يعتمد العراق في إيراداته على تصدير النفط، بنسبة تزيد على 90%، ما يعني أن القطاعات الأخرى، وهي كثيرة جدا، غير منتجة، وأن المجتمع المحلي بات استهلاكياً بشكل كبير، إذ يستند أساسا إلى البضائع والمواد المستوردة من الخارج، وتلك مشكلة عويصة، بعد سقوط معظم محافظتي نينوى والأنبار بيد تنظيم داعش، الذي اصبح يحاصر العراق اقتصاديا، فمعظم المنافذ الحدودية تقع ضمن المحافظتين. وأخذ الواقع الحالي يفرض نفسه جديا، لإعادة النظر في مجمل السياسة الاقتصادية الوطنية، في ظل وجود ستة ملايين موظف عمومي بين فائضين أو عمالة مقنعة أو فضائيين يقبضون رواتب ولا يعملون، ويتوزعون جميعاً على مناصب مختلفة بدوائر الدولة، ما يضع الحكومة أمام حرج كبير في كيفية سداد رواتبهم. ويرى الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان، أن أعداد الموظفين بحجمها الحالي ،لا تشكل أهمية تنموية أو اقتصادية للدولة ، لأن نحو 70% منهم فائضون عن الحاجة، في وقت تصرف الدولة رواتب تصل الى 60% من الموازنة الكلية كل عام، لذا فالبطالة المقنعة واضحة بشكل كبير في بعض الدوائر. ويؤكد نائب مدير معهد الإصلاح الاقتصادي رحيم ابو رغيف، أن الفائضين من الموظفين العموميين تسببوا بخسائر كبيرة للوطن وصلت الى مليارات الدولارات منذ عام 2004، فلو وضعت تلك المبالغ بمشاريع استثمارية لكانت هنالك طبقة عاملة تتغنى بها البلاد، بجانب وجود نحو 24 ألف موظف خارج العمل بشكل كلي أو جزئي، وهؤلاء هم من المناطق التي تشهد عمليات مسلحة، وأغلبهم لا يزال يتسلم راتبه كاملاً بسبب قرار الحكومة الأخير الذي وجّه وزارات الدولة إلى احتضان أولئك في دوائر بديلة، وذلك ما سيدفعهم بالتأكيد إلى عدم إنجاز أي عمل، كونهم في غير مواقعهم الوظيفية الطبيعية، وأن بقاء العديد منهم في مخيمات النازحين يخولهم قبض رواتبهم عبر البطاقة الذكية التي وفرتها لهم لجنة النازحين من دون أداء أي مهمة، ناهيك عن زيادة الموظفين العموميين في كل دورة برلمانية بسبب المحسوبية والطائفية، ما يعني إهدارا صريحا للمال العام ودون فائدة تذكر. 10 دقائق عمل ويلفت أبو رغيف أن المعهد أجرى خلال عام 2013 مسحاً على 11 وزارة عراقية عاملة اختار منها أكثر من خمسة آلاف موظف، وكانت طبيعة المسح ترمي إلى معرفة الوقت الذي يعمل فيه الموظف العمومي في دائرته، وبيّن المسح أن عمل أولئك يكون من 10 الى 20 دقيقة خلال 7 ساعات عمل رسمية، وتلك النسبة لا تمثل حالة منتجة للموظف بكل المقاييس، بل تنعكس سلباً على دولاب العمل لأن بقاء الموظف دون عمل، لساعات طويلة، تجعله عرضة للتورط في عمليات ابتزاز للمواطنين عبر تقاضي الرشى منهم لإنجاز عمل معين في دائرته، أو في دوائر أخرى، فضلاً عن عدم تطوره في العمل، ينعكس سلباَ على واقع المجتمع والاقتصاد العام للبلاد. وإذ تبدو وزارة التخطيط عاجزة ومذهولة أمام العدد الكبير للموظفين، تنقل صحيفة العالم المستقلة، عن المتحدث باسمها عبد الزهرة الهنداوي، قوله إن الجسم الوظيفي العراقي هو من أضخم الأجسام الوظيفية في العالم، فإذا ما قارنا عدد سكان كل دولة ونسبة موظفيها، نجد أن بلادنا من أكثر الدول التي تضم موظفين حكوميين، إذ أصبح عددهم بنهاية العام الماضي ستة ملايين موظف في مختلف المناصب، وذلك ناتج من أن الكثيرين يعتقدون أن الوظيفة الحكومية هي الحل للتخلص من مشكلة البطالة، ما يشكّل ثقلاً كبيراً على الموازنة الاتحادية للدولة.
مشاركة :