البحرين والتحول الرقمي في إدارة الموارد البشرية

  • 1/23/2020
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

التحول الرقمي هو عملية ونتيجة في نفس الوقت. حيث يعتبر التحول الرقمي تغييرًا ثوريًا في عالم الأعمال. فبالإضافة إلى الرقمنة، فإن تحول أعمال المؤسسات المختلفة إلى أعمال تتمحور حول التقنية يستلزم أيضًا تحولاً في ثقافة وعقلية المؤسسة. وفي مواكبة لتحولات الاقتصاد العالمي في هذا الشأن ينشغل رجال الأعمال وخبراء الاقتصاد والمستثمرون ومراكز التخطيط في البحرين بالبحث بكيفية توظيف هذه التحولات بما يعزز التطور الاقتصادي والتنموي في البحرين في العقود القادمة، وهنا نسلط الضوء على طبيعة ومرتكزات التحول الرقمي في إدارة الموارد البشرية. فكما هو الحال مع أي كيان آخر داخل المؤسسة أو المنظمة، يعد التحول الرقمي للموارد البشرية أمرًا ضروريًا في عصر يكون فيه التطور التكنولوجي بوتيرة متزايدة هو القاعدة والأساس. فوفقًا لمسح أجرته مجموعة من الشركات الاستشارية، فإن ميزانية التحول الرقمي للمؤسسات ستزيد بنسبة 25 بالمائة عن العام المقبل. فمع ظهور الذكاء الاصطناعي (AI)، وقواعد البيانات الموزعة  (blockchain)، والتعلم الآلي (Machine Learning)، وإدارة الأداء الآلي (Automated Performance Management)، وأكثر من ذلك بكثير، تحتاج فرق الموارد البشرية التي لا تزال تعتمد على برامج الجداول التقليدية مثل (Excel) لجمع وتفسير البيانات إلى التحول إلى الأتمتة وبسرعة من أجل مواكبة تلك التطورات التكنولوجية الهائلة التي تقدم حلولاً مبتكرة للأعمال.وهنالك عدة أهداف للتحول الرقمي في الموارد البشرية وهي أتمتة العمليات وتقليل الوقت المستغرق لإنجاز المهام المتكررة، وتحسين تجربة الموظفين المتعاملين مع إدارة الموارد البشرية داخل المؤسسة والمستفيدين من خدماتها بالإضافة إلى استغلال الوقت الذي تم توفيره لإنجاز العمليات في وضع الاستراتيجيات وتحسين الأداء.إن التحول الرقمي للموارد البشرية هو التحول في عمليات ووظائف إدارة الموارد البشرية، وذلك باستخدام البيانات لتوجيه جميع مجالات الموارد البشرية مثل كشوف المرتبات، والمزايا، وإدارة الأداء، والتعلم والتطوير، والمكافآت والتقدير، والتوظيف.ويتكون دور فرق الموارد البشرية في التحول الرقمي من شقين: الأول وهو المسؤولية عن التحول الرقمي الخاص بالموارد البشرية باستخدام الأتمتة والعمليات الرقمية التي تقودها البيانات. والدور الثاني هو قيادة المؤسسة نحو التحول الرقمي ودعم تطورها الرقمي المستمر بالتعاون مع قسم تقنية المعلومات داخل المؤسسة ويتضمن ذلك تمكين الموظفين من خلال التفكير والتوجه الرقمي لتحسين العمليات وتعزيز الإنتاجية.ويجب التفريق هنا بين الرقمنة والتحول الرقمي، فالرقمنة تتضمن تحويل العمليات اليدوية إلى عمليات رقمية على سبيل المثال رقمنة سجلات أداء الموظفين للعشر سنوات الماضية أو رقمنة عمليات التوظيف. أمّا التحول الرقمي فيضمن الرقمنة بالإضافة إلى تحويل المؤسسة إلى مؤسسة قائمة على أساس رقمي، وهي مؤسسة تعمل على تسخير أحدث الأدوات الرقمية في دعم عملياتها اليومية. وينطوي التحول الرقمي على خلق ثقافة استخدام التكنولوجيا الحديثة في إدارة أعمال المؤسسات. أيضًا التحول الرقمي يمضي إلى أبعد من ذلك حيث يتضمن تحليل العمليات والمهام والذي قد ينتج عنه التخلص من المهام التي كانت لها قيمة عندما كانت العمليات يدوية ولكن ليس لها مكان في مؤسسة رقمية. فرحلة التحول الرقمي تستلزم تحديد المشكلات التي تحتاج إلى حل واستخدام التكنولوجيا بأكثر الطرق فعالية ممكنة لحل هذه المشكلات، والتكيّف مع التطور السريع للتكنولوجيا، كما يتطلب تغيير العقليات والقناعات وطرق التفكير في المؤسسة، وهذا التغيير يبدأ من القيادة ويتدفق إلى بقية مفاصل المؤسسة.لقد شهد نظام الموارد البشرية تطورًا سريعًا على مدى الخمس الماضية. فمنذ ثلاث سنوات، كنا نتكلم عن «السباق نحو السحابة»، حيث سارعت الشركات إلى استبدال أنظمة إدارة شؤون الموظفين القديمة بمنصات الموارد البشرية المتكاملة على السحابة. وقبل عامين، وصفنا الموارد البشرية بأنها وظيفة «في حاجة إلى التحوّل»، حيث ركزت المؤسسات على توظيف الموارد البشرية ذات المهارات الرقمية، ودمج الأنظمة، وعمل تحليلات ذكية للبيانات. وفي هذا العام، نظرًا إلى أن ممارسات الإدارة الرقمية وتصميم المنظمات الرشيقة أصبحا أساسيين في التفكير في مجال الأعمال، فإننا نواجه تغييرًا آخر في الموارد البشرية نحو التركيز على الأفراد والعمل والمنصات لتشكل ما يسمى «الموارد البشرية الرقمية». وقد اعتمدت الموارد البشرية الرقمية على حصيلة سنوات من الجهد والخبرة المتراكمة. ففي الستينيات والسبعينيات، كانت أقسام الموارد البشرية في المؤسسات تركز على العمليات الخاصة بمتابعة شؤون الموظفين، وإنجاز المعاملات، والحفاظ على سجلات الموظفين بشكل سليم. وفي الثمانينات، أعيد تصميم أقسام شؤون الموظفين في المؤسسات لتكون «مركز خدمة»؛ بحيث تلبي الاحتياجات الفردية للموظفين بوصفها جهة تتعامل مع الموظف كمتلقي خدمة. في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن العشرين، أعيد تصميم الموارد البشرية مرة أخرى حول الإدارة المتكاملة للمواهب (Integrated talent management)، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بإدخال أنظمة جديدة للتوظيف والتدريب وإدارة الأداء والرواتب والتعويضات. واليوم، تحول تركيز الموارد البشرية نحو بناء أقسام موارد بشرية رقمية تعمل على توظيف أحدث التقنيات الرقمية التي يعمل عليها موظفون يتمتعون بالذكاء الرقمي بالإضافة إلى استخدام علوم البيانات لتحليل البيانات واتخاذ القرارات والتوجّه نحو تجربة رقمية متكاملة في العمل - تجربة مصممة حول الفرق، والإنتاجية، والتمكين.ولا توجد هنالك وصفة سحرية للتحول الرقمي إلا أن هنالك عناصر للنجاح يجب أخذها بعين الاعتبار عند البدء بالتحول الرقمي في الموارد البشرية وهي:أولاً: وضع هدف محدد:قبل الانطلاق في رحلة التحوّل الرقمي للموارد البشرية، يجب تحديد هدف واضح ومنطقي من منظور العمل. وغالبًا ما يكون هذا الهدف هو حل مشكلة تواجه الموظفين. لهذا السبب، في عملية التحول الرقمي للموارد البشرية، يجب أن يكون التركيز دائمًا على الموظف كمستخدم نهائي. ثانيًا: إشراك الجميع في عملية التحول الرقمي:وهذا يعني جميع المعنيين، من التنفيذيين في المؤسسة وكافة موظفي الإدارات والأقسام. فعندما يتعلق الأمر بالتحول الرقمي للموارد البشرية فهذا أمر سيؤثر على المؤسسة بأكملها لذا فنحن بحاجة إلى كل الدعم الذي يمكننا الحصول عليه من كافة الموظفين على اختلاف درجاتهم.ثالثًا: عدم المبالغة:فيجب ألا نبالغ بتوظيف جميع ما هو متاح من التقنيات الحديثة لكافة أعمال الموارد البشرية دفعة واحد، ولكن يجب أن نبدأ بشكل مبسّط من خلال دراسة مجالات وعمليات الموارد البشرية التي يمكن أن يتم تحويلها مثل (اختيار المرشحين للتوظيف، والتدريب الداخلي، والتعلم والتطوير، وإدارة كشوفات المرتبات وما إلى ذلك). ومن ثم يتم مناقشة أولويات التحوّل مع المدراء التنفيذيين والموظفين في المؤسسة.رابعًا: تفعيل التفكير الإبداعي:يلعب التفكير الإبداعي دورًا أساسيًا في التحول الرقمي، والذي سيقود حتمًا إلى قائمة طويلة من الأفكار التي تبحث في حل المشاكل وتحسين الأداء، لذا يجب تصنيف تلك الأفكار في البداية على أساس التأثير والجهد أي تأثير الأعمال على رقمنة الأفكار والجهد والوقت والمال الذي يحتاج إليه تطبيق تلك الأفكار على أرض الواقع، وعندها يتم إعطاء أولوية للأفكار بحيث يتم البدء بالأفكار ذات التأثير الكبير والجهد المنخفض وهذا سوف يساعد في تسريع عملية التحول والتركيز على الأفكار ذات القيمة العالية.خامسًا: تقييم الأداء:إن تجربة تطبيق أحدث التقنيات الرقمية يعد أمرا بالغ الأهمية وذا قيمة عالية إلاّ أن تطبيق تلك التقنيات من دون تقييم أداء تلك التجربة الرقمية يعد أمرا غير منطقي إذا لم ننظر إلى النتائج الفعلية للتطبيق. لذا يجب أن يتم إجراء تقييم نقدي لتلك التجربة الرقمية لتحديد النجاحات والإخفاقات. فالطريقة الوحيدة للتقدّم نحو التحول الرقمي هو حل المشاكل الحالية من خلال التقنيات الرقمية التي تجد حلولاً جذرية لتلك المشاكل.سادسًا: بناء الثقافة الرقمية:التقنيات الرقمية ليست كافية من أجل التحول الرقمي في الموارد البشرية ناهيك عن التحول الرقمي لكافة المؤسسة، فالأمر يتعلق أيضًا حول عقلية وطريقة تفكير كافة المعنيين في عملية التحول وهذا له علاقة بثقافة المؤسسة بأكملها بدءا من الموظفين الحاليين والجدد ووصولاً إلى المدراء التنفيذيين فإن العقلية الرقمية - بالمعنى الأوسع للكلمة - ضرورية لنجاح التحول.وختامًا وجب الإشارة إلى أن التحول الرقمي للموارد البشرية ليس أمرًا اختياريا في عالم يتحول نحو الرقمنة بوتيرة سريعة وإلا كانت النتيجة كارثية تصل إلى حد خروج المؤسسة من السوق ناهيك عن الفوائد الجمة التي ستحصل عليها المؤسسة عند تحولها رقميًا من تحسين الأداء وتوفير الوقت والجهد والمال وتحسين تجربة الموظفين.  ‭{‬ أكاديمي متخصص في العلوم الشرعية وتنمية الموارد البشرية.Dr.MohamedFaris@yahoo.com

مشاركة :