فرضت الصين الأحد قيودا إضافية على حركة السير سعيا منها لمنع تفشي فيروس كورونا المستجدّ، بينما تستعد عدة دول حول العالم لإجلاء رعاياها من المنطقة الخاضعة للحجر الصحي وتكثيف إجراءات منع وصول هذا الفيروس. وأقرّ الرئيس الصيني شي جينبينغ مساء السبت بأنّ الوضع “خطير”، محذّراً من “تسارع” انتشار الوباء الذي ظهر في ديسمبر في مدينة ووهان في وسط البلاد. ومُنعت حركة السير “غير الضرورية” منذ منتصف الليل في وسط المدينة التي تشهد هدوءا غير معتاد. وتخضع ووهان ومنطقتها بحكم الأمر الواقع إلى الحجر الصحي منذ الخميس بهدف الوقاية من انتشار المرض. وفي المجمل تشير الأرقام إلى وجود 56 مليون شخص صيني مقطوعين عن العالم. وقالت لجنة الصحة الوطنية بالصين الأحد إن قدرة الفيروس على الانتقال تزداد قوة وإن عدد حالات الإصابة بالعدوى قد يواصل الارتفاع. ودعا الرئيس الصيني السلطات المحلية إلى اتخاذ إجراءات جديدة و”أكثر صرامةً” لمكافحة الوباء ووضع كل المرضى في “حجر صحي مركزي”. وفي المدينة التي أصبحت مدينة أشباح، تذيع مكبرات الصوت رسالةً تدعو السكان للذهاب إلى المستشفى من دون تأخير إذا كانوا يشعرون أنهم ليسوا على ما يرام. الرئيس الصيني أقر بأنّ الوضع خطير محذّرا من انتشار فيروس كورونا الذي ظهر في ديسمبر في مدينة ووهان وسط البلاد وتقول الرسالة “ووهان لا تخاف من مواجهة المحن. لا تسمعوا الشائعات، لا تنشروا الشائعات”. وبالتوازي مع ذلك يشكك المنتقدون في صحة الأرقام التي قدمتها السلطات بشأن حصيلة الوفيات والمصابين. وفرضت مقاطعة غوانغدونغ جنوب الصين، وهي الأكثر اكتظاظا بالسكان (110 مليون نسمة) ارتداء الأقنعة الواقية لمنع تفشي الفيروس، وفق ما أعلنت السلطات المحلية. وارتداء الأقنعة إلزامي في ووهان ومقاطعة جيانغشي وسط البلاد وكذلك في عدة مدن كبيرة. وبحسب الأرقام الصادرة الأحد، سجّلت في الصين قرابة ألفي إصابة بينها 56 حالة وفاة. وكانت حصيلة السبت تشير إلى 1300 إصابة و41 حالة وفاة. وأُعلن عن أول حالة وفاة في مدينة شنغهاي الضخمة لرجل يبلغ 88 عاما. وسُجّلت إصابات بالفيروس في أوروبا وأستراليا رغم تعزيز الإجراءات لمحاولة منع تفشي المرض. وأُعلن عن الاشتباه بإصابة شخص في كندا. وفي الولايات المتحدة، تم تأكيد وجود إصابة ثالثة بالمرض في ولاية كاليفورنيا لرجل سافر إلى مدينة ووهان، وفق ما ذكرت السلطات الصحية. وكانت واشنطن قد أعلنت في وقت سابق أنها تنظّم مغادرة موظفيها الدبلوماسيين ورعاياها العالقين في ووهان، آملةً في أن تقلع الثلاثاء رحلة إلى سان فرانسيسكو. وتتواصل دول أخرى مع بكين لإجلاء رعاياها، لاسيما فرنسا التي تحدثت عن استئجار حافلات. وأشارت المجموعة الفرنسية لصناعة السيارات “بي.أس.آه” التي تملك فرعا لها في ووهان إلى أن موظفيها يمكن أن يُنقلوا إلى شانغشا على بعد أكثر من 300 كلم نحو الجنوب. ورغم الأجواء المشحونة والفوضى العارمة التي تشهدها مستشفيات منطقة ووهان، حيث سُجلت 53 حالة وفاة من أصل 56، يحافظ بعض السكان على الهدوء. وتقول إيريكا دايفس، وهي مدّرسة بريطانية تعيش في ووهان منذ عامين، “لا أرى الحاجة للإجلاء”، مضيفةً “لنبقَ في المنزل ولننتظر أن يمرّ الأمر”. ومع اكتظاظ المستشفيات، تم البدء في ووهان ببناء مستشفى ثان يُفترض أن يستقبل أكثر من ألف مريض ويُتوقع أن تنتهي أعمال بنائه في غضون 15 يوما، وفق وسائل إعلام رسمية. وفي الانتظار، بدأت الصين تزيد أكثر فأكثر القيود الداخلية رغم التطمينات التي تحاول سلطاتها الترويج لها. وقد أعلنت عدة مدن كبيرة على غرار بكين وتيانجين وشيان وشنغهاي تعليق رحلات الحافلات الطويلة التي تربطها بسائر أنحاء البلاد. وفي شرق البلاد، قامت مقاطعة شاندونغ التي تعدّ 100 مليون نسمة، بالأمر نفسه. وقد تُعقّد هذه الإجراءات المواصلات للسكان الذين سافروا داخل البلاد في إطار عطلة رأس السنة الصينية التي تستمرّ سبعة أيام. وتراجعت أخيراً مدينة شانتو الواقعة جنوب الصين عن إجراءات منع وصول السيارات والأشخاص، في قرار كانت اتخذته بهدف حماية سكانها من الفيروس. وهذه المدينة التي تعدّ 5.6 مليون نسمة وتبعد أكثر من ألف كيلومتر عن ووهان، كانت أول مدينة اتخذت مثل هذا الإجراء في البلاد. وكثّفت بكين المبادرات لمنع تفشي فيروس كورونا الذي بلغ أربع قارات حتى الآن. وأعلنت الصين الأحد تعليق تجارة الحيوانات البرّية، بعدما نشأ الوباء في سوق في ووهان حيث كان يُباع هذا النوع من الحيوانات. وقررت الحكومة الصينية تعليق الرحلات المنظمة من وإلى الصين اعتبارا من الاثنين، في قرار قد يوجّه ضربة قاسمة للتجارة في عدة مدن على غرار باريس، التي تعد وجهة سياحية مهمة للصينيين. وفي الأثناء أعلنت ستّ دول آسيوية أنها سجلت إصابات بهذا الفيروس. وتشير الدراسات حول الإصابات الأولى إلى أن معدل الوفيات جراء الفيروس ضئيل جدا. ويعتبر البروفسور الفرنسي يازدان يازدانبانا وهو خبير لدى منظمة الصحة العالمية ويتكفّل بعلاج مصابين بالفيروس في فرنسا، أن معدّل الوفيات “هو حتى الآن أقلّ من 5 بالمئة”. وفي محاولة منهم لطمأنة مواطنيهم قال مسؤول بالمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها الأحد، إن المركز شرع في تطوير لقاحات مضادة لفيروس كورونا الجديد وذلك بعد حديث السلطات الصحية عن صعوبة ابتكار مضاد للفيروس. وفي هونغ كونغ، أعلنت مدينة ملاهي “ديزني لاند” إغلاق أبوابها حتى إشعار آخر، في قرار اتُخذ غداة إعلان حالة الإنذار القصوى في المدينة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي. وكانت “ديزني لاند” شنغهاي اتخذت القرار نفسه. وتسعى دول أخرى إلى تشديد إجراءاتها لمنع انتشار الفيروس على غرار فرنسا التي قامت بإلغاء عروض احتفالية بمناسبة السنة القمرية الجديدة حسب ما أفادت رئيسة بلدية باريس آن إيدالغو. ولا يتوافر حتى الآن أي لقاح لهذا الفيروس وهو ما يفتح شهية شركات الأدوية لبدء البحث عن مضادات له. ويبدو أن إيجاد العلاج سيستغرق فترة طويلة الأمد. وباشرت العديد من الشركات حول العالم أبحاثها من أجل ابتكار مضاد لهذا الفيروس الذي يرى فيه البعض “رهانا اقتصاديا كبيرا”.
مشاركة :