دبي:حمدي سعد ساهم توجه دولة الإمارات إلى تطوير مدن تعتمد على الربط التقني المتكامل بين الإنسان والآلة وبين الآلة والآلة وبين الأشياء بشكل عام ومشروع «دبي مدينة ذكية» بشكل خاص، في لعب دور حيوي وكبير في جذب استثمارات تكنولوجية ومعلوماتية كبيرة للدولة، وفقاً لجهات بحثية ودراسات متخصصة ومرموقة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات.وأكدت شركات متخصصة في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات أن دبي تتصدر الإنفاق والتطوير لتكون المدينة الأذكى عالمياً، بفعل الرؤية والاستراتيجيات الواضحة في هذا الإطار من حيث البنية التحتية، لاسيما مع نشر شبكات وتقنيات الجيل الخامس على نطاق واسع خلال 2020 والتي ستساهم بقوة في تسريع تصدر دبي لقائمة المدن الذكية عالمياً.ودخلت الإمارات منذ سنوات في سباق مع الزمن لتنفيذ بنية تقنية بالغة التطور لتطبيق أنظمة المدن الذكية والمعتمدة بشكل أساسي على بنية قطاع الاتصالات، وجاء الاستثمار في شبكات الجيل الخامس بمثابة العمود الفقري لهذه البنية، من خلال توفير قدرات وسرعات غير مسبوقة في تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والسيارات ذاتية القيادة وغيرها من القطاعات التقنية الناشئة والتي ستمثل إضافة نوعية للاقتصاد الإماراتي القائم على المعرفة.يقول صفدار نذير، نائب رئيس «هواوي» لاستراتيجيات الصناعات الرقمية في المنطقة ل«الخليج»: يُقاس ذكاء المدن بتطور تقنيات الاتصال فيها، فبينما شكلت تكنولوجيا الجيل الرابع أساساً راسخاً لإرساء مبادرات المدن الذكية وإطلاق مشاريعها التطويرية، فإنه لا سبيل للانتقال إلى المستوى التالي من المدن الذكية إلا من خلال تقديم الجيل التالي من إمكانات الاتصال.ويضيف نذير لا تجسد تكنولوجيا الجيل الخامس التي لا يقتصر دورها على إضفاء أبعاد جديدة على صعيد تطوير المدن الذكية على نحو ما هي عليه الآن فحسب، بل تمتد ميزاتها لتضيف حالات استخدام جديدة من شأنها أن ترسم ملامح جديدة لمستقبل العالم الذكي، خاصة حين تقترن هذه التكنولوجيا الثورية بالذكاء الاصطناعي.وأكد نذير، أن الاتصال يعد شريان الحياة بالنسبة للمدن الذكية، ويتطلب كل شيء فيها اتصالاً من أجل استشعار ما حوله وفهمه والاستجابة له، ويشتمل هذا الجهاز العصبي التكنولوجي على حلولٍ رقمية عبر منصات بنية تحتية مثل إنترنت الأشياء، والسحابة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي ونظم البيانات الضخمة وتشكل هذه المنصات معاً أساس اتصال الأشياء التي تحتاج إليها المدن الذكية.ولاعتماد حالات الاستخدام على نطاق واسع، يتطلب الأمر شبكة سريعة بأقل زمن تأخير لتمرير البيانات والأوامر، يمكنها التعامل مع البيانات الضخمة وتسهيل الاتصال بشكل شبه فوري وموافق إلى أقرب ما يمكن للزمن الواقعي.وخير مثال على ذلك اتصالات إنترنت السيارات، في إطار الاعتماد الشامل للمركبات ذاتية القيادة، أو التحكم في طيران الطائرات المسيرة إذا كانت السماء تعج بها، وذلك لتجنب اصطدامها ببعضها.ويقول نذير: إن أحد أبرز ما يمكن أن تقدمه تكنولوجيا الجيل الخامس، توفير سرعة بيانات تصل إلى 10 جيجابايت في الثانية، ما يعني القدرة على تنزيل فيلم كامل عالي الوضوح على هاتفك الذكي في غضون ثوان قليلة.وتعتبر المركبات ذاتية القيادة وأنظمة التنقل الذكية من الفرص التي يكثر الحديث عنها في سياق المستقبل الأكثر اتصالاً.وعند دمج شبكة الجيل الخامس بتقنيات أخرى ثورية كالذكاء الاصطناعي، ستصبح قوة كبيرة دافعة بالمعنى الحقيقي للكلمة، تسهم في تحقيق رؤية إدارة المرور الذكية ولن يقتصر دور شبكة الجيل الخامس على ربط المركبات ذاتية القيادة بالعالم من حولها فقط، بل سيتجاوز ذلك إلى مراقبة إشارات المرور الضوئية، وتدفق حركة السير، وأنظمة الملاحة المدمجة في السيارة لإدارة سلامة الطرق والازدحام. ويوضح نذير أن هناك عدداً لا يحصى من التطبيقات التي تنتظر انتشار شبكات الجيل الخامس في المدن الذكية، مما يؤكد أن بناء المدن الذكية اعتماداً على شبكات الجيل الخامس قرار صائب وبالغ الأهمية. المدن المتصلة ويقول كاسبر هيرزبيرج، مدير «شنايدر إلكتريك» في المنطقة وإفريقيا: سيعيش في المدن نحو 2.5 مليار شخص بحلول العام 2050، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة وعندما ننظر للأمر من زاوية أوسع وندرس الخصائص التي تجعل المدينة أكثر ذكاءً، فإن الفوائد التي تقدمها لتحقيق الرفاهية الحضرية جذابة ومنطقية جداً.أضاف هيرزبيرج، أن المدينة الذكية مدينة رقمية ومتصلة، ستمكن من جمع ما يكفي من البيانات في الوقت الفعلي أو بفارق ضئيل جداً عنه من جميع مناطق المدينة وبناها التحتية ومبانيها ووسائل المواصلات فيها ومرافقها وبيئتها وغير ذلك.وبهذا ينكسر الانعزال وتختفي الحدود ويمكن تجميع هذا الكم الهائل من البيانات واستيعابه وتحليله وتحويله إلى تمثيل بصري بسيط وتحليلات مفيدة، ثم أتمتة هذه العملية كي تكون مفيدة لمصلحة الناس.ويضرب هيرزبيرج، عدداً من النماذج والأمثلة للتدليل على أن الأتمتة والتحول الرقمي قادران على إحداث تأثير إيجابي يحسن رفاهية المدن ومن يسكنونها بالقول: تقدم حلول تحسين كفاءة العمل التي تستفيد من «إنترنت الأشياء» والبيانات الضخمة عبر بيئة المكتب الذكية والبسيطة فرصة جيدة لزيادة إنتاجية الموظف وتعاونه. التنقل الذكي ويقول هيرزبيرج: في المدينة الذكية، يجب أن تتوفر خيارات متنوعة عالية الكفاءة لوسائل النقل لتناسب احتياجات السكان، وفقاً لبرامجهم اليومية والطقس والوقت وعوامل أخرى، ويجب أن يكون توافر المواصلات متاحاً في الوقت الفعلي وتوجيه السيارات إلى الطرق الأقل ازدحاماً والوصول سريعاً لمكان ركن السيارات، كما يقلل دفع الأموال المؤتمت من متاعب المعاملات النقدية ويمنع التلاعب ويخفض مدة الانتظار. ويشير هيرزبيرج، إلى أنه لم يعد بإمكاننا الاعتماد على قنوات التوزيع القديمة أي المياه والكهرباء والغاز بدلاً من ذلك، يجب أن نتحول إلى التوزيع الذكي والإدارة تُراقب شبكة التوزيع باستمرار بحثاً عن التسربات والأخطاء والمشكلات والاحتيال المحتمل ما يؤدي إلى تحسين الكفاءة وتقليل التوقفات غير الضرورية ويزيد الأمن والأمان وعند أتمتة الفواتير تقل الأخطاء بشكل كبير، ما يؤدي إلى تعزيز رضا المستخدم.ويضيف هيرزبيرج، يجب أن تتمتع المدينة الذكية بشبكة كبيرة من حلول الأمان المادي مقترنة مع برامج التحليل المناسبة وتخفض كثيراً أوقات استجابة الدفاع المدني ومستجيبي الطوارئ من خلال تحليل المعلومات المتدفقة من الأماكن المجاورة وتقديم بيانات سريعة تُحلل سريعاً. مشهد أوسع في السياق يقول أسامة الزعبي، المدير التقني لدى «سيسكو» الشرق الأوسط: تمثل الشبكات الذكية المصممة للأعمال الرقمية وإنترنت الأشياء، خطوة انطلاق نحو مشهد أوسع. ويتوقع بحلول العام 2030 أن يصل عدد الأجهزة والأشياء المتصلة بالإنترنت أكثر من 500 مليار جهاز وشيء، ما يعني أن العالم المترابط بات أكبر أثراً وأكثر تعقيداً من إمكانية إدارته بفعالية من قبل البشر.وأعلنت دبي مؤخراً عن اعتمادها لأحدث التقنيات الرقمية من خلال رؤية دبي الذكية وتشمل الرؤية تقنيات متقدمة مثل الشبكات الذكية القائمة على الحدس، والتعلم الآلي، والذكاء الاصطناعي، وتحليلات لحل المشاكل المزمنة في الواقع الفعلي، وتحقيق التنمية المستدامة، والحفاظ على القدرة التنافسية الاقتصادية، فضلاً عن توفير مستويات عالية من نوعية الحياة لسكانها. نجاح المدن الذكية وقالت بتينا تراتز ريان، نائبة رئيس الأبحاث لدى «جارتنر»: تعتبر الإمارات بشكل عام، ودبي بشكل خاص، مثالاً حياً وناجحاً ضمن آليات تنفيذ إطار عمل المدينة الذكية.أضافت ريان، خلال 2020 فإن ثلثي الاستراتيجيات الخاصة بتنفيذ مشاريع المدن الذكية ستتضمن مؤشراً للأداء لعرض الأثر الذي تتركه الخدمات الحضرية المتعلقة بالتجوال. مشيرة إلى أنه يجب أن تركز استراتيجيات الأعمال بشكل واضح على تطوير تجارب خدمة انسيابية للمواطنين، وذلك من خلال الوصول الرقمي إلى المعلومات والخدمات الحكومية. وأوضحت ريان أنه وفي ظل جهودها الحثيثة المبذولة لاستضافة معرض إكسبو 2020 - دبي، تركز حكومة دبي على إنشاء وابتكار قيادة فكرية، وذلك عبر استثمار التقنيات الأكثر ابتكاراً وقدرة على إيجاد أنماط جديدة لوسائل النقل (مثل النقل بالقطار فائق السرعة «الهايبرلوب»)، أو منشآت توليد الطاقة (بالتعاون مع مصدر)، أو تجارب الصحة والسلامة.وذكرت ريان، أن الطريق نحو المستقبل تحكمه المنهجيات المتدرجة والعملية والموجهة من قبل المجتمعات، بحيث يشكل المواطنون فيها حجر الزاوية لتصميم وتطوير مبادرات المدن الذكية، دون أي تدخل من السياسات العامة والحاكمة، ويتلخص دور قادة المدن فيها بتسليط الضوء على المنصات التقنية فحسب.أما بالنسبة للمواطنين الأذكياء، فلن ينصب تركيزهم على استخدام التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والآلات الذكية فحسب، بل سيتخطاه إلى تعزيز مستوى الخدمات والتجارب. لذا، أضحى الحوار بين المواطنين والحكومات عنصراً حيوياً وأساسياً لضمان معالجة القضايا بالشكل الصحيح والأمثل.ولمواكبة المتطلبات المتغيرة للمواطنين، وتطوير نماذج الأعمال الجديدة، لا تسع المدن حالياً لتحقيق مفهوم الذكاء فحسب، بل لتجسيد مبادئ الابتكار أيضاً. ويتم في الوقت الراهن استخدام تقنيات تعلّم الآلات، وروبوتات الدردشة لتوطيد علاقات المواطنين أو الأصول مع محيطهم، فالمدن تقوم بإرساء سياسات تجارية وتقنية من أجل تقييم الفرص المحتملة التي ستطرحها التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي في مجال رعاية وخدمة كبار السن، أو القيادة الذاتية للمركبات، أو روبوتات توصيل الطلبات. وبالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من حالات الاستخدام الصاعدة لتقنية البلوك تشين لإنجاز المعاملات، وحفظ السجلات.وتابعت ريان: بالتزامن مع تنامي أهمية عمليات تحليل البيانات والرؤى بسبب عمليات التحليل والتعلّم واسعة النطاق، ستلعب خوارزميات البيانات دوراً أساسياً في إنشاء خدمات ترتكز على المستخدم.وتقول ريان:«تشير موجة التغييرات التي تجتاح طرق تفكير المواطن إلى أنه ينبغي على الحكومات بدورها تغيير طرق تفكيرها، حيث يتوجب على مديري المعلوماتية في الهيئات الحكومية اليوم الأخذ بعين الاعتبار وضع استراتيجيات مبتكرة من أجل جذب واستقطاب الصناعات الجديدة، وتطوير المهارات الرقمية، كما ينبغي عليهم البدء بتغيير مخططات التوزيع الفراغي، والبنية التحتية للطرق، وآلية إدارة البيانات والخدمات». 237 مليار دولار سوق المدن الذكية 2025 من المتوقع أن يصل سوق المدن الذكية العالمية إلى 237.6 مليار دولار بحلول 2025، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 18.9٪ من 2019 إلى 2025، وفقاً لدراسة أجرتها جراند فيو ريسيرتش. وتضم المدن الذكية عدداً كبيراً من المجالات المتنوعة ومجالات التطبيق التي يتم تعزيزها بالتطورات التكنولوجية واستخدامها الفعال لتوفير الخدمات للناس، سواء أكانت محوراً رئيسياً للسياحة أو مجتمعاً صغيراً يسعى إلى أن يصبح مستداماً، فقد وجدت حلول المدن الذكية طريقها في مجالات متنوعة من نمط الحياة الحضرية.ومن المتوقع أن يزداد الطلب على حلول المدن، وذلك بسبب عدد من العوامل مثل تزايد عدد سكان المناطق الحضرية والحاجة إلى إدارة أفضل للموارد الطبيعية المحدودة والاستدامة البيئية. وإن التوسع الحضري السريع والبنية التحتية للشيخوخة واعتماد التكنولوجيا الجديدة، بالإضافة إلى الحاجة إلى تحسين نوعية الحياة، هي التي تقود الصناعة أيضاً.يقدم السوق مجموعة متنوعة من المزايا، مثل كفاءة التنقل والمباني والمنازل المحسنة والاستفادة المثلى من الطاقة والخدمات الإدارية الأفضل.وإن الاعتماد المتزايد للتقنيات الحديثة التي تكمل إدارة مدن المستقبل هي أيضاً محفز رئيسي في نمو الصناعة ويستفيد السوق أيضاً من المبادرات التي اتخذتها الحكومات الوطنية والإقليمية والمقيمون والشركات المحلية لتنفيذ المشاريع والتوجه نحو مشكلات المدن.ويشمل سوق المدن الذكية قطاعات مثل: الرعاية الصحية والنقل والمياه والمساعدة المعيشية والأمن والطاقة ويختلف تنفيذها من مدينة إلى أخرى ومن المتوقع أن ينمو السوق بمعدل سريع في السنوات القادمة، مدفوعاً بتجدد اهتمام الصناعات وتوافر التكنولوجيا والمشاركة الشاملة للصناعة. «إنترنت الأشياء» يسهل سير السيارات ذاتية القيادة يقول ريتشارد ميخايل، الرئيس الإقليمي لشركة «أيديميا»: اعتماد دولة الإمارات استراتيجية واضحة المعالم للاستثمار في تقنيات «إنترنت الأشياء»، جعل مسألة سير المركبات أو السيارات ذاتية القيادة في شوارعها سهلة للغاية، خصوصاً أن أجهزة وأنظمة الحلول التي تستخدمها الدولة في مراقبة حركة المرور على طرقاتها متطورة ومؤهلة لتطويرها للتعامل مع هكذا نوع من المركبات التي تدخل حكماً في منظومة «إنترنت الأشياء».توفير الحلول الملائمة لضبط ومراقبة حركة المرور عبر استخدام أجهزة تحتوي على مجسات تلتقط الصور ومقاطع الفيديو لحظة بلحظة من شأنه أن يراقب سلوك السائقين، وتكوين أفكار أساسية حولها لكي تُبنى عليها الإجراءات التي تسهم في تطوير وتحديث مفهوم يقوم بالدرجة الأولى على تأمين السلامة العامة على الطرقات.
مشاركة :