طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء، عقب لقائه الاثنين في اجتماعين منفصلين كلا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وخصمه السياسي بيني غانتس، الخطة الأميركية للسلام أو ما يعرف بصفقة القرن المرفوضة فلسطينيا والمشكوك في نواياها عربيا ودوليا. وترتكز الصفقة على تقسيم جغرافي، وضعته اتفاقية أوسلو لأراضي الضفة الغربية، والذي يشمل توزيعها على ثلاث مناطق، هي “أ” و”ب” و”ج”. وتمثل المنطقة “أ” نحو 18 بالمئة من مساحة الضفة، وهي خاضعة للسلطة الفلسطينية أمنيًا وإداريًا، فيما تعد المنطقة “ب” 21 بالمئة، وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية، بينما الإدارة الأمنية تقع تحت السيطرة الإسرائيلية، أما أراضي منطقة “ج”، التي تشكّل 61 بالمئة من مساحة الضفة، فتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، تفرض على السلطة الفلسطينية الحصول على موافقة مسبقة من سلطات الاحتلال الإسرائيلي قبل القيام بأي مشاريع فلسطينية بها. التقسيم الجغرافي إن التفصيلات الهندسية التي تخص المستوطنات جعلت الترتيبات المنصوص عليها في بعض بنود الصفقة تطالب بالإبقاء على 15 مستوطنة من أصل 100، تحت السيادة الإسرائيلية رغم وقوعها في الأراضي الفلسطينية، بينما تطالب الخطة إسرائيل بإخلاء 60 موقعا جغرافيا يعيش فيها نحو 3 آلاف مستوطن. هذه الحيثيات المسربة، تؤكد أن صفقة القرن عملت على فرض الأمر الواقع الحالي الذي يكرس حق إسرائيل في ضم ما بين 30 إلى 40 بالمئة من أراضي المنطقة “ج” بالضفة الغربية، فيما وضعت مدينة القدس المحتلة كاملة تحت “سيادة إسرائيل”، ومن ثم، يخضع الحرم القدسي الشريف والأماكن المقدسة بموجبها إلى إدارة مشتركة بين إسرائيل والفلسطينيين، نظير إعطاء الجانب الفلسطيني تمثيلية رمزية تقتصر على إدارة كل ما هو خارج حدود جدار الفصل المحيط بالمدينة المقدسة. أما بالنسبة لقطاع غزة فكانت منطلقات الصفقة اقتصادية ومن أبرزها إقامة ميناء في غزة، وتشييد منطقة صناعية في سيناء على حدود غزة، وجسر أو نفق يربط بين الضفة الغربية وغزة، مقابل نزع سلاح الفصائل ووضع القطاع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. إن الاتجاه العام الذي طرحته المبادرة الأميركية، قوبل بانتقادات لاذعة تشكك في جدية المبادرة وحظوظها في حلحلة الصراع العربي – الإسرائيلي وقبول السلطة الفلسطينية بها، ما دامت الخطة تنطلق من تغيير طبيعة الصراع بما يخدم مصالح إسرائيل قبل كل شيء. وترتكز الخطة على رؤية تختلف في جوهرها مع كل تصورات الإدارات الأميركية السابقة، بتأكيدها أنها تحتوي على حل واقعي يقوم على حكم ذاتي محدود يشمل مساحة 70 بالمئة من الضفة الغربية، يمكن أن تكون عاصمتها الإدارية بلدة “شعفاط” أحد أحياء شمال شرقي القدس نسبة إلى الامبراطور الروماني شافاط. ويبقى المسكوت عنه في الصفقة هو مصير قرارات الأمم المتحدة، حيث عبر دونيس روس المفاوض الأميركي السابق بأن فرصة ترامب في حل الصراع ضعيفة، وأن توقيتها غير مناسب بالنسبة للعديد من الأطراف، خاصة أن القبول بالصفقة يبقى رهين قبول الفلسطينيين والعرب في النهاية. ولن يساعد تجاوز الشرعية الدولية في قبول تسوية تقوم على فرض الأمر الواقع، خاصة في ما يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب ومنها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، وقانون القومية اليهودية (2018)، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ومحاولة فرض سيادة إسرائيل على الجولان (2019)، ثم قطع المساعدات المالية عن اللاجئين الفلسطينيين ووقفها عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التابعة للأمم المتحدة. وتتعرض الصفقة الأميركية أيضا لانتقادات خبراء أمنيين ومراكز التفكير الإسرائيلية، حيث ترى هذه الهياكل بأن ضم المستوطنات يفرض على الجيش إعادة انتشار في كافة الأراضي الفلسطينية، وهو ما سيؤدي إلى نتائج عكسية. وسارع حزب الليكود الإسرائيلي إلى احتضان المبادرة، واعتبرها من أدبيات الحزب السياسية لأنها تمثل فرصة لإسقاط حل الدولتين، وتكريس ضم الأراضي الفلسطينية، وتعميق الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني الذي يمثل فرصة للحصول على مزيد من التنازلات. مواقف عربية ركز الجانب العربي منذ عرض تفاصيل خطة جاريد كوشنير للسلام الاقتصادي على إبقاء صفقة القرن عند حدود الحكم الذاتي، ومن ثم قبلت الأطراف العربية بالمشاركة في ورشة المنامة التي انعقدت في 25-26 يونيو 2019 التي تم فيها عرض وثيقة من أربعين صفحة تشمل 179 مشروعا وبرنامجا اقتصاديا واجتماعيا يصل تمويله إلى خمسين بليون دولار على عشر سنوات. وكشفت أنه يمكن المشاركة باستثمارات عربية تعمل على تحرير الاقتصاد الفلسطيني نسبيا من القبضة الإسرائيلية بإدماجه في اقتصاديات المنطقة ككل، وبالتالي فتح باب الاستثمار أمام الدول العربية. وحذرت المواقف العربية في نفس الوقت من أن غياب أي اتصال مع السلطة الفلسطينية والاكتفاء بممارسة الضغوط والانحياز لطرف على حساب آخر، لن يساعد مطلقا على انضمام الفلسطينيين إلى المشاركة في خطة السلام بسبب غياب الحد الأدنى من الحياد في ظل نكران الحقوق الوطنية والسياسية للفلسطينيين. يضاف إلى كل هذا الغموض الذي يميز خطة واشنطن للسلام، خاصة أن انحياز الوسيط الأميركي يفتح في النهاية الباب أمام عدة أطراف إقليمية للدعاية المضادة، بحيث فسح غياب الإشارة إلى مصير الدولة الفلسطينية المستقلة، المجال للمزايدة السياسية والدعاية المضادة من قبل إيران وتركيا وحركات الإسلام السياسي للتشكيك في مصداقية الدول العربية، واتهامها بأنها غيّرت ثوابت مواقفها من القضية الفلسطينية. وعقب ورشة المنامة برزت المزايدات، وخاصة منها الإيرانية والتركية ومن الإخوان المسلمين، التي قامت بدعاية مضادة للجهود العربية الرسمية التي كانت تلعب على عامل الوقت في ظل ظروف لم تكن عقارب ساعتها مواتية لا في صالح العرب ولا الفلسطينيين. وترجمت لعبة المحاور عندما تقدمت حركة حماس في غزة باتفاقية هدنة مع إسرائيل قبل ورشة المنامة بقليل، فيما كانت السلطة الفلسطينية قد أعلنت عن وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، وتشكيل لجنة لتنفيذ القرار بعد هدم عشر بنايات سكنية في منطقة وادي الحمص الخاضعة لمنطقة صور باهر التي تعد من مناطق (أ) التابعة أمنيا وإداريا للسلطة الفلسطينية بحسب اتفاقات أوسلو. وكانت سمة التحرك العربي العامة مبنية على الرفض أو القبول المشروط كتكتيك سياسي، وهو الموقف الصحيح في انتظار تفاصيل أكبر عن حيثيات صفقة لم يعلن عن تفاصيها كاملة. مستقبل الصفقة يبقى مصير المبادرة الأميركية مرتبطا بمدى فوز ترامب بولاية جديدة في الفترة من 2021- 2025، وما ستفرزه نتائج الانتخابات الإسرائيلية الثالثة في أقل من عام من تغيير أو عدم تغيير في الخارطة الإسرائيلية بفوز نتنياهو من جديد من عدمه. في المقابل، تبقى المبادرة الاقتصادية رهينة قبول الدول العربية لها، وحصولها على دعم الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان والصين، وذلك في الوقت الذي أبدت فيه مؤسسات الأمم المتحدة شكوكا قوية. وتثير الكثير من المؤسسات الأممية تحفظات في غياب أي مشاورات حول تفاصيل خطة السلام. أما على المستوى العربي، يبقى أبرز تصريح سياسي للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي أكد بأن ‘’السعودية تقبل ما يقبله الفلسطينيون وترفض ما يرفضونه’’، فيما ذهبت الإمارات العربية المتحدة إلى التذكير بموقفها السياسي الثابت في قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وأكدت بذلك على موقفها الثابت من القضية الفلسطينية، كما المشاركة في كل دعم مالي وسياسي يتيح تعزيز جهود التنمية والازدهار والتخفيف من معاناة الفلسطينيين. الاتجاه العام للمبادرة الأميركية قوبل بانتقادات لاذعة تشكك في جدية الخطة وقدرتها على حلحلة الصراع العربي الإسرائيلي أما المغرب الذي يتولى رئاسة لجنة القدس، والذي تربطه علاقات وثيقة وقوية باليهود المغاربة والبالغ عددهم حوالي 600 ألف مواطن في إسرائيل، أكد من جديد بأن المرجعيات والقرارات الدولية الخاصة بالحقوق الفلسطينية لا تنفصل عن مسار البحث عن حلول اقتصادية وتنموية تكمل المسار السياسي وتدعمه، وهي ليست بديلا عنه. كما أكد الجانب المصري موقفه الثابت في حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وبتعبير واضح الرفض التام لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في مصر والأردن ولبنان وسوريا أو توطينهم في شبه جزيرة سيناء. مواقف عربية ثابتة تؤكد أن مواكبة التطورات تبقى أفضل من اللهث وراء المواقف العدمية في حقل السياسات الدولية، ورغم أن المبادرة الأميركية تطرح سقفا أدنى من حل الدولتين، إلا أن ذلك لن يغير من واقع المطالب والحقوق التاريخية الثابتة للشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي دفع رونالد لودر رئيس المؤتمر العالمي اليهودي إلى التحذير من استمرار الاتجاهات الحالية والتخلي عن حل الدولتين، بقوله هذا “يجعل إسرائيل أمام خيار رهيب، إما عليها أن تمنح حقوق المواطنة كاملة للفلسطينيين، وبالتالي إلغاء خيار أن تكون دولة يهودية، أو أنها تنكر عليهم حصولهم على حقوق المواطنة كاملة، ومن ثم تتحول إلى دولة غير ديمقراطية وعنصرية”.
مشاركة :