بث التلفزيون الرسمي السعودي، بشفافية عالية ونادرة الوجود عربياً، حواراً بين الأمير محمد بن نايف وأحد سكان القديح، أثناء تقديمه العزاء في ضحايا جريمة مسجد الإمام علي في القديح. في البدء اتهم المواطن الحكومة بالتراخي، وأنها إن لم تقم بدورها فهي شريكة في الجرم. هذا كلام خطر يتهم الحكومة بالتقصير، وفي أحسن الأحوال العجز إن لم يدرجها ضمن التواطؤ، ولم يسبق أن ظهر مثله عربياً وفي التلفزيون الرسمي ومن خلال مادة مسجلة كان يمكن تجاهلها وعدم بثها. الإصرار على نشر الحوار كما هو تأكيد على غياب الأقنعة، وترسيخ المكاشفة، وأن الدولة بأجهزتها لا يهمها سوى خدمة مواطنيها والتعرف إلى حاجاتهم، لكنها في الوقت ذاته الأصل والقاعدة، وهي الضابط للحركة، والمسؤولة عن الأمن لرعاياها بكل السبل الممكنة، وأن الشفافية مع المواطنين بلا استثناء، هي القاعدة العامة من دون إخلال بحدود سلطة الدولة ومساحة حركتها. هو حوار يبيّن للمواطن القلق معنى الدولة في رعايتها شؤون مواطنيها، وحرصها على خدمتهم، وقدرتها على ملاحقة المجرمين والمخربين مهما ظنوا أنهم بمنجاة من العقاب. أعاد الأمير تأكيد خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أن المتورطين في الجريمة بدءاً من المخططين حتى المتعاطفين سيخضعون للحساب، وأن الجرم واحد مهما تعددت مستوياته، وأن أمن البلد خط أحمر لا يمكن انتهاكه بأي شكل، وعبر أي صفة، ومن يضع يده في يد الدولة سيساعد في القضاء على الإرهاب، ومن يتمسك بمواطنته سيحاصر الإرهاب، أما من يبحث عن بدائل وخيارات فإن الدولة ستحاسب أي مخالف، وستضبط الأمن كما هو متحقق سابقاً وحالياً وسيتجسد مستقبلاً. الحكومة هي الجهة التي تضبط الأمن، وتلاحق المجرمين والمخربين، ولا أحد سواها مهما كان حجم الكارثة أو درجة المرارة. الدولة الضعيفة فقط هي التي تنشأ على حيطانها قوى عرضية تغطي ثغراتها أو تستغلها لمصلحتها فتتلاعب باستقرارها، وتحيل أمنها عبثاً واضطراباً، والسعودية لم تكن ولن تكون كذلك، وتاريخها يشــهد بذلك، إذ تجاوزت كل التيارات التي حاولت النيل منها منذ نشأتها الأولى، وتصدت لكل المحاولات، الظاهرة والباطنة، لإفساد أمنها، وتخريب وحدتها. بكل المقاييس تفوقت السعودية في الحرب على الإرهاب، ولم يفلت مجرمون نفذوا أية عملية إرهابية منذ عام 1994، ولولا مهارتها في الحرب الشرسة الطويلة على الإرهاب منذ ذلك الوقت لكان حالها يشبه سورية أو العراق أو ليبيا. منذ بروز «القاعدة» والسعودية هي الهدف، وكلما ظهرت جماعة جديدة استهدفت السعودية فهي صورة المسلمين جميعاً، والإضرار بها كسر لشوكة الإسلام في جوهره، ومع ذلك نجحت في فرض بساط أمني حاصر الإرهاب حتى بلغ مداه واشنطن ولندن. فعلاً لنكن يداً واحدة فالأعداء كثر، والمتربصون أكثر، والحاقدون يعملون ليل نهار من أجل خلخلة هذا الاستقرار العنيد وإفساد لحمته، لكنه أبقى وأقوى وأدوم ما دامت المواطَنة هي الأصل، والوعي هو الــطاغي، والوحدة هي الرابطة، وما عدا ذلك فالدولة قـادرة على ضبطه، والقضاء عليه، ومـــحاربة كل عوامل تمدده وانتشاره. الخلاصة أن الدولة هي الإطار والمظلة، والحكومة هي الضابط والحارس، وأي أحد يتجاوز بأي شكل سيحاسب بشدة مهما كان وأياً كانت صفته.
مشاركة :