استهلت الكاتبة وفاء الرشيد مقال لها قائلة: “هل ستخرجونني من الملة إذا سألتكم هل العلماني كافر؟ وهل سيشنع بي غداً لأني أنكش ببيت الدبابير؟ وهل سؤالي هذا تعد كبير على ثوابتكم؟ وهل أنا مجبرة بوصف العلمانية بصورة سلبية عندما أتحدث عنها، وملزمة بأن أصف من يؤمنون بها بالكفر وبالزندقة لكي لا تخرجوني من الملة؟ وهل أنتم لا تتمتعون بمبادئ العلمانية بحياتكم اليومية؟ المبادئ التي تجعل الدولة تعامل الأديان بصورة حيادية تحول منهم أول من ينادون بحقوق المسلمين في دول الغرب تبعاً لهذه المبادئ التي تساوي في الحقوق بينهم وبين أصحاب الأديان الأخرى.” وأضافت خلال المقال المنشور في صحيفة “عكاظ” بعنوان “هل العلماني كافر؟” فهم هؤلاء هم باختصار شديد أول من يدعم العلمانية إن كانت في صالح المسلمين، وأول من يلعنها ويكفر بها إن كانت في صالح من يخالفهم في الفكر أو أنها ستساويهم بالأقليات التي تعيش معهم في دولهم الإسلامية. ولنتصور أن دولة ما ليست إسلامية منعت المسلمين من إقامة شعائرهم الدينية، أتعرفون ماذا سيحدث؟، سينزل مئات الآلاف من المسلمين ينتفضون ليطالبوا بتطبيق العلمانية في هذه الدولة لكي يحصلوا على حقوق متساوية مع غيرهم من أتباع الأديان الأخرى.. «علمانية علمانية» بدلاً من «إسلامية إسلامية».. وتساءلت: هل هو نفاق أو تناقض، وهل هي مبادئ أم مصالح؟ لا تطبقوها في ديارنا وسنطالب بها في دياركم! فعلاً لا يمكن أن يتعايش الإسلام مع العلمانية؟ وهل فصل الدين عن الدولة يعني محاربته؟. وتابعت: فصل الدين عن الدولة لا يعني إلغاء الدين أو محاربته، فالأديان موجودة وتمارس في الدول العلمانية، فمن حق الإنسان في ظل العلمانية أن يعبد ربه كيفما يشاء، ولكن ليس من حقه إجبار باقي المجتمع على مفاهيمه الدينية. إذا أعدنا النظر بالموقف وتم تجديد الفهم الديني بصورة تتفق مع مبادئ العدل والمساواة بين البشر، سنجد أن فصل الدين عن الدولة هو مفهوم يتفق مع بعض مفاهيم القرآن، لأنه يرفض الإجبار والإكراه بصورة مطلقة وجلية، (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) و(وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ) و(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ). وأردفت: مفاهيم الدين اليوم أصبح التباين فيها واضحا بين الفقهاء والطوائف والجماعات المتناحرة باسم الدين. فمن يا ترى هو صاحب الحق فيهم ليفرض مفهومه الديني على الآخرين؟ وهل أخذ من الله تفويضاً بأن مفهومه للدين هو المفهوم الصحيح، وأن من حقه إجبار الآخرين عليه؟ وهل كفر عمر بن الخطاب في عام الرمادة عندما أوقف العمل بـ«حد السرقة» أم أنه اجتهد في فهم روح الإسلام واعتبر القرآن المرجع الذي يؤخذ منه ما يناسب العصر والظروف ليحافظ على الأمة؟ (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم) فهناك تبعاً لهذه الآية «الأحسن» – وبالتبعية سيكون هناك «الأقل حسناً» – داخل القرآن نفسه ألا وهو ما يتلاءم مع العصر والزمان. وأضافت:(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ)، فقد أمر القرآن «بالعدل» واعتبر القرآن فرعون طاغية لأنه استضعف أقلية دينية كانت تعيش في بلده وهم بنو إسرائيل ولم يساو بينهم وبين باقي المجتمع، ويا ليت أصحاب الأصوات التي ترفض العلمانية بحجة أنها تتعارض مع الدين يدركون أنهم يتكلمون فقط عن مفهومهم الخاص أو عن مفهوم بعض الفقهاء عن الدين (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ).. فدعوهم يؤمنوا ودعوهم يكفروا ودعوا الخلق للخالق واجتهدوا بالنصوص، وتنوروا ونوروا جيلنا الجديد بدين يتعايش مع معطيات الحال المتغيرة بكل تفاصيها بلا جمود وتحجر.. فلا يمكن أن ننفتح على العالم بلا تقبل أديانهم وقناعاتهم، وأنا هنا لا أشكك بنوايا من يخالفني الرأي ولا أقلل من إيمانهم وإنما حال الوقت علينا أن نفعل ما فعل عمر بن الخطاب ونجتهد.. فالحلول كلها بالقرآن نفسه «والسنة النبوية الصحيحة».
مشاركة :