تبدو تركيا مُصرّة على تشغيل نظام الدفاع الصاروخي الروسي من طراز أس – 400 في أبريل المقبل بالرغم من التوتر الذي يمكن أن تفجره هذه الخطوة مع أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي رد جديد على الانتقادات التي تطال أنقرة قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن منظومة الدفاع الجوي تتوافق مع الناتو الذي يتعين عليه تشكيل مجموعة عمل لدراستها. وأضاف “الزعم هو أن منظومة أس – 400 وطائرات إف – 35 غير متوافقتين. هذا هو الزعم. وهذا هو اقتراحنا.. دعونا نشكل مجموعة عمل ويمكن للحلف أن يرأسها ولنترك الخبراء يجرون التقييم ويعودون إلينا”. وذكر جاويش أوغلو خلال جلسة نقاشية في منتدى الاقتصاد العالمي “نعتقد أن أس – 400 وإف – 35 متوافقتان”. ويأتي حديث وزير الخارجية التركي في وقت كانت قد ذكرت فيه وسائل إعلام روسية الاثنين أن تسليم 120 صاروخاً أرض جو لهذا النظام تم بالفعل. وظلت هذه الصفقة مصدر توتر بين تركيا، العضو في حلف الناتو، والولايات المتحدة منذ أن بدأت أنقرة تتسلُّم الأنظمة الصاروخية في يوليو الماضي.ومع تمادي أنقرة في إتمام صفقاتها العسكرية مع موسكو أصبح هناك توجس من أن يفلت أعضاء آخرون من العقاب بعد أن يقتنوا المنظومة نفسها. واشنطن شطبت أنقرة من برنامج تصنيع الطائرات إف – 35، بسبب مخاوف من جمع أس – 400 معلومات عن الطائرة الشبح المقاتلة وتغامر البُلدان التي تشتري أنظمة تسلُّح ضخمة مثل أس – 400 من روسيا بالوقوع تحت طائلة قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات (كاتسا). ولكن تركيا أفلتت حتى الآن من التعرض لعقوبات، وهو ما يحفز دول أخرى شريكة للولايات المتحدة على التفكير في شراء أس – 400. وقال آيكان إردمير، مدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنه “بالنظر إلى الدفعة القوية التي يعطيها الكونغرس، سيكون كاتسا مطروحاً على الطاولة في وقت لاحق من هذا العام، بغض النظر عن محاولات البيت الأبيض حماية حكومة أردوغان من العقوبات.. بيد أن الجدول الزمني سيتحدد إلى حد كبير وفقاً للأجندة السياسية الأميركية، والخطوات التي تتخذها أنقرة”. وعبّر عددٌ من دول الشرق الأوسط الأخرى في الآونة الأخيرة عن الاهتمام بنظام الدفاع الجوي الروسي المتقدم. وأما بالنسبة إلى الهند، التي ترى الولايات المتحدة أنها شريك مهم جداً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فقد دفعت بالفعل 800 مليون دولار مقدّماً لشراء خمسة بطاريات صواريخ من طـراز أس – 400 في نوفمبر 2019. وقال بيتر هارل، الخبير في الإدارة الاقتصادية للملفات السياسية للدول في مركز الأمن الأميركي الجديد، “في أيّ وقت تبدو فيه الولايات المتحدة قد قررت عدم فرض العقوبات المنصوص عليها مثل شراء تركيا أس – 400 فإن هذا يبعث برسالة مفادها أن واشنطن لن تفرض عقوبات، ومن ثم يشجع هذا دولاً أخرى على الاستهانة بهذا الأمر” وشطبت الولايات المتحدة تركيا من برنامج تصنيع وتشغيل الطائرات المقاتلة طراز إف – 35، بسبب مخاوف من أن أس – 400 قد يجمع معلومات مهمة جداً عن قدرات الطائرة الشبح المقاتلة. ولكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يطبق العقوبات الواردة في كاتسا. وقال هارل “إذا كانت الولايات المتحدة لن تفرض عقوبات، فإنه سيكون من الأفضل منح تركيا إعفاء رسمياً، ووضع معايير واضحة وموحدة للحالات التي لن تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات”. وأضاف “عدم التطبيق ببساطة، خاصة بعد التصريحات العلنية بأن واشنطن ستفرض عقوبات، يؤدي إلى تراجع مصداقيتها بشكل كبير”. وطُرحت في الكونغرس مشروعات قوانين لمعاقبة تركيا على شراء أس – 400، وأيضاً على تحركها العسكري في شمال سوريا. وترغم مشروعات القوانين هذه ترامب على معاقبة تركيا. وأقر مجلس النواب الأميركي عقوبات في أكتوبر، لكن مشروع قانون واحد في هذا الصدد حقق تقدما في مجلس الشيوخ. وقال إردمير إن الخلاف القائم بين الولايات المتحدة وتركيا “ما زال يوفر لأردوغان الغطاء، نظراً لأنه يصرف الأنظار عن الجوانب المحرجة في اتفاق أس – 400 الذي أبرمه، والذي تبين أنه لا يتضمن نقل أيّ تكنولوجيا، وهو الأمر الذي يفنّد ما قاله الرئيس التركي حول الأسباب التي تجعل نظام الدفاع الروسي أفضل من أيّ بديل أميركي أو أوروبي”. ويرى مراقبون أن ترامب تساهل مع أردوغان حيث يقول إردمير إن “ترامب، بالنظر إلى علاقته بأردوغان، من المرجّح أن يضغط من أجل خيارات من الجانب الأخف وزناً في قائمة العقوبات”. وبينما تكافح الولايات المتحدة من أجل إظهار سياستها الخارجية في صورة متماسكة، فإن قضية أس – 400 التي تمخضت عن شراء تركيا النظام الصاروخي الروسي قد تشكل تحدياً نادراً يتعين عليها أن تواجهه بشكل فعّال.
مشاركة :