صرح محمد بن عبدالقادر وزير العدل المغربي، مؤخرا في جلسة أسئلة شفوية بمجلس النواب، أنه باعتبار ما أفضت إليه الإحصائيات الرسمية، آن الأوان للمبادرة بتقديم تعديل يلغي ذلك الاستثناء الملغوم، لأن زواج القاصر مضبوط بمدونة الأسرة حماية لها، حتى لا تتعرض لأي استغلال. وتم تخويل القاضي الإذن بالزواج لمن لم تبلغ السن القانوني على سبيل الاستثناء. الأعراف انتصرت على التشريعات وأكدت عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي فاطمة بلمودن أن الاستثناء حوّله مناهضو تغيير الأوضاع الاجتماعية للنساء إلى وضع كارثي، مشيرة إلى أنه علينا أن ننتقل من المساءلة إلى طرح مقترح قانون لتعديل هذا البند وغيره من مدونة الأسرة. وحددت مدونة الأسرة سن الزواج بـ18 سنة، وتركت المادة 20 الباب للقاضي لتقدير زواج القاصر. وفي العام 2018 هناك أكثر من 32 ألف طلب زواج للفتيات دون سن 18، لذلك الأمر لم يعد استثناء، وفي تصريحها لـ”العرب”، أكدت البرلمانية فتيحة سداس أن الأولوية القصوى تتمثل في ضرورة مراجعة مدونة الأسرة بعد 16 سنة من بداية تطبيقها. كما أن إلغاء المادة 20 أصبح ضرورة حتمية، تطبيقا لدستور 2011 واحتراما للاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب. ووصل رفض القضاة المكلفين بالإذن بالزواج القاصر إلى نسبة 18 بالمئة من مجموع الطلبات المقدمة، وتمثل طلبات الإناث من مجموع الطلبات المقدمة النسبة الغالبة بنسبة 99.46 بالمئة. كما أن هذه الظاهرة قروية بامتياز، فعدد الطلبات المقدمة من طرف قاطني البوادي بلغ حوالي 67 بالمئة، أي ما يناهز أكثر من 21 ألف طلب. وأكدت البرلمانية فتيحة سداس أن هناك أعرافا في الوسط القروي والتي تعتبر تجاوز الفتاة لسن معين يعني أنها لن تتزوج أبدا لهذا يسارع الأهل لتزويج بناتهم ابتداء من 12 سنة، وأردفت سداس لـ”العرب” “لهذا قلت وجب التحسيس وتجريم زواج القاصر، لأنها تدخل في إطار البيدوفيليا. ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن الهشاشة الاقتصادية هي التي تدفع أولياء القاصرات لتزويجهن وهي طريقة للتخلص منهن، بالتالي يمكن اعتبار الظروف الاقتصادية للأسر في الوسط القروي دافعا لتزويج البنات دون السن القانوني”. وتأتي الأعراف الاجتماعية في الدرجة الأولى تليها الهشاشة الاقتصادية بالدرجة الثانية، بالإضافة إلى ما يسود الأوساط الريفية من تمييز بسبب الجنس، وهذا مخالف لدستور المملكة، كما أكدت البرلمانية، مشيرة إلى أن هناك أناسا أوضاعهم الاقتصادية مقبولة ولكن يزوجون بناتهم في سن جد مبكرة، و”يحز في النفس أن يهدر المغرب طاقاته النسائية، بعدم استكمال الدراسة والمساهمة في تنمية البلاد”. وحسب الوزير عبدالقادر، فإن المثير في الأرقام الرسمية، هو أن عدد الطلبات المقدمة من طرف العاطلين عن العمل بلغ حوالي 98 بالمئة، كما أشار إلى أن الطلبات في ما يخص زواج القاصر انخفضت ما بين سنة 2015 و2018، لكنه أكد أن “هناك مشكلة في مدونة الأسرة والتطبيق وأيضا الجانب الثقافي الذي يتطلب تدخلا أفقيا من جميع القطاعات”. وعليه فقد فشلت إلى حد الساعة التشريعات وتوصيات مجموعة من الباحثين والقانونيين في وضع حد لتزويج القاصرات، لتنتصر العادات والتقاليد والأعراف على كل المجهودات المبذولة لمنع هذا الزواج على اعتباره يمثل طوق نجاة ومستقبلا مضمونا لفتيات القرى، وهو ما يحد من فرص انخراطهن في سوق الشغل وتطوير قدراتهن التعليمية. مساع للقضاء على الظاهرة أوضح وزير العدل المغربي أن “المدونة لما أعطت الاستثناء للقاضي تحدثت عن الحالة التي تكون فيها مصلحة، والحال يبدو أنه ليست هناك أي مصلحة”، وشدد على أن القانون الإطار الخاص بمنظومة التربية والتعليم يؤكد أن “التعليم حق للطفل واجب على الدولة وملزم للأسرة، لذلك علينا التعبئة من أجل تمدرس القاصرات وليس تزويجهن”. ورغم أن العديد من القوانين كمدونة الأسرة تتسم بإنصافها للمرأة إلا أنها تعرف اختلالات تعاني المرأة من تبعاتها كالطلاق، وزواج القاصرات الذي مازال منتشرا في مناطق متعددة في المغرب. ولفت محمد عبدالنباوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، في لقاء دراسي بمراكش حول زواج القاصر، إلى الارتفاع المتزايد لطلبات الإذن بزواج القاصر المقدمة للقضاء، واصفا إياه بالأمر المثير للقلق، مؤكدا أن عدد الطلبات المقدمة إلى المحاكم سنة 2018، تجاوز 33686 طلبا. واعتبر عبدالنباوي ضمير كل قاضية وقاض مكلف بقضايا الطفولة، هو الفيصل في اتخاذ موقف قضائي من تزويج البنات دون سن الرشد، لاسيما الموكل إليهم أمر تزويج القصر. وبالتالي هناك بون شاسع بين طموحات الدولة في حماية الطفولة والفتيات من انتهاك حقوقهن وتوفير كل الظروف القانونية والاجتماعية، والواقع العائلي الذي يساهم في إرغامهن على الزواج المبكر. 32 ألف طلب زواج للفتيات دون سن 18، تم تسجيلها في العام 2018، لذلك الأمر لم يعد استثناء ويعتبر تزويج القاصرات ظاهرة مجتمعية لها أبعاد عرفية ثقافية، اجتماعية واقتصادية لهذا التدخل في القضاء على هذه الظاهرة عمودي، كما تعتقد البرلمانية فتيحة سداس، في تصريحها لـ”العرب”، قائلة “إن مكان الفتاة القاصر هو المدرسة وعلى الدولة بمختلف مؤسساتها تحسيس الناس وخصوصا في الوسط القروي بأن زواج القاصر له أبعاد خطيرة نفسية وصحية واجتماعية واقتصادية، وعليها أيضا التصدي لشبكات الاتجار في البشر التي تستغل الفتيات وعائلاتهن التي تعاني وضعية اقتصادية هشة، ويتعرضن للاستغلال الجنسي”. وكشف عبدالنباوي، رئيس النيابة العامة، أن رئاسة النيابة العامة بصدد إعداد دراسة تشخيصية في الموضوع، يُنتظر منها تسليط الضوء على الإشكاليات التي تعترض السعي للحد من زواج القاصرات لاسيما على مستوى التدخل القضائي، كما تتوخى الكشف عن مختلف صور التحايل التي يتم اللجوء إليها لشرعنة الزواج المبكر أو جعله أمرا واقعا وملزما للقرار القضائي. وحسب النباوي، تهتم الدراسة بتحليل ما قد يطرحه الموضوع من تقاطعات قانونية وقضائية مع مواضيع أخرى كالعنف ضد الزوجة أو الطرد من بيت الزوجية وإهمال الأسرة أو الزواج القسري، وغيرها من القضايا ذات الصلة بزواج القاصر وكيفية معالجتها.
مشاركة :