تفيد الأصداء القادمة من البيت الأبيض بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب ليست في وارد تقديم دعم لحكومة لبنان الجديدة التي شكلها حزب الله وحلفاؤه، وأنه سيكون على لبنان “اقتلاع أشواكه بنفسه”، خاصة وأن موقف الاتحاد الأوروبي هو الآخر لا يبدو مشجعا كثيرا حيث ربط الاتحاد تقديم المساعدات بضرورة قيام الحكومة بإصلاحات رغم إدراكه ضيق هامش الوقت في ظل الانهيار السريع الذي يشهده اقتصاد البلاد. وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال، عن مشاورات يجريها البيت الأبيض بشأن صوابية استمرار دعم لبنان في ظل حكومة يهيمن عليها حزب الله الذي تصنفه واشنطن تنظيما إرهابيا تستخدمه إيران لتنفيذ مآربها التوسعية. وأكدت الصحيفة الأميركية أن مسؤولي إدارة ترامب يفكرون جديا بقطع المساعدات عن الحكومة الجديدة، التي يقودها حسان دياب، مذكرة بأنه سبق لواشنطن أن علقت العام الماضي مساعدات عسكرية واقتصادية للبنان بقيمة تتجاوز الـ200 مليون دولار، قبل أن تتراجع عن ذلك بضغط من الكونغرس. وأعلن الرئيس المكلف حسان دياب، مساء الثلاثاء، عن الحكومة الجديدة بعد مخاض عسير نتيجة خلافات وصراعات على الحصص الوزارية بين أبناء الحلف الواحد، ولعب حزب الله الدور الأساس في تسريع ظهور التشكيل الحكومي إلى النور، والذي وإن بدا مستقلا عضويا عن الحزب وحلفائه، بيد أنه ملتصق بهما فكريا وسياسيا. وبدا تعليق الولايات المتحدة الرسمي على إعلان تشكيل الحكومة اللبنانية فاترا، حيث قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنه يتعين على الحكومة اللبنانية تحقيق إصلاحات لإعادة المستثمرين والسماح بعودة المساعدات الدولية. وأضاف بومبيو في بيان “فقط الحكومة القادرة على تنفيذ إصلاحات ملموسة وتلتزم بذلك، ستستعيد ثقة المستثمرين وتطلق العنان للمساعدات الدولية للبنان”. وتابع “الاختبار لحكومة لبنان الجديدة سيكون تصرفاتها واستجابتها لمطالب الشعب اللبناني لتنفيذ الإصلاحات ومكافحة الفساد”. ودعا وزير الخارجية الأميركي الحكومة وأجهزة الأمن إلى “ضمان سلامة المواطنين خلال مشاركتهم في مظاهرات سلمية”، لا تزال مستمرة. موقف الاتحاد الأوروبي هو الآخر لم يبد أكثر حماسة من الموقف الرسمي الأميركي وتجلى ذلك عقب اللقاء الذي أجراه السفير الأوروبي لدى لبنان رالف طراف، الخميس، مع الرئيس دياب، حيث أكد “أننا كاتحاد أوروبي نلتزم بالمساعدة فقط إذا نفذت الإصلاحات”، والتي ستكون مناقشة موازنة العام 2020، الأسبوع المقبل، أول اختبار على هذا المستوى. وشدد طراف “نتطلع إلى أن تبقي الحكومة على مسألة النأي بالنفس وتموضعها السياسي”، في إشارة ضمنية إلى أنه لن يكون مقبولا رهن مصير لبنان بإيران وأجندتها في المنطقة. وفي وقت لاحق، الخميس، حضت فرنسا رئيس الوزراء اللبناني الجديد على اتخاذ “إجراءات عاجلة لإعادة الثقة” في لبنان. وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إن “الوضع الصعب الذي يشهده لبنان يتطلب أن تكون أولوية الحكومة الجديدة اتخاذ الإجراءات العاجلة لإعادة الثقة”. وأضافت أنييس فون دير مول “لقد آن الأوان لكل المسؤولين اللبنانيين أن يتحركوا بشكل جماعي بما فيه المصلحة المشتركة لكل اللبنانيين”. وفي مقابل التعاطي الدولي الباهت مع الحكومة اللبنانية الجديدة، يبرز صخب الشارع اللبناني الذي عبر عن رفضه لهذه الحكومة التي تتناقض والمطالب التي نادى بها وعلى رأسها تشكيل حكومة كفاءات بعيدا عن الأحزاب. واتخذ هذا الرفض طابعا أكثر عنفا وحدة، وسط مؤشرات توحي بأن هناك أطرافا تدفع بالحراك الذي انطلق في 17 أكتوبر إلى الانحراف عن مساره السلمي، وقال مسؤول كبير في الأمم المتحدة على تويتر، الخميس، إن العنف الذي أبداه بعض المحتجين في العاصمة اللبنانية بيروت وراءه أغراض سياسية لتقويض الأمن والاستقرار. وذكر المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش “يبدو هذا أشبه بمناورة سياسية لاستفزاز قوات الأمن وتقويض السلام الأهلي وإذكاء الفتنة الطائفية” مشيرا إلى هجمات على قوات الأمن وعمليات نهب لمؤسسات تابعة للدولة وممتلكات خاصة. بدورها عبرت شخصيات سياسية مختلفة الانتماءات عن قلقها من موجة التخريب التي يتعرض لها الوسط التجاري في بيروت حول مبنى مجلس النواب اللبناني، وسط أنباء متضاربة حول هوية ودوافع مجموعات بعينها أتت من مناطق بعيدة تعمل على مهاجمة الأملاك الخاصة علنا وعلى الهواء مباشرة، وأحيانا وسط غياب ملتبس للجيش اللبناني. وتحدثت بعض الأنباء عن تحرك ذي طابع سني اندفع في الأيام الأخيرة رفضا لتشكيل حكومة ترأسها شخصية لا تحظى بغطاء الطائفة الديني والسياسي. وقد اضطر تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري إلى إصدار بيان ينفي فيه أي علاقة للتيار بتلك الاحتجاجات وبأعمال التخريب التي طالت الحي الذي أعاد إعماره رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. وأكد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أن “استباحة بيروت عمل مرفوض ومدان ومشبوه كائنا من كان يقوم به أو يغطيه ويحرض عليه، فساحات بيروت مفتوحة لحرية التعبير والرفض والغضب والاعتصام والتظاهر السلمي أمام اللبنانيين، ومن غير المقبول أن تتحول إلى ساحات للكر والفر وتكسير الأملاك الخاصة والعامة”. وفي خضم المواقف غير المطمئنة بالنسبة لحكومة دياب، تطفو بعض الإيجابيات حيث ذكرت أوساط سياسية أن لا موانع برلمانية تحول دون إعطاء الحكومة الجديدة الثقة في البرلمان، وتوقعت أن تحظى حكومة دياب بأصوات تفوق تلك التي منحت لتكليفه دون أن تستبعد تصويت بعض أحزاب المعارضة لصالح الثقة بالحكومة. وكان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط كرر أن وجود أي حكومة أفضل من الفراغ، كما أن الحصة الدرزية أرضته، لاسيما وأن وزيرة الإعلام منال عبدالصمد تنتمي إلى عائلة مقربة من جنبلاط. ولم يستبعد مراقبون أن تمنح كتلة جنبلاط الثقة إلى حكومة دياب. ولم يتضح بشكل دقيق موقف تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية بشأن منح الثقة للحكومة الجديدة، إلا أن المراقبين لفتوا إلى أن ما صدر عن “المستقبل” و”القوات” ليس سلبيا لجهة انتظار صدور البيان الوزاري والإفصاح عن خطة للحكومة لإنقاذ البلاد ليبنى على الشيء مقتضاه. وأشار الحريري في شأن هذه الحكومة إلى أنه “من السابق لأوانه إطلاق الأحكام بشأنها، مع ملاحظة أن تشكيلها كان خطوة مطلوبة سبق أن شددنا عليها لضرورات دستورية وعملية ومن الطبيعي أن نراقب عملها ونتابع توجهاتها آخذين في الاعتبار حاجة البلاد إلى فرصة لالتقاط الأنفاس”. وكان دياب قد سارع إلى توزيع مسودة البيان الوزاري على اللجنة الوزارية وأبرز ما فيه: خطة عمل الحكومة المباشرة والفورية. والتحسس مع مطالب حراك الشارع، وتأليف لجان متخصصة، لاسيما بالملفات الاقتصادية وللإسراع بالمعالجة، واعتبار مكافحة الفساد أولوية. والحرص على علاقات لبنان العربية وإعادة تفعيلها، والتمسك بسياسة النأي بالنفس، وتطوير صيغة الثلاثية: الجيش والشعب والمقاومة، انطلاقا مما اعتمد في الحكومة السابقة. ويقول محللون إنه رغم التشاؤم مما صدر من مواقف فإن الأمور قابلة للتغير وهذا يبقى رهين قدرة الحكومة الجديدة على إقناع المجتمع الدولي، من حيث تبنيها لخطوات إصلاحية فعلية، وعدم الارتهان لسلطة حزب الله. وأشارت أوساط خليجية إلى أن دول الخليج تراقب عن كثب التطورات، وأنه رغم الانطباع الأولي غير المشجع عن حكومة اللون الواحد بقيادة حزب الله، لكنها ستدرس ما يصدر عن هذه الحكومة، كما ستواكب النقاش اللبناني الداخلي حول مسار الحكومة وآليات عملها ودرجة احتضانها من قبل اللبنانيين والمجتمع الدولي ومؤسساته المالية.
مشاركة :