تشن تشنغ باحثة ومترجمة صينية. تشتغل بالتدريس في جامعة الدراسات الدولية ببكين، بالإضافة إلى توليها نيابة عمادة كلية الدراسات الشرق أوسطية بنفس الجامعة. وهي الكلية التي تضم قسم اللغة العربية الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى منتصف ستينات القرن الماضي، بالإضافة إلى قسم اللغات الفارسية والتركية والعبرية، ومركز الدراسات العربية، ومركز الدراسات الصينية العربية. حصلت على الدكتوراه في موضوع مثير يخص “الجملة العربية: معناها ومبناها” بكلية اللغات الأجنبية وآدابها بجامعة بكين. كما تولت تأسيس مكتب النيل للترجمة والدراسات ببكين ومؤسسة منشورات أوتار بدبي. نشرت تشن تشنع العديد من الأبحاث العلمية في مجالات اللغة والترجمة. أما أعمالها على صعيد الترجمة فتضم، على سبيل المثال، رواية “ثلاثية غرناطة” للروائية المصرية رضوى عاشور، ونصوص للروائي الصيني آ يي. تنتمي تشن تشنغ، وهي التي لم تقفل بعد الأربعين من عمرها، إلى الجيل الجديد من المترجمين الصينيين الذين اختاروا طريق القراءة العاشقة للثقافة العربية والإسلامية، بحثا عن مناطق النور داخلها. تعود تشن تشنغ في حديثها إلى بداية علاقتها باللغة العربية التي ترجع إلى أواخر تسعينات القرن الماضي. وهي العلاقة التي بدأت بالصدفة لتغير حياتها بالكامل. والذي حدث ببساطة هو أنها اختارت اللغة العربية كتخصص جامعي، بعد أن أثارها سحر الكلمة الواردة ضمن التخصصات الجامعية. ولأنها، كما تقرّ بذلك، تحب كل العوالم الجديدة التي تفضل اكتشافها وأن تتحدى نفسها بتجريب كل شيء جديد يمكن أن “تتلهى” به، وأيضا أن تحيا حياة من مزيج الألوان، فسيكون كل ذلك وراء اختيارها للغة العربية التي قد تضاهي اللغة الصينية، على الأقل من حيث الصعوبة. وفي ما يخص أثر هذا الاختيار على مستوى حياتها، تنبه تشن تشنغ، في البداية إلى أنه بخلاف أولئك الذين يخططون حياتهم بعناية ودقة ويعرفون جيدا ماذا سيفعلونه ويحققونه في مختلف مراحل أعمارهم، فإنها اعتادت أن تعيش في معظم الأحيان، من دون جدول أعمال للحياة، مؤكدة أيضا أن ما يقودها في هذه الحياة هو الرغبة في التعلم والتجربة والابتكار. تقر تشن تشنغ بأنها لم تكن تعي أثناء اختيارها للغة العربية بأهمية ذلك على مستوى حياتها. إذ بدأت بتعلم هذه اللغة العجيبة والاستمتاع بها، دون أن تجهد نفسها بالبحث عن مسار لحياتها، وإن كانت ستصير في ما بعد أستاذة بجامعة الدراسات الدولية ببكين، ثم نائبة عميد كلية الدراسات الشرق أوسطية بنفس الجامعة. وسيمنحها ذلك فرصة تقاسم المعرفة والتجارب مع الطلبة الشبان المقبلين، بحماس كبير، على التعرف على الثقافة العربية وعلى لغتها. ولعل ذلك ما يتيح لها أن تستمر في الدراسة والابتكار. وتقر تشنغ تشنغ أنها لما تسترجع تفاصيل حياتها على مدى عقدين من حياتها المجاورة للغة العربية، تدرك أن ذلك الاختيار أدّى بها إلى مآلات لم تتوقعها أبدا. إذ كانت اللغة العربية وراء نسج ربع قرن من عمرها بنجاحاته وإخفاقاته الصغيرة، وبأفراحه وبأحزانه، ويبدو أنها ستواصل بنفس المنهاج نسج ما يتبقى من عمرها، كما تؤكد. ويغري الاقتراب من عوالم اللغة العربية تشن تشنغ باقتحام مجال الترجمة، حيث صدر لها عدد من الأعمال، من بينها “ثلاثية غرناطة” للروائية المصرية رضوى عاشور. الترجمة نافذة للحوار عن سؤال يخص ما يمكن أن تحمله ترجمة الأعمال الأدبية العربية للقارئ الصيني وللثقافة الصينية بشكل عام، ترى تشن تشنغ أن هذه الأعمال يمكن أن تطلع القارئ على نوع جديد من الأدب، له خصوصياته المميزة وعوالمه النابعة من حضارته وثقافته، خاصة أن القراء الصينيين لا يعرفون الكثير عن الأدب العربي. وتضيف تشن أن ترجمة الأعمال الأدبية العربية تتيح فرصا لإقامة حوار بين الثقافتين العربية والصينية، إذ أنها قد تزوّد الكاتب الصيني بالرّؤى والمناهج والأفكار المختلفة لرصد العالم، وتوفّر له نوافذ جديدة لتأمّل الكون والذات، وبالمقابل، يمكن لذلك أن يشجع إمكانيات الحوار بين الكتّاب الصينيين والكتاب العرب. وتستحضر تشن تشنغ، في هذا السياق، نجاح ترجمات أعمال أدونيس إلى اللغة الصينية، والتي لقيت إقبالا كبيرا لدى القراء الصينيين، مما خلق مساحة من الحوار مع عديد من الكتاب والشعراء الصينيين. كما ترى تشن تشنغ، في نفس الإطار دائما، أن الترجمة، بما تمنحه من إمكانيات الاتصال قد تثري اللغتين، من حيث اللفظ والتعبير، وتشجع مبدعيهما على الابتكار والتطوير. وتقر تشن تشنغ أن من يتابع الأدب الصيني الحديث سيجد أن الشكل اللغوي للأعمال الأدبية الصينية الحديثة يرتبط بالأسلوب التغريبي الذي سارت عليه الأدبيات المترجمة في العشرينات من القرن الماضي. وهو ما يتجلى على سبيل المثال، كما تشير إلى ذلك، في ترجمة الأعمال الأدبية العربية؛ فالمترجم الصيني المشهور الأكاديمي بسام شيويه قد أوجد العديد من الألفاظ الصينية الجديدة أثناء ترجمة أعمال أدونيس، والتي صارت تتداول على الألسنة. الترجمة نافذة للحداثة عن سؤال يخص درجات اهتمام المثقفين والقراء الصينيين بأعمال ترجمة الأعمال الأدبية، تقر تشن تشنغ بأن هذه الأعمال قد ساهمت بشكل كبير في تكوين حداثة الأدب الصيني. وتضيف تشن أنه “ليس من المعقول ألّا نضع في اعتبارنا أعمال الترجمة الأدبية وتأثيراتها في الأدب الصيني الحديث حين ننظر إلى مجرى تطورات الأدب الصيني الحديث. ولكن يؤسفنا أن نرى أن الأدبيات المترجمة، منذ أمد ليس بقريب، ظلت تنزوي في ركن تاريخ الأدب، حيث تندر الدراسات التي تتناولها. كما يغيب استحضارها ضمن المؤلفات المنشورة حديثا عن تاريخ الأدب الصيني الحديث أو تاريخ الأدب الصيني في القرن العشرين. وبعبارة أخرى، مازالت الأدبيات المترجمة مهمّشة في الأوساط الأدبية الصينية”. منذ إقامة العلاقة الدبلوماسية بين الصين الجديدة والدول العربية، مع منتصف القرن العشرين، حتى بداية هذا القرن، كانت الترجمة من العربية إلى الصينية أكثر من الأعمال المترجمة من الصينية إلى العربية. وتبرر تشن تشنغ هذا الوضع بوجود نقص على مستوى فهم طبيعة الأدبيات المترجمة. وتواصل موضحة “إننا نهتم بعمل الترجمة والأدبيات المترجمة ونقدر جهود المترجمين، غير أن هذه الأعمال الأدبية المترجمة انطلاقا من اللغات الأجنبية لا تنتمي إلى الأدب الأصلي المحلي على كل حال، فبأي معيار نقيّم مستواها الأدبي الفني وإسهامها في تاريخ الأدب الصيني؟ كما أن عمل الترجمة الأدبية يختلف عن الإبداع الأدبي للكاتب اختلافا جوهريا، رغم أننا نعترف بكونه نوعا من التمرد الإبداعي ونستوعب النشاط الإبداعي للمترجمين أثناء عملية الترجمة”. ويقتضي هذا الوضع، حسب تشن تنشغ، إعادة النظر في تمثل حضور الترجمة الأدبية. وهو ما بدأت تنتبه إليه الكثير من الأصوات الصادرة عن المثقفين الصينيين في السنوات الخمس الأخيرة والتي تطالب بإدراج الأدبيات المترجمة في النظام الأدبي. وفي ما يخص المعايير التي تقودها إلى اختيار ما تترجمه، تشير تشن تشنغ إلى أنها قد درست الترجمة في إطار الماجستير، ثم اللسانيات في إطار الدكتوراه. وتتطلب طبيعة هذه الدراسات منها أن تقرأ الكثير من الأعمال الأدبية، بالإضافة إلى الاستطلاعات الميدانية. وهو الأمر الذي سيرافقها خلال عملها على مستوى الترجمة. وتضيف “إذا قرأت عملا أدبيا وأعجبني كثيرا، فقد أحاول ترجمته لكي أطيل لحظات الاستمتاع به. أما الأعمال التي تم نشرها، فغالبا ما تعرضها دار النشر عليّ لأقرر أن أترجمها أم لا”. وفي ما يخص طقوسها على مستوى الترجمة، تؤكد تشن تشنع أنها تحرص على قراءة العمل الأدبي من ألفه إلى يائه أكثر من مرة، لكي تتبين أسلوبه اللغوي. ويحدث لها أحيانا أن تبدأ ترجمة فصل أو فقرة قد تثيرها. وبعد الترجمة الأولية، تقرأ النصوص المترجمة مرات، وقد تحذف وتضيف وتعدل ما ترجمته، قبل أن تسلم النص إلى دار النشر. عن سؤال يخص وضعية الترجمة بين اللغتين العربية والصينية على مستوى الاتجاهين، تقر تشن تشنغ بأن فترة القرن الحادي والعشرين عرفت ازدهارا كبيرا قد لا يكون له مثيل على مستوى الترجمة العربية بالصين. وتحصر تشن سمات هذه الحركية الراهنة في خاصيتين. تتجلى الأولى في تغير أهداف الترجمة من الصينية إلى العربية. إذ كانت تخدم، في الماضي، السياسة الخارجية الصينية. أما الآن فقد صارت تهدف إلى التعريف بعوالم الصين الحقيقية في المجالات المختلفة ودفع التجسير الثقافي بين الشعبين الصيني والعربي. وتكمن الخاصية الثانية في تسجيل فائض على مستوى نشاط الترجمة لصالح اللغة الصينية، إذ إن إنتاج الترجمة من الصينية إلى العربية يتجاوز إنتاجها من العربية إلى الصينية. وتضيف تشن تشنغ أن المتتبع لتاريخ الترجمة بالصين سيجد أن التيار الرئيسي في حركات الترجمة بالصين ظل يحكمه الاتجاه من اللغات الأجنبية إلى الصينية. أما الترجمة في الاتجاه المعاكس فقليلة جدا. وتشير تشن إلى أنه منذ إقامة العلاقة الدبلوماسية بين الصين الجديدة والدول العربية، مع منتصف القرن العشرين، حتى بداية هذا القرن، كانت الترجمة من العربية إلى الصينية أكثر من الأعمال المترجمة من الصينية إلى العربية. وتستدرك تشن تشنغ لتشير إلى كون سنة 2011 قد سجلت منعطفا فاصلا، حيث إنه منذ هذا العام، ولأول مرة، تجاوزت أعمال الترجمة من الصينية إلى اللغات الأجنبية الأعمال المترجمة من اللغات الأجنبية إلى الصينية، وهو الأمر الذي يهم أيضا الترجمة العربية، بما يرمز إلى تحول الصين من سوق الترجمة المستوردَة إلى سوق الترجمة المصدَّرة. سوء فهم في ما يخص، بشكل أعمّ، وضعية الحوار بين الثقافتين العربية والصينية، تؤكد تشن تشنع أن الشعب الصيني يكنّ مشاعر طيّبة تجاه الشعب العربي ويتوق إلى معرفة عوالمه الثقافية والفكرية. وتستطرد قائلة “لكن لا يجب أن ننكر أن هناك سوء فهم للعالم العربي بين عدد ليس بقليل من الصينيين، نتيجة لتشويه الإعلام الغربي لصورة العرب. في هذا السياق صرنا في حاجة ماسة إلى زيادة المعرفة وإقامة الحوار الثقافي الفعال بيننا”. وهو الأمر الذي يمكن أن يتم، كما تؤكد تشن، سواء من خلال الجهود الحكومية والمؤسسية، أو من خلال الجهود الفردية التي قد تلعب دورا حقيقيا والتي يجدر أن تأخذ حيزا أكبر من الاهتمام. الجملة العربية ككائن حي قبل سنوات، كانت تشن تشنغ قد ناقشت بحثها لنيل الدكتوراه، حيث اختارت كموضوع لرسالتها “الجملة العربية: معناها ومبناها”. وقد اعتمدت في ذلك على الكلام الملموس لتدرُس قيود وتأثيرات العوامل الكلامية على الجملة العربية خلال العملية الكلامية، بدءا من نشوء غرض الكلام، ووصولا إلى الإتيان بمبنى الجملة المحسوس. وقد استفادت تشن تشنغ، كما تشير إلى ذلك، من تمثلات قواعد التركيب وأفكار العالم النحوي المصري تمام حسان، لتنظر إلى المعنى والمبنى كعنصرين متلازمين للوحدة التركيبية، وذلك باعتبار أن المعنى يحدد المبنى وأن المبنى يشار به إلى المعنى. وتضيف تشن “بما أن للغة تـأثيرها الخاص على الكلام، فإن عوامل الكلام، باختلاف مستوياته ونطاقه وغرضه وإشاراته وتركيبه، تتوطّد في نظام اللغة إلى حد ما وتلازم مبنى مطابقا لها، ويعد هذا الجامع بين المبنى والمعنى وحدة تركيبية أيضا”. وتستطرد تشن تشنغ مضيفة أن هذه الوحدات التركيبية تتفاعل مع بعضها البعض أثناء الاتصالات الكلامية، حيث إن الوحدة من المستوى الأعلى تفرض سيطرتها على الوحدة من المستوى الأدنى وتحدد هذه الأخيرة. في حين أن الوحدة من المستوى الأدنى يمكنها الانضمام إلى الوحدة من المستوى الأعلى، إذا ما انطبقت عليها الشروط المطلوبة، لتتفاعلا معا وتدلّا على المعنى. وبذلك، كما تشير تشن، فإن الجملة باعتبارها وحدة أساسية للكلام، تمثل تركيبا يجمع بين المعنى والمبنى. وذلك مع وجود الكثير من العوامل التي تؤثر في الجملة، سواء على مستوى المعنى والمبنى، ومنها ما هو داخل الجملة أو خارجها. وتشبه تشن النظامَ الكلامي بالكائن الحي الذي تتأثر أعضاؤه ببعضها البعض، حيث إن أي عامل يتغير، يُحدث ما يشبه “أثر الفراشة” على بناء الجملة. وتذهب تشن تشنغ إلى أبعد من ذلك لتمنح لتحليلها بعدا فلسفيا يتجاوز الجانب اللساني لتؤكد أنه يمكن أن ننظر إلى عالمنا كما لو أنه تركيب يجمع بين معناه ومبناه، وأن كل وجود هو بمثابة وحدة تركيبية ذات معنى ومبنى، حيث يمكن أن يتخيل كل واحد منا نفسه، في خضم هذا العالم المجسم، كأنه جملة. وتختم تشن حديثها، بشكل يتماهى مع هذا المنطق “وجودي له معنى، وحياتي تسير بفعل مختلف العوامل الداخلية والدوافع الخارجية لأكون أنا. التغير التدريجي لجسدي، الأشخاص الذين صادفوني، التجارب التي عشتها، والأماكن التي أقمت فيها، كلها تشكل التفاصيل التي تقود حياتي”.
مشاركة :