لم يترك الإسلام العلاقة بين الرجل والمرأة تسير وفق الأهواء والغرائز والرغبات، بل وضع آداباً لهذه العلاقة، لا يجوز شرعاً الخروج عليها، حتى يأتي اللقاء بين الجنسين في إطار شرعي أخلاقي، يؤكد الاحترام بين الطرفين، ويسهم في رقي وتحضر كل من يلتزم به ويحرص عليه.يقول د. عبد الحي عزب الرئيس السابق لجامعة الأزهر: الواقع أن أحوال مجتمعاتنا العربية الآن، وما فيها من تجاوزات سلوكية من الطرفين، تؤكد حاجتنا الماسة إلى استعادة الأخلاق والآداب الإسلامية التي تحكم العلاقة بين الطرفين، باعتبارها إحدى صور الأمن الاجتماعي التي نحتاج إليها.وإذا كانت مجتمعاتنا العربية تعيش حالة غير مسبوقة من الاختلاط والانفتاح بين الجنسين؛ في الجامعات والمدارس والمتاجر والنوادي الاجتماعية ووسائل المواصلات وغيرها، فإن الدعوة إلى ضبط علاقة الرجل بالمرأة بآداب الإسلام وأخلاقياته الرفيعة ليست دعوة رجعية، كما قد يتصور بعض السطحيين، بل هي دعوة حضارية أخلاقية، هدفها الارتقاء بالمشهد السلوكي لهذه المجتمعات، وحمايتها من التجاوزات الأخلاقية، وأبرزها التحرش الجنسي والاغتصاب وجرح مشاعر المرأة في كل مكان، ومن هنا تأتي أهمية الالتزام بالضوابط الشرعية والآداب التي تحكم علاقة الرجل بالمرأة، حتى يمكن التلاقي بين الجنسين من دون تجاوزات، وأن يتم التعارف من دون تفريط في العادات والتقاليد التي تحفظ لكل طرف قيمه وأخلاقياته وتصون سمعته من القيل والقال. الخلوة المحرمة ويوضح د. عزب مواصفات الخلوة المحرمة شرعاً بين الرجل والمرأة، فيقول: الخلوة المنهي عنها شرعاً تكون باجتماع رجل مع امرأة أجنبية عنه في مكان واحد لا يراهما فيه أحد، أما الاجتماع في الطريق والأماكن العامة كالأسواق ودور العلم ووسائل المواصلات فلا تتحقق به الخلوة المحرمة.وخلاصة ما قاله العلماء في اجتماع الجنسين هو:- إذا كان الاجتماع ثنائياً، أي بين رجل وامرأة فقط.. فإن كان الرجل زوجاً أو محرماً جاز.- وإذا كان الاجتماع ثلاثياً.. فإما أن يكون بين امرأة ورجلين، وإما أن يكون بين امرأتين ورجل.. فإن كان الأول جاز إن كان أحدهما زوجا أو محرماً، وإلا حُرِّم.. وإن كان الثاني فإن كانت إحداهما محرمة جاز، وإلا ففيه قولان، وقد ذكر بعض العلماء جواز خلوة الرجل بامرأتين.- وإن كان الاجتماع رباعياً فأكثر، فإن كان رجل مع نساء جاز.. وكذلك إذا تساوى العدد في الطرفين، وإن كانت امرأة مع رجال جاز إن أمن تواطؤهم على الفاحشة، وإلا حُرِّم.ويشترط في المحرم الذي تجوز الخلوة بالأجنبي مع حضوره ألا يكون صغيراً لا يستحيا منه كابن سنة أو سنتين، وقال بعض العلماء: تجوز الخلوة بالأجنبية إذا كانت عجوزاً لا تراد، لكن مع الكراهة.أما الشابة مع كبير السن من غير أولي الإربة فقيل: لا تجوز الخلوة به وقيل: تجوز مع الكراهة.وعن حكم سائق سيارة الأجرة الذي تركب معه امرأة بمفردها يقول د. عزب: السائق الذي يوصل امرأة واحدة، إن كان في طريق مكشوف والناس ينظرون، فلا حرمة في ذلك، وإن كانت معه مجموعة من النساء أو الرجال فلا حرمة أيضاً، أما الطريق الخالي من الناس كطرق الصحراء وغيرها فيحرم سفر امرأة واحدة مع سائق أجنبي، أما مع مجموعة فيطبق عليهم التفصيل السابق، ومثل السائق المدرس الخصوصي للبنت والبنات، حتى لو كان يعلمهن القرآن الكريم. حشمة ووقار وعن مواصفات الملابس الشرعية للمرأة التي يجوز أن تظهر بها أمام الرجال الأجانب عنها تقول د. مريم الداغستاني، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية حددت صورة أخلاقية للمرأة أمام غير محارمها، حيث لا ينبغي أن تلين بالقول مع رجل حتى لو كان من الأقارب، حتى تحافظ على كيانها النفسي والأخلاقي وتفرض احترامها على الجميع، ولا سفور وتبرج ولا مزاح خارج نطاق الأدب والأخلاق الفاضلة.والزي الشرعي المطلوب من المرأة المسلمة عند خروجها من منزلها واختلاطها بالرجال الأجانب هو أي زي لا يصف الجسد، ولا يشف ويستر الجسم كله، ماعدا الوجه والكفين، ولا مانع هنا من أن تلبس المرأة الملابس الملونة الجميلة بشرط ألا تكون لافتة للنظر أو تثير الفتنة، فإذا تحققت هذه الشروط على أي زي جاز للمرأة المسلمة أن ترتديه وتخرج به.وهنا تؤكد أستاذة الشريعة الإسلامية أن النقاب الذي تحرص عليه بعض النسوة ليس مفروضاً على المرأة، لكنها تستطيع أن ترتديه من تشاء من النساء من باب الحرية الشخصية من دون أن تعتقد أنه مفروض عليها، حتى لا يختلط في ذهنها الواجب مع المباح، ومن دون أن تدعي أن ما تفعله هو الواجب الديني الذي يجب أن تلتزم به كل النساء.وإلى جانب المظهر العام الذي يجب أن تحرص عليه المرأة في اختلاطها بالرجال الأجانب، تؤكد أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر أن السلوك العام للمرأة يجب أن يكون في إطار أخلاقي، وعلى المرأة أن تحتاط اتقاء للشبهات، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه».
مشاركة :