كي نضع الأمور في نصابها، تشير حساباتنا إلى أن ارتفاع مؤشر تقلب بورصة شيكاغو لعقود الخيار "فيكس" بمقدار الضعف عن مستواه في 2018 سيؤدي إلى تراجع تدفقات استثمارات الحافظة الداخلة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى النصف. وإذا ازداد مقياس التقلب بمقدار أربعة أضعاف على مستواه في 2018 ليصل إلى مستوى الذروة الذي سجله أثناء الأزمة المالية العالمية، فتدفقات استثمارات الحافظة يمكن أن تتوقف تماما. بناء القدرة على الصمود: في ضوء هذه المخاطر المتزايدة، ما الذي ينبغي أن تفعله دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتقوية صلابتها في مواجهة التدفقات المتقلبة؟ أحد الدروس المهمة المستفادة من اقتصادات الأسواق الصاعدة أن تحسين أطر السياسات يكتسب أهمية بالغة في جذب التدفقات الرأسمالية والحفاظ عليها على حد سواء، بينما يساعد على تخفيف مخاطر خروج التدفقات. ويحقق عديد من دول المنطقة في الوقت الراهن تقدما نحو الحد من مواطن الضعف الاقتصادية، ما يعزز صلابتها في مواجهة الصدمات الاقتصادية المعاكسة ويساعدها على تقليل حاجتها إلى الاقتراض. على سبيل المثال، اتخذت مصر خطوات مهمة نحو تحديد أهدافها للتضخم، بينما حقق المغرب وباكستان تقدما في السماح بمزيد من المرونة في سعر الصرف. أما ضمان استقرار الأوضاع الاقتصادية الكلية من خلال تخفيض عجز المالية العامة فسيكتسب أهمية بالغة في حماية دول المنطقة من آثار تقلب التدفقات الرأسمالية. وسيتعين على الدول كذلك القيام بإصلاحات هيكلية رئيسة معينة، بما فيها إجراءات لتقوية الرقابة والتنظيم في القطاع المالي وكذلك تعزيز أو وضع مجموعات أدوات صحيحة للسلامة الاحترازية الكلية من أجل تحسين قدرة النظام المالي على القيام بدور الوساطة في التدفقات العابرة للحدود بشكل آمن. وينبغي أن تشمل مجموعات الأدوات هذه سياسات تضمن كفاية الاحتياطيات الوقائية من رأس المال والسيولة في المصارف فضلا عن احتواء المخاطر التي تتعرض لها من قطاعات أو أصول معينة مثل العقارات أو النقد الأجنبي. وفي الدول التي تؤدي التدفقات الرأسمالية الداخلة إليها إلى انتعاش الاستهلاك وبالتالي تفرض ضغوطا على أسعار الصرف وأسعار الأصول الأخرى، فمن شأن زيادة مرونة سعر الصرف فيها ودعمها بسياسات اقتصادية كلية سليمة أن تكون بمنزلة أداة لامتصاص الصدمات. ومع هذا، يتضح من تجربة الأسواق الصاعدة في الآونة الأخيرة اشتداد حدة العوامل الدافعة من الاقتصادات المتقدمة إلى حد جعلها تتسبب الآن في تعقيد قدرة أطر السياسات المحلية على مواكبة حركة التدفقات الرأسمالية الكبيرة. وبينما طفرة تدفقات استثمارات الحافظة الداخلة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تزال في بدايتها، يمكن أن تشرع الدول في بناء الصلابة في مواجهة احتمالات تكوين أرصدة هائلة من الأسهم والسندات الأجنبية مقارنة بحجم اقتصاداتها. ومن خلال مواصلة تطوير أسواق رأس المال المحلية بوسائل منها إنشاء سوق للسندات الحكومية تعمل بكفاءة ستشجع الحكومات على زيادة استقرار قاعدة المستثمرين المحليين وتحسن المنافسة وتعزز أسواق سندات دين الشركات. بطبيعة الحال، فإن هذه الإصلاحات ستستغرق وقتا طويلا. لكن تأكيد الالتزام القوي بهذه السياسات من شأنه أن يرسل إشارة واضحة إلى المستثمرين، الأمر الذي يمكنه أن يحدث آثارا إيجابية مباشرة. وإذا عملت الدول في أنحاء المنطقة على تعميق فهمها لتكوين التدفقات الرأسمالية، ستستطيع أن تضمن تحقيق منافع من هذه التدفقات الداخلة تعود على اقتصاداتها بدلا من مواجهة مزيد من المخاطر.
مشاركة :