يقول الناقد والاكاديمي المصري د أيمن بكر إن التفكير الأسطوري لن يستطيع الصمود أمام مسيرة الانسان الساعية لفهم العالم والذات والمجتمعات وتطويرها وتخليصها مما بقي عالقا بها من بدائية وتخلف، حيث يصف ذلك انه يعيش الآن نهايته الصاخبة ، وخلال حواره معنا على منضدة قصتي مع كتاب يقول د. ايمن بكر القراءة هي بوابة المعرفة التي لا يمكن الاستغناء عنها وان اختلفت اشكال الكتب كما هو حاصل الآن فبعدما كان الكتاب ورقيا . أصبحنا نحمل على مايزيد على ألفي كتاب على جهاز حاسوبي خاص لكل منا ، كذلك يقول العالم يشهد انحسار العقلية الشفوية لصالح العقلية الكتابية واصبحت العين هي التيار الرئيس للمعرفة فإلى الحوار: * ما الكتاب الذي أحدث تأثيرا فيك بعد قراءته ؟ - من الصعب اختصار تأثيرات القراءة على الوعي في كتاب واحد، هناك عدد من الكتب المؤثرة في تشكيل الشخصية والوعي. لكني سأنظر لمجموع أعمال بعض الكتاب الذين أثروا في وعيي تأثيرا كبيرا بوصفها كتابا واحدا، الكتاب الأول الذي كان له أثر كبير في مرحلة مبكرة هي أعمال نجيب محفوظ السردية من رواية وقصة قصيرة، التي أراها كتابا واحدا كبيرا متعدد الفصول. نجيب محفوظ خريج قسم الفلسفة في جامعة القاهرة وصاحب الرؤية الإنسانية والاجتماعية العميقة قادر على فتح وعي القارئ الشاب على تصورات أكثر اتساعا ونسبية في فهم العالم والذات، إذ يضعه أمام لوحات مدهشة في عمقها وتنوعها للذات الإنسانية وللمجتمعات المختلفة عبر تحليل نفسي وفلسفي هادئ يجعل من الصعب عليك أن تكون عجولا أو متطرفا في الحكم على الأحداث والأشخاص. بعد قراءة محفوظ ستختفي لديك أسئلة كنت تظنها ملحة وتظهر مكانها أسئلة أخرى أكثر عمقا وأقل توترا. الكتاب الثاني في مرحلة الجامعة هو تفسير الأحلام لسيجموند فرويد من ترجمة العظيم مصطفى صفوان ومراجعة العالم الكبير مصطفى زيور. شدني تفسير الأحلام لباقي أعمال فرويد التي كانت حجر زاوية في فهم الذات وإدراك العمليات النفسية وكذلك الحيل الذي يمارسها الوعي على ذاته. الكتاب الثالث هو أعمال جاك دريدا وأخص كتب "في النحويات" Of Grammatology، وكتاب "الكتابة والاختلاف" Writing and Difference، وكتاب "الصوت والظاهرة" Speech and Phenomena. أهمية كتاب دريدا أنها تمنحك آليات واضحة في تفسير الثقافة عبر تحليل الخطاب والوعي كليهما. كما أن منهج دريدا في التفكيك يفتح أفق التحليل النصي على تعدد الرؤى وانفتاح عملية التأويل إلى حدود لا حصر لها. في السنوات الأخيرة منحني المثقف والمفكر السعودي الكبير فايز أبا كتابا كان له أثر كبير في كتاباتي النقدية والفكرية وهو معجم لمصطلحات النظرية الثقافية Key Concepts in Cultural Theory، لقد كان الكتاب بمثابة الكنز الاصطلاحي الذي أحاول من خلاله أن أنظم ما أفدت منه في المجالات المختلفة من فلسفة وعلم نفس ونظريات نقد وتحليل خطاب في نسق واحد يقوم على النقد وتحليل الخطاب وينفتح على الثقافة بالتحليل والتنظير معا. * ما نوع التأثير وهل أنت مقتنع به ؟ ما مدى استمرار؟ أحسب أن تأثير الكتب السابقة وغيرها يصب في تكوين معرفة منظمة قادرة على تطوير ذاتها، كما أنها معرفة مرنة، أي قابلة للتطور والانعكاس على الذات وتصويبها. كما أن التأثير السابق يستمر ما استمرت المعرفة في التنامي، فمثل هذه الكتب التكوينية تتحول خلاصاتها في الوعي إلى ما يشبه القالب المستمر في تشكله، الذي لا يقف عن التحول والتلاعب بالأفكار. * هل ترى أن القراءة محرك أو دافع للتغيير في وقتنا الحاضر؟ - إن اتفقنا على أن العالم يتغير بالعلم والمعرفة، وأن التفكير الأسطوري الذي يشهد الآن نهاية صاخبة لن يتمكن من الصمود أمام مسيرة الإنسان الساعية لفهم العالم والذات والمجتمعات وتطويرها وتخليصها مما لم يزل عالقا بها من بدائية وتخلف، أمكننا الاتفاق على أن القراءة هي بوابة المعرفة الرئيسة التي لا يغني عنها شيء. مع الوضع في الحسبان أن أشكال الكتاب قد اختلفت فلم يعد ورقيا فقط، بل أصبح مرئيا وسهل الحمل، فأنا أحمل على جهاز الكومبيوتر الخاص بي ما يزيد على ألفي كتاب. لقد تحولت العقلية الإنسانية في العالم كله تقريبا إلى عقلية كتابية (على الرغم من وجود بقايا وعي شفوي قوية في الثقافة العربية والهندية والأفريقية مثلا) وانحسرت العقلية الشفوية بصورة شبه كاملة، وهنا تصبح المدخلات المعرفية عبر العين هي التيار الرئيس للمعرفة، ألا ترى أنه بإمكانك الوصول إلى أي عنوان في أي مكان في العالم دون أن تفتح فمك، أي عبر تتبع العلامات المكتوبة التي تقوم بدور كتاب إرشادي. القراءة هي بوابة المعرفة التي هي بوابة التغير والتحول نحو المستقبل.
مشاركة :