استهلت أسعار النفط الخام تعاملات الأسبوع على تراجع حاد، بسبب الانخفاض الحاد في الطلب جراء الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد في الصين وعدد من دول العالم ما أدى إلى تصاعد الذعر والمخاوف في أغلب الدول. وواصلت أسعار النفط انخفاضها، لتنزل دون 60 دولارا للمرة الأولى في نحو ثلاثة أشهر مع ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في الصين واضطرار مزيد من الشركات لإغلاق أبوابها، مما يثير توقعات بتباطؤ الطلب على النفط. وقال لـ«الاقتصادية»، مختصون ومحللون نفطيون إن أزمة فيروس كورونا طغت في تأثيراتها الواسعة في كل العوامل السابقة التي عانى منها السوق في الأسابيع الماضية خاصة المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط والحذر من وقوع أعمال عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، إضافة إلى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التى انحسرت كثيرا المخاوف منها مع توقيع اتفاق التجارة الأولي بين البلدين وحدوث تراجع نسبي في المخزونات النفطية الأمريكية. وأوضح المختصون أن عودة انخفاض الأسعار مرة أخرى يضع ضغوطا على "أوبك +"، لافتين إلى تأكيد الأمير عبدالعزيز أن جميع الخيارات مطروحة على طاولة اجتماع "أوبك" في آذار (مارس) المقبل ما قد يمهد الطريق أمام خفض الإنتاج بشكل أعمق، بينما ترى توقعات أخرى أن "أوبك +" قد تمدد التخفيضات حتى نهاية العام. وقال روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، إن انتشار فيروس كورونا في الصين وعديد من دول العالم أثار موجة حادة من المخاوف المتعلقة بإضعاف الاقتصاد العالمي الذي لم يكن قد تعافى بعد من عواقب الحرب التجارية، لافتا إلى اتساع حالة القلق من تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط. وذكر أنه بينما قدم وزير الطاقة السعودي تصريحات مطمئنة للسوق خاصة فيما يتعلق بالتعاون مع الجانب الصيني والثقة في قدرة المنتجين على امتصاص تداعيات الأزمة، هناك بعض القلق شاب تقارير دولية ومنها بيانات صادرة عن "كومرتس بنك" الدولي التى يحذر فيها من احتمال حدوث مفاجآت سلبية تتعلق بالطلب الصيني خاصة في إطار الإجراءات الحكومية الصينية التى وسعت الحجر الصحي لفيروس كورونا إلى عشر مدن في مقاطعة هوبي ويبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة. من جانبه، أكد لوكاس برتريهر المحلل في شركة "أو إم في" النمساوية، أن توقيت وقوع أزمة الفيروس الصيني كان موجعا أيضا للاقتصاد العالمي، حيث حدث في موسم السفر الأكثر ازدحاما للصين التي يتعاظم فيها استهلاك الوقود ويرتفع الطلب بشكل واسع على المنتجات المكررة وهو ما أسهم في بث أجواء محبطة نسبيا في السوق. وذكر أن تقديرات البنوك والمنظمات الدولية المعينة تجتمع على تخفيضات مؤثرة في مستوى أسعار النفط الخام ومثال على ذلك توقعات "جولدمان ساكس" التى ترجح أن فيروس كورونا قد يخفض الطلب بنحو 260 ألف برميل يوميا، كما يقلل أسعار النفط بنحو ثلاثة دولارات للبرميل، بينما أسهمت المعنويات السلبية المباشرة التي تعقب الحوادث الضخمة في خفض أسعار النفط بأكثر من ثلاثة دولارات للبرميل حتى الآن. من ناحيته، قال ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، إنه من الصعب توقع استمرار تراجع أسعار النفط الخام بشكل مستمر وهو على الأرجح تراجع مؤقت بسبب سيطرة الأجواء المتشائمة على السوق نتيجة حالة الذعر في الصين. ولفت إلى أنه مع الوقت قد تظهر مؤشرات على احتواء المرض ما يسهم في علاج المخاوف الاقتصادية وتحسين المعنويات في سوق النفط بشكل تدريجي وهو ما سيدفع بدوره الأسعار نحو الارتفاع مجددا. وأشار إلى أن الطلب المحلي الصيني يواجه واحدة من أصعب موجات التعثر، كما أن الطلب على النفط "ضعيف" في أماكن أخرى في آسيا بما في ذلك اليابان والهند وهو ما يعمق تحديات السوق بحسب تقديرات " كومرتس بنك". ولفت إلى دخول سوق النفط في مرحلة ركود جديدة بعد انتعاشه قصيرة ومحدودة أعقبت توقيع اتفاق التجارة في المرحلة الأولى بين الولايات المتحدة والصين. بدورها، ذكرت مواهي كواسي، مدير شركة "أجركرافت" الدولية، أن وضع السوق حرج في ضوء أزمة الفيروس واستمرار أزمات المخاطر الجيوسياسية وحرب التجارة وغيرها، مبينة أن المخاوف بشأن الطلب لا تقتصر فقط على الصين، بل تتسع لتشمل عديدا من الاقتصادات الآسيوية والدولية الكبرى. وأشارت إلى أنه على الرغم من جهود المنتجين في "أوبك +" للحد من تخمة المعروض ودفع السوق نحو التوازن المستدام إلا أن المخزونات العالمية عادت إلى الارتفاع ما يعكس اتساع حالة الإمدادات النفطية الوفيرة في الأسواق، التي تضغط بقوة على الأسعار التي تكافح من أجل الوصول إلى مستوى ملائم لتعزيز الاستثمارات الجديدة خاصة في مشاريع المنبع. وفيما يخص الأسعار، واصل النفط انخفاضه أمس، لينزل دون 60 دولارا للمرة الأولى في نحو ثلاثة أشهر مع ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في الصين واضطرار مزيد من الشركات لإغلاق أبوابها، ما يثير توقعات بتباطؤ الطلب على النفط. وبحلول الساعة 11:28 بتوقيت جرينتش، انخفض خام برنت 1.95 دولار أو 3.2 في المائة إلى 58.75 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوياته منذ أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، مسجلا أكبر هبوط خلال الجلسة منذ الثامن من كانون الثاني (يناير). وتراجع الخام الأمريكي 1.77 دولار أو 3.3 في المائة إلى 52.42 دولار للبرميل.
مشاركة :