شارك الآلاف من مؤيدي الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر أمس الجمعة في تظاهرة للمطالبة بطرد القوات الأميركية من العراق، فيما يقف شارع المتظاهرين في الجهة الأخرى على أهبة الاستعداد. ولخَّص المتحدث باسم الصدر تظاهرة الجمعة بمطلبين، هما خروج القوات الأجنبية وضرب الفاسدين. وأوضح صلاح العبيدي في مقابلة أجراها مع قناة العراقية الرسمية أن «هناك أطرافاً يمثلون ثوار تشرين يعتقدون أن إيران فقط هي المسؤولة عن الخراب في العراق، وأطراف أخرى يمثلها الحشد أو أنصاره يقولون أميركا السبب في الخراب». وأضاف «نحن نعتقد أن الاثنين معاً هم وراء الخراب، ويحاول السيد أن يوائم بين الطرفين». ويشهد العراق منذ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حركة احتجاجات مطلبية، تراجعت في الآونة الأخيرة بعدما اغتالت الولايات المتحدة بطائرة مسيّرة مطلع كانون الثاني/ يناير الحالي قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب بغداد، ما أثار موجة غضب لدى فئات من العراقيين. وقبل عشرة أيام قال الصدر في تغريدة عبر حسابه على موقع تويتر إن «سماء العراق وأرضه وسيادته تنتهك من قبل القوات الغازية». ودعا في تغريدته «إلى ثورة عراقية لا شرقية ولا غربية»... «مظاهرة مليونية سلمية موحدة تندد بالوجود الأميركي وبانتهاكاته». وفي ساعات الصباح الأولى الجمعة، تجمع الآلاف من الرجال والنساء والأطفال من كل الأعمار في حي الجادرية بشرق بغداد، رغم الطقس البارد. وأطلق بعضهم هتافات «اخرج اخرج يا محتل» و»نعم نعم للسيادة». ونحو الساعة العاشرة «07.00 ت غ» تلا ممثل عن الصدر على منبر نصب في موقع التظاهرة، بياناً من رجل الدين البارز، دعا فيه جميع القوات الأجنبية إلى مغادرة العراق وإلغاء الاتفاقيات الأمنية العراقية مع الولايات المتحدة وإغلاق المجال الجوي العراقي أمام الطائرات العسكرية والمسيّرة الأميركية، وألا يتعامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ»فوقية واستعلاء وعنجهية» عند مخاطبته المسؤولين العراقيين. وأضاف البيان «إذا تم تنفيذ ما ورد أعلاه، فسيكون تعاملنا على أساس أنها دولة غير محتلة، وإلا فهي دولة معادية للعراق». وبعيد ذلك، بدأ المتظاهرون بمغادرة الساحة، ورمي اللافتات في الحاويات على طول الطريق، فيما بقي بعضهم في مكانه. وحظيت دعوة الصدر، التي جاءت بعد تصويت في البرلمان العراقي على تفويض الحكومة بإنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد، بتأييد واسع من الفصائل الشيعية المقربة من إيران، والتي تتهم بالوقوف وراء بعض أعمال العنف ضد المتظاهرين الذين يتجمعون في ساحة التحرير المركزية، ما يثير مخاوف من اشتباك بين الطرفين. ولكن الجدير بالذكر، أن الصدر كان أعطى لأنصاره حرية المشاركة في التظاهرات المناهضة للفساد، كما طلب من أنصاره حماية المتظاهرين من مجموعات مسلحة متهمة بتنفيذ عمليات اغتيال وخطف ضد ناشطين. لكن أحد الناشطين قال لوكالة فرانس برس ليل الخميس إن «الصدر لا يمثلنا». وسعى المتظاهرون المطلبيون إلى استعادة الزخم وتشديد الضغط على السلطات، وبدؤوا منذ مطلع الأسبوع بقطع الطرقات في العاصمة ومدن جنوبية. وكان هؤلاء أبدوا قلقاً كبيراً من دعوة الصدر، وتخوفوا من أن تكون قريبة من ساحة التحرير. وأسفرت أعمال العنف التي شهدتها التظاهرات في أنحاء البلاد عن مقتل نحو 470 شخصاً غالبيتهم من المحتجين، وإصابة أكثر من 25 ألفاً بجروح، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استناداً إلى مسعفين ومصادر أمنية ومفوضية حقوق الإنسان العراقية. وشهد وسط بغداد الجمعة إغلاقاً لطرقات رئيسة عدة وانتشاراً كثيفاً للقوات الأمنية. وتحدث الشارع عن سيناريوهات عدة. وأعرب كثيرون عن قلقهم من أن ينجر المتظاهرون إلى السفارة الأميركية، وتكرار المسلسل نفسه الذي حصل الشهر الماضي وأطلق شرارة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وجعل من العراق ساحة لتصفية الحسابات. من جهة أخرى، أصدرت الفصائل الشيعية المتشددة مثل حركة النجباء وكتائب حزب الله العراقي، تهديدات شديدة اللهجة تجاه رئيس الجمهورية برهم صالح، تعليقاً على لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأربعاء. وقدَّم أحد مستشاري صالح، وينتمي إلى حركة عصائب أهل الحق، استقالته من منصبه اعتراضاً على اللقاء أيضاً. لذا، كان البعض يتخوف أيضاً من أن تتجه التظاهرات إلى قصر السلام الرئاسي. لكن الصدر أعلن قبل ليلة عبر المقربين منه عن دعمه لرئيس الجمهورية، واصفاً إياه بـ«حامي الدستور». وقال الخبير بالشأن العراقي في مركز كارنيغي «حارث حسن» لوكالة فرانس برس إن الصدر كان يحاول الحفاظ على «هوياته المتعددة» من خلال دعم احتجاجات مختلفة. واعتبر حسن أنه من ناحية يسعى إلى وضع نفسه كزعيم لحركة إصلاحية، كشعبوي ومناهض للمؤسسة، ومن ناحية أخرى، يريد أيضاً الحفاظ على صورته كزعيم لمقاومة الاحتلال الأميركي، جزئياً لكسب تأييد إيران. وشددت طهران أخيراً على أنه يجب على جميع القوات الأميركية مغادرة الشرق الأوسط، وسط التوترات المتصاعدة بينها وبين واشنطن. لكن قد يكون للصدر دوافع محلية، بحسب حسن. وأشار الخبير السياسي إلى أن هذا الاحتجاج، سيظهر أن الصدر ما زال قادراً على تعبئة مجموعات كبيرة من الناس في الشوارع، لكن من المحتمل أيضاً أنه يريد من المجموعات الأخرى أن ترد من خلال منحه مساحة أكبر لاختيار رئيس الوزراء.
مشاركة :