ولدتُ في سنة «الحريجة الكبيرة» وشاركتُ في تأسيس عدداً من النوادي الفنية

  • 5/30/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

شكل رحيل الفنان عبد العزيز زباري خسارة كبيرة للساحة التشكيلية في المملكة، إذ لم يكن الفنان الذي حمل ذاكرة جيل الرواد، بالفنان العادي، بل كان استثناءً على مستوى مختلف الصعد، حيثُ كان ملماً بالفن التشكيلي، والمسرح، والموسيقى، والتصوير، بالإضافة لميولاته ومواهبه التي امتدت وصولاً إلى البحر، الذي يشكل عشقاً لأهل البحرين. زباري الذي امتاز بالبساطة والعفوية والابتسامة الدائمة، رحل مخلفاً وراءهُ إرثاً ثقافياً ضخماً على صعيد الفنون التشكيلية، والفوتوغرافية، وغيرها، رحل الإنسان البحريني الذي رغم كل الظروف والمشاكل والإحباطات التي عايشها، إلا أنهُ بقي مبتسماً، بإيمانهُ وصبره، وإبداعه. في هذه الحوار الأخير ضمن برنامج سيرة ومكان على تلفزيون البحرين، الذي يعده ويقدمه يوسف محمد، يستعرض لنا زباري مسيرة حياته، وأبرز المحطات والتحولات على صعيد المجالات الإبداعية التي خاضها، بالإضافة للأنشطة التي أنجزها خلال مسيرته الطويلة، والتي خدم من خلالها الفنون بمختلف تخصصاتها. ] بدايةً، حدثني عن سيرتك التي انطلقت بقصة لها تاريخها في الذاكرة؟ - ولدتُ في سنة الحريجة الكبيرة، التي وقعت في ال 18 من ديسمبر 1936، وسط سوق المنامة، إذ كانت أمي تراقب هذا الحدث، من سطح بيتنا، بقلق واضطراب، وكانت وقتها حبلى بيّ، فوضعتني وسط هذا الاضطراب! بقيت هذه القصة التي نقلتها لي أمي في الذاكرة، فبعد أن كبرتُ أدركت حجم هذا الحدث الذي استمر على مدى خمسة عشر يوماً، إذ لم يكن هناك إمكانيات، لإيقاف تمدد هذا الحريق الذي حرق الأخضر واليابس. ] ولدتُ في فريج الفاضل بالمنامة، كيف كانت علاقتك بهذا الحي؟ - منذُ وعيت على هذه الدنيا، كانت الحرب العالمية الثانية قائمة، وكان مكتب الاستعلامات البريطانية يقوم بتوزيع الكتيبات والمنشورات الدعائية ضد الألمان، فكنتُ أنهض مبكراً لجمع هذه الأوراق، والعودة بها إلى البيت، لارسم عليها بالفحم. وكان فريج الفاضل حياً نموذجياً للتعايش بين أهله، كما كان يمتاز بالمثقفين والتجار.. وقد كان النادي الثقافي والرياضي يضم كبار المسؤولين، كعبد الرحمن المؤيد، وعائلة كانو، وغيرهم، وكان محمود المردي سكرتير النادي، إذ كان يقدم العديد من الأنشطة والمسرحيات، قبل أن ينقسم الأعضاء ويتشكل النادي الأهلي. ] ماذا عن مراحلك الدراسية والوظيفية؟ - دخلتُ المدرسة الدينية قبل دخول المدرسة النظامية، وانتقلتُ بين ثلاثة مطاوعة، وصولاً إلى المدرسة النظامية، التي كانت المدرسة الشرقية التي انتسبتُ لها في العام الذي رحل فيه والدي سنة 1946... وكانت أمي امرأة قوية، ملمة بكل الأمور، حيثُ استطاعة تربيتنا في ظل غياب الوالد. وبعد إنهائي المرحلة الابتدائية وتخصصي في المجال الصناعي، طلب مني أحد الأشخاص أن أترك الدراسة لأنتقل إلى فضاءات العمل، وكانت أولى الساحات التي عملتُ فيها، شركة نفط البحرين بابكو، إذ كنتُ وقتها ميكانيكياً، إلا أن المسؤول عليّ وجدني كثير الرسم، فتفاجأت بقرار نقلي إلى ريفاينري، وبعد العمل هناك، قدمتُ استقالتي، وقدمت أوراقي إلى وزارة التربية والتعليم، فقبلت، وتم وضعي في المدرسة التي أنشأتها بابكو في منطقة المعامير، وكنتُ أدرس العلوم، والجغرافيا، والتاريخ، وغيرها من المواد، كما كنتُ استخدم الرسم لأشرح للطلبة، حيثُ كنتُ أرسم الأهرامات، وأبو الهول في دروس التاريخ، وغير ذلك. ثم انتقلت بعد ذلك إلى مدرسة ثانوية، وعينتُ مشرفاً اجتماعياً، وقد ربطتني علاقة طيبة مع الطلبة، كما كنتُ أنتهج منهاجاً تربوياً مختلفاً عن السائد، إذ كنتُ أنبذُ منهجية ضرب الطلاب التي يتبعها الكثير من الأساتذة. ] كيف كانت علاقتك بالفن، وما أبرز المحطات الفنية في حياتك؟ - ارتبطت عائلتنا بالفن، إذ كان والدي فناناً، وكان من أخوتي من هو خطاط، وفنان، وشاعر، كما كنتُ أميل للشعر بدوري، ولي أبيات مشهورة، أقول فيها: ربيع العمر لا تحزن، فقد مرت ليالينا/ وهات الدفّ وأسمعنا، لعل اللحن يروينا/ جمال الكون والدنيا، ظلامٌ بين أيدينا/ فيا أعيادُ لا تأتي، فقد مرت مآقينا. عشقتُ الفن، وامتد هذا العشق لتأسيس ندوة الفن والأدب مع مجموعة من الفنانين، إذ أعطانا التاجر الكبير منصور عبد الحسين العريض، مجلسهُ لنمارس فيه اشتغالنا أوقات الفراغ، وفي العام 1956 أسسنا أسرة هوات الفن مع يوسف أحمد حسين، وكريم العريض، وسلمان الدلال، وآخرين... وفي أول عام من تدشين هذه الأسرة، دشنا معرضاً فنياً في نادي العروبة. في العام 1968 أبدلنا اسم الأسرة إلى أسرة فناني البحرين لرعاية المسرح والموسيقى والفنون، وكنا نطمح للارتقاء بالعمل الفني على مختلف المستويات، إلا أننا جوبهنا باحتجاجات، واجهناها بالتأكيد على أن عملنا يسعى لأن يكون على نطاقات واسعة، ولا تنحصر بالمحلية. ] بالإضافة لكونك مدرساً، وفناناً تشكيلياً، وموسيقياً، كنت ممثلاً ومسرحياً، كيف كانت علاقتك بهذا الفضاء الفني؟ - بدأت التمثيل منذُ كنتُ طالباً في المدرسة، كما كنتُ وأحمد قصير نعد المسرحيات في وسط حوش بيتنا، ويأتي أطفال الحي للمشاهدة، مقابل آنتين، بالإضافة لكوننا نقوم بعرض أفلام سينمائية مقابل نفس المبلغ! وقد مثلتُ في العام 1949 دور أبي العلاء المعري، ثم بعد تخرجي من المدرسة شاركتُ في مسرحية الإنسانية المشردة مع الفنان محمد صالح عبد الرازق، كما مثلتُ أربع مسرحيات، وكنتُ أشكل فيها دور البطولة، وكانت كلها ذات مضامين اجتماعية، كمسرحية الخير والشر، ومسرحية الضمير، ومسرحية حفار القبور التي حضرها صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، وعدد من أعيان البلاد وقتها. ] اتصالاً بالمسرح، عملت في مجال المكياج، فمن الذي علمك هذا الفن؟ - في الحقيقة لم أتعلم المكياج من أحد، بل أنهُ امتداد لموهبتي في الرسم، فكما كنتُ أرسم على الجدران والورق، كنتُ أحب فعل ذلك على الوجوه، وتبعاً لذلك اشتغلتُ في المكياج المسرحي، وكانت الأدوات تقتصر على أحمر الشفاه، فيما كنتُ أطلب باقي الأدوات من تاجر هندي يوفر الأدوات النسائية. وقد مكيجتُ من الأسماء، نبيل العلوي، توفيق تقي، عيسى جاسم، وغيرهم الكثير، كما كنتُ ماهراً في عمل المكياج، وخلق الجروح كما لو كانت حقيقية. ] ماذا عن اشتغالك في مجال الفوتوغرافيا؟ - منذُ كنتُ طالباً كان هناك استاذ من الجنسية المصرية يدرسنا التصوير، كما تلعمت على يد أحمد الماضي، ويوسف قاسم، بالإضافة لمتابعتي لستيديو جنرال ستور، وناشونال ستيديو، وصولاً إلى افتتاحي استيديو خاص في شارع الشيخ عبد الله، عام 1954، حيثُ صورت العديد من الصور، كما أملتك الآلف منها. ] ما أهم المعارض الخارجية التي شاركت فيها؟ - عرضنا في العديد من الأمكنة داخل المملكة، كما شاركنا في الخارج، وقد قدمنا في العام 1969 معرضاً ناجحاً في الكويت، كما قدمنا مسرحيات في الخارج، كما كنا على تعاون واتصال بالعديد من المؤسسات الفنية خارج المملكة. ] أسست وشاركت في تأسيس العديد من الأندية الفنية، حدثني عن ذلك؟ - بدءاً من ندوة الفن والأدب الذي أسسناها في بداية الخمسينيات، لنتبعا بأسرة هوات الفن التي تأسست في العام 1956، ثم نادي الفجر في العام 1958، كما كنتُ عضواً في نادي السينما، وجمعية البحرين للفنون التشكيلية، حيثُ كنتُ أحد المؤسسين، لكن ومع الأسف، لم يزرني أحدٌ خلال مرضي في المستشفى، وكنتُ مقدراً في الخارج أكثر من تقديري محلياً! ] بعد هذه التجربة الغنية، هل حققت طموحاتك؟ - كانت لي الكثير من الطموحات، وقد سعيت خلال حياتي لتحقيقها، لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن! كان مكتب الاستعلامات البريطانية يقوم بتوزيع الكتيبات والمنشورات الدعائية ضد الألمان، فكنتُ أجمع هذه الأوراق، وأعود بها إلى البيت، لارسم عليها بالفحم. كنتُ استخدم الرسم لأشرح للطلبة، حيثُ كنتُ أرسم الأهرامات، وأبو الهول في دروس التاريخ...

مشاركة :