت: «إن القول بأن البلدين يمكن أن يقدما بشكل مشترك ملف ترشح واحداً لاستضافة الألعاب الأولمبية، هو تجاهل للفظاعات التي ترتكب ضد الشعب الكوري الشمالي كل يوم، كما أن وضع البلدين على نفس المستوى يُضعف مكانة كوريا الجنوبية كجمهورية حيوية». زعيما كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية اقترحا فكرة ترشح أولمبي مشترك عندما التقيا في بيونغ يانغ في سبتمبر 2018، لقاءٌ ربما مثّل أعلى نقطة في علاقتهما. وفي فبراير التالي، أخبر مسؤولون من الكورتين اجتماعاً للجنة الأولمبية الدولية في لوزان السويسرية، بنيّتهما التقدم بترشح مشترك. في ذلك الوقت، رحّب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، «توماس باخ»، بالفكرة كونها مبادرة تاريخية تُظهر «كيف يمكن للرياضة مرة أخرى أن تسهم في السلام على شبه الجزيرة الكورية والعالم». وبعد أسبوعين على ذلك، انتهت قمة هانوي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكيم على نحو سيء، وتفككت العلاقة بين الكوريتين. فاليوم، ترفض بيونغ يانغ مجرد التحدث مع سيئول، إذ لا تتواصل معها إلا عبر وسائل الإعلام التابعة للدولة بازدراء. بل بات الجو جد عدائياً لدرجة أن كوريا الشمالية عمدت إلى سحب فريقها النسائي لكرة القدم من التصفيات المؤهلة لأولمبياد طوكيو لهذا العام، لأن التصفيات تجري في كوريا الجنوبية. كما أن السلطات الكورية الشمالية جدّ حساسة، لدرجة أن مباراة ضمن إقصائيات كأس العالم بين الفريقين الكوريين لكرة القدم، لُعبت في ملعب خال من الجمهور في أكتوبر الماضي، حيث استُبعدت وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية وحتى الجمهور المحلي. ويقول العديد من المحللين إن فكرة كون العلاقة بين الكوريتين ستكون مستقرة لسنوات بما يكفي للسماح بالتعاون على تنظيم فعالية من هذا الحجم، وإن وسائل الإعلام العالمية وملايين الجماهير ستكون لديها الحرية لحضور المباريات والتمتع بها، مع أقل قدر ممكن من القيود.. هي بكل بساطة فكرة مستبعدة تماماً. وقال «فيل روبرتسون»، نائب مدير قسم آسيا في منظمة «هيومان رايتس ووتش»، إن «الرئيس مون يعيش في عالم مختلف في ما يخص تمثلات كوريا الشمالية»، مضيفاً: «إن اقتراحه بخصوص استضافة مشتركة لحدث كبير مثل الأولمبياد، هو اقتراح ذو أبعاد ملحمية، مبني على تفاؤل بسياسة (الشمس المشرقة)، والتي تعد سياسة منفصلة كلياً عن الواقع السياسي الحالي». ولنا أن نتخيل الملعب الأولمبي في الشمال يبنى بالعمل الإجباري (عمل السخرة)، أو نتخيل حادثاً في كوريا الشمالية شبيهاً بذاك الذي اتُّهم فيه السباح الأميركي ريان لوكتي وثلاثة سباحين آخرين من قبل الشرطة في ريو دي جاينرو بتخريب حمام في محطة للوقود خلال ألعاب عام 2016 الصيفية. ثم تذكَّر كيف تعرّض الطالب الجامعي أوتو ورمباير للسجن بسبب تخريب مفترض وانتهى به الأمر في غيبوبة قبل أن يموت بعيد عودته إلى الولايات المتحدة بوقت قصير. لقد سبق للجنة الأولمبية أن عاشت حلقات مثيرة للقلق من قبل. فالألعاب التي نُظمت في ألمانيا النازية عام 1936 استُغلت من قبل الآلة الدعائية لهتلر. كوريا الشمالية قاطعت ألعاب 1988 الصيفية في سيئول، لكنها فاجأت الكثيرين بإرسالها فريقاً إلى الألعاب البارالمبية الشتوية عام 2018 في بيونغتشانغ بكوريا الجنوبية. وسار الرياضيون الكوريون الشماليون إلى جانب نظرائهم الكوريين الجنوبيين في حفل الافتتاح تحت علم التوحيد. بل إن الكوريتين شاركتا بفريق نسائي مشترك في رياضة الهوكي على الجليد. غير أنه منذ ذلك الحين، تدهورت الثقة وتراجع الحوار. لكن «مون» لم يفقد الأمل. فقد كرر تصميمه على اغتنام فرصة الألعاب الأولمبية من أجل بناء علاقات أكثر رسوخاً هذا الشهر في مناسبتين اثنتين؛ خلال خطاب السنة الجديدة، وخلال مؤتمر صحافي متلفز.. مقترحاً إرسال فريق كوري موحد في عدد من الفعاليات إلى طوكيو هذا الصيف ثم الترشح معاً في ملف مشترك لألعاب 2032.
مشاركة :