يرغب اللبناني روني شطح في إدخال السياح إلى مدينته، غير مستسلم لفشله في تنظيم جولات سياحية بسبب تردي الأوضاع في لبنان. ولا يعلم كثيرون المنعطفات والتحولات المثيرة والمفجعة التي شهدها تاريخ العاصمة اللبنانية بيروت كما يعلمها شطح، فقد خاض العديد من التجارب الشخصية التي تعرف من خلالها على أوقات تألق بيروت وحبها الجارف للحياة وجنونها، وحلكة أيامها. وكان شطح عرض في عام 2006 تنظيم أول جولة سيرا على الأقدام في أنحاء بيروت، ولم يتقدم لها سوى شخص واحد، بسبب الحرب التي كانت جارية في لبنان صيف ذلك العام، مما دفعه إلى التخلي عن الفكرة. وبعد ثلاثة أعوام من تلك الأحداث، وبعدما هدأت الأوضاع، بدأ ذلك المؤرخ مرة أخرى تنظيم الجولة، ولكن لم يتقدم تلك المرة أيضا سوى شخص واحد، ولكنه واصل المحاولة فأقبل عليها المزيد من الأشخاص ليصل العدد إلى 50 شخصا في كل جولة يرافقها مرشد سياحي، وقد قام بتنظيمها عدة مرات أسبوعيا. ويقول شطح “قمت بهذا الجهد لكي ينضم إلى الجولات كل فرد يقيم في بيروت”. ويمضي شطح معظم وقته في ضاحية مار مخايل الشهيرة بحاناتها ونواديها الليلية، ولا تبدو عليه مشاعر المرارة، وهو لا يزال يرغب في إدخال السياح إلى مدينته، وكانت الجولات هي السبب الوحيد الذي يبقيه في لبنان، على حد قوله، وأضاف “أصبحت الجولات بمثابة تقدير لأي شخص دفع أغلى ثمن لهذا البلد”. ويصف شطح بيروت بأنها “مدينة ممزقة بين الاستقرار والفوضى، بين الرخاء والدمار، وهي تشتهر بالعنف وأيضا بالقلاقل والركود السياسي والحرب والغزوات وعدم الاستقرار”. وعُرفت بيروت يوما ما بأنها “باريس الشرق الأوسط”، مدينة تطل على البحر المتوسط يقصدها الأثرياء وعشاق الموضة. واندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975 وتواصل القتال على مدار 15 عاما، وتعرضت المدينة للدمار ثم أعيد بناؤها، غير أن لبنان عرف فقط حالة من السلام العابر، قطعته عمليات اغتيال وثورة “الأرز” و“حرب تموز” في عام 2006. ورغم كل ما مرت به بيروت، فقد حافظت على سمعتها كمدينة لعشاق المرح والاحتفال، فالحياة هنا يُحتفى بها على نحو ليس له مثيل في أي مكان بمنطقة الشرق الأوسط. ولا يزال الهيكل الخرساني القبيح لفندق “هوليداي إن” السابق يفرض هيمنته على المدينة، بعدما تعرض للدمار أثناء الحرب الأهلية. ولا يرى زائرو المدينة اليوم آثار ما لحق بالفندق من دمار، بعد أن تم ضخ المليارات في عملية لإعادة إعماره. وبديلا عن الدمار، تتلألأ منافذ بيع الملابس التي تراعى أحدث صيحات الأزياء العالمية، وتعرض علامات تجارية فاخرة، كما تبدو منطقة أسواق بيروت، وهي الحي التجاري، أنيقة بشكل مثالي حيث تم تصميمها بعناية، بعكس الأسواق الصاخبة والمزدحمة في بعض الدول العربية الأخرى. ويجد الزوار على مسيرة دقائق على الأقدام، أنفسهم أمام “قصر الإيتوال”. ويوجد هنا، كما هو الحال في أماكن كثيرة في بيروت، خليط غير متجانس من الأشكال المعمارية. ولا يمكن إطلاق وصف “جميلة” التقليدي على بيروت، فهي مدينة تنبض بالحياة وتعيش حالة من المرح الدائم. والآن، ومع تواصل الاحتجاجات اللبنانية ضد الفساد واختلاس الأموال العامة، وضدّ الطبقة السياسية الحاكمة، يمكن للمرء أن يسمع صيحة “ثورة” داخل ساحة الرقص، ويعيش الناس تجربة التضامن بشكل لم يشهده لبنان من قبل، على حد قول تالا مرتضى، وهي عازفة “دي جيه”. ولدى تالا قصص كثيرة عن المدينة التي تعاني من الأزمات؛ القمامة والشباب الذين يسعون في الغالب إلى الرحيل عن بلادهم، وهذا هو السبب في أن جو الاحتفالات يمثل أهمية بالغة بالنسبة إلى اللبنانيين، حسب رأيها. والمنفذ الوحيد في خضم هذا الوضع المؤلم هو الخروج والاستمتاع بأجواء من المرح. وتقول تالا إن “حياة الليل في بيروت تعد أحد منافذ الهروب المهمة”، ويمكن للزوار الانضمام إلى الكتل الجماهيرية ومحاولة تخيل ما عايشه المواطنون في المدينة.
مشاركة :