هل تخلت الصين عن المنتجات الزراعية الأمريكية؟

  • 1/27/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

المحقق شيرلوك هولمز، في قصة الغموض التي كتبها السير آرثر كونان دويل عام 1892، ما حدث لرجل سباق مفقود يدعى سيلفر بليز من خلال مراقبة كلب لم ينبح طوال الليل. وبالمثل، في بعض الأحيان يمكن أن تكون تفاصيل بسيطة جدا في الأسواق بمثابة دليل على شيء كبير يحدث أو حدث بالفعل.ففي حالة صفقة التجارة الأمريكية الموقّعة مؤخرا مع الصين، كانت «الكلاب» -المقصود بها أسعار المنتجات- هادئة بشكل ملحوظ في أسواق العقود المستقبلية الزراعية في شيكاغو، فعلى الرغم من التزام الصين بشراء المزيد من المنتجات الزراعية الأمريكية، إلا أن الأسعار لم ترتفع في إشارة إلى أن المستثمرين والتجار لا يرون أن للاتفاقية تأثيرا اقتصاديا حقيقيا كبيرا عليهم.وكان سعر فول الصويا أقل مما كان عليه عندما تم انتخاب دونالد ترامب رئيسا في نوفمبر 2016. ولم يتغير كثيرا عن ذلك عندما عزز ترامب حربه التجارية على الصين، ثم تراجع عن تلك الخطوة بعد الإعلان عن الصفقة مع بكين. وبالمثل، كانت أسعار القمح واللحم ومنتجات الألبان مستقرة دون زيادة.فمن المفترض أن تكون الأسعار بمثابة كلب يرفع صوته في السوق؛ لأن ذلك إشارة إلى ارتفاع الطلب أو قلة العرض. ولكن عندما تهدأ الكلاب أو الأسعار يكون العكس هو الصحيح.ونظرا لأن الأسواق الأمريكية تتطلع إلى الأمام، خاصة للعقود المستقبلية المتداولة في شيكاغو، فإن التغييرات المتوقعة في الطلب والعرض يجب أن تحرك الأسعار تقريبا بقدر التغيرات الفعلية.لذا، سيكون ارتفاع أسعار الأسهم علامة على التفاؤل الواسع بشأن الاقتصاد الأمريكي، ومن المحتمل أن يخفف هذا الارتفاع بعضا من المشاحنات التجارية بين البلدين. ولكن تشير أسواق السلع الهادئة إلى أن المستثمرين وغيرهم لا يتوقعون أي تحولات كبيرة في المعروض من المنتجات الزراعية أو الطلب عليها.ويشك المستثمرون الأمريكيون في أن الصين ستفي بالتزاماتها، أو أن مشترياتها المنتظرة ستحول ببساطة من البلدان الأخرى إلى أمريكا على مر السنين، وهو ما سيؤثر بالضرورة على حدوث تغيرات بثروات المزارعين.ويعتبر فول الصويا -إلى حد كبير- أهم مكون في التجارة الزراعية بين الولايات المتحدة والصين، لذا تكون أسعاره نافذة على حالة السوق الحقيقية.والتزم المفاوضون الصينيون بزيادة مشتريات المنتجات الزراعية الأمريكية بمقدار 32 مليار دولار خلال العامين المقبلين. وهذه الصفقة كانت جزءا من اتفاق أكبر مع الصين لزيادة مشتريات مجموعة واسعة من المنتجات الأمريكية، بما في ذلك الطاقة والسلع المصنعة، بمقدار 200 مليار دولار على مدى عامين.ويقول سكوت هنري Scott Henry، وهو مزارع لفول الصويا في ولاية أيوا، إنه يتطلع إلى الاستثمار بالأراضي الزراعية؛ لأنه متفائل بشأن القطاع، الذي تتراجع فيه النزاعات التجارية. وأوضح: «نعتقد أن فرصة الاستثمار كبيرة الآن». ومع ذلك، فهو يشعر ببعض الشك في إيفاء الصين بالتزاماتها، بعد شهور من المفاوضات المتعاقبة. وقال «دعونا نرى أول بوادر التجارة مع الصين».على الجانب الآخر، تفسر ديناميات أسواق السلع العالمية بعض الشكوك لدى المستثمرين، حيث تعد البرازيل والولايات المتحدة مصدرين رئيسين لفول الصويا. ومن بين 85 مليون طن من فول الصويا استوردتها الصين في عام 2019، تم شحن 57 مليون طن من البرازيل، حسب تقديرات كين موريسون Ken Morrison، تاجر سلع سابق لشركة كارجيل Cargill الزراعية العملاقة، الذي يكتب نشرة تحليلية الآن عن مؤشرات القطاع.وإذا حولت الصين مشترياتها من البرازيل إلى الولايات المتحدة للامتثال للصفقة الجديدة، فلن يتغير الطلب العالمي، ولكن قد يؤدي هذا التحول لرفع أسعار فول الصويا الأمريكي مقارنة بنظيره البرازيلي. ومع ذلك سيكون فول الصويا البرازيلي أرخص للأسواق الأخرى، مما يعطيها ميزة تنافسية جديدة خارج الصين. ونتيجة لذلك سيتم سد الفجوة بين فول الصويا الأمريكي والبرازيلي، وتبقى الأسعار في الولايات المتحدة دون تغيير يذكر.وهذا يطرح سؤالين محوريين، الأول: إذا لم يتغير سعر فول الصويا، هل سيكون المزارعون الأمريكيون في وضع أفضل؟ الإجابة: «نعم». ولكن بشرط أن يبيعوا محصولا أكثر الآن وليس مستقبلا.وتقدر وزارة الزراعة الأمريكية أن المزارعين سوف يزرعون 84 مليون فدان في 2020-2021. وهذا يزيد بـ 76 مليون فدان عن عام 2019- 2020، لكنه أقل بـ87 مليون فدان زرعت في عام 2018- 2019.أما الثاني، فهو: ماذا لو اشترت الصين المزيد من فول الصويا الآن من الأسواق العالمية بشكل عام، بدلا من مجرد تحويل عمليات الشراء إلى أمريكا؟الإجابة: يمكن وقتها للصين أن تطلب من شركات التخزين المملوكة للدولة شراء المزيد. ولكن بدون زيادة الطلب الوطني، وبهذا سيكون هناك فائض في المخازن الصينية، مما يضع ضغوطا نزولية على الأسعار. ووقتها تشتري الصين المزيد من أمريكا في 2021 -ولكن بسعر أقل-، وأقل منه في عام 2022.وهناك تحدٍ آخر يقف عثرة أمام المزارعين الأمريكيين الراغبين في توريد فول الصويا للصين، فإلى جانب المؤسستين المملوكتين للدولة، لاحظ السيد موريسون أن معظم أسواق فول الصويا الصينية تحركها شركات خاصة.وقال: «شروط الصفقة لا يمكن أن تطبق في هذه الظروف التنافسية».ويرى موريسون فوائد محتملة للمزارعين الأمريكيين في الصفقة التجارية، بما في ذلك الإصلاحات المحتملة لكيفية إدارة الصين لحصص استيراد للقمح والذرة والأرز. وقال: «عندما يتعلق الأمر بوعود الشراء الواسعة، فإن الصفقة تترك للصين خيار الشراء على المكشوف حسب قوى السوق».ووفقا للاتفاقية: «تقر الأطراف بأنه سيتم الشراء بأسعار السوق بناء على الاعتبارات التجارية وأن ظروف السوق -خاصة في حالة السلع الزراعية- قد تختلف حسب توقيت عمليات الشراء في أي سنة معينة».وهذا يضع صفقة أمريكا والصين في موقف غريب. فالصين، دولة الحزب الواحد، ذات الجذور الشيوعية، تصر على أن قوى السوق تحدد التزامات الشراء. أما أمريكا، قبلة للرأسمالية، فتعتمد على تدخل الدولة الهائل للوفاء بالتزامات الشراء.

مشاركة :