مصدر الصورةGetty ImagesImage caption اعتاد الرئيسان دونالد ترامب وإيمانويل ماكرون على إطالة المصافحة في احتفالات العيد الوطني الفرنسي لإحياء ذكرى اقتحام سجن الباستيل، كان الزعيمان دونالد ترامب وإيمانويل ماكرون يسيران جنبا إلى جنب، وأخذ كل منهما يشد على يد الآخر ويربت على يده ويتملقه لمدة 29 ثانية. وبدلا من أن يكون العيد الوطني مناسبة للتضامن بين زعيمي دولتين عظميين، سلطت الصحف الأضواء على أغرب مصافحة في الذاكرة الحديثة. ولأننا لم نتمكن من سماع الحديث الذي دار بينهما عندما كان كل منهما يجذب الآخر نحوه، فإن لغة الجسد بين الاثنين كانت كفيلة بالكشف عن المشاعر. قد يتضمن الأسلوب اللائق للتحية في هذه المواقف النظر في عين الشخص الذي نصافحه مباشرة واختيار وضعية الجسم المناسبة. وتقول ساندا دولوكس، عالمة نفس بجامعة إلينوي: "عندما تصافح شخصا يفضل أن تُشعره بالمساواة". وتفسر فلورين دولكوس، زميلتها بجامعة إلينوي، ذلك بالقول إنه من المهم أن تكون متواضعا ولا تحاول إظهار السطوة والهيمنة، وذلك بأن تقترب من الشخص موجها راحة يدك للأعلى. غير أن مصافحة ماكرون وترامب خالفت جميع القواعد المعروفة عند المصافحة، إذ مد ماكرون يده مصافحا ترامب ثم ربت على ظهره، وأخذا يسيران جنبا إلى جنب، ثم ربت ترامب على يد ماكرون اليمنى وكأنه يومئ إليه بأن هذا يكفي. لكن رسالته لم تصل لماكرون أو ربما تعمد تجاهلها. وتقول ساندا: "في هذه المواقف يفطن المرء عادة إلى أن الشخص الآخر منزعج من طول المصافحة، ومن الطبيعي أن تسحب يدك بعد ثوان قليلة". لكن هذا لم يحدث في حالة ماكرون وترامب. وتحولت المصافحة الرسمية إلى مصافحة أخوية على حد قول فلورين، وظل ترامب ممسكا بيد ماكرون وأخذ يؤرجحها من جانب لآخر، وصافح قرينته بريجيت ماكرون باليد اليسرى وقبلها دون أن يترك يد نظيره الفرنسي. وفي مشهد غريب، كان الثلاثة ممسكين بيد بعضهم البعض لثوان قليلة إضافية. وتقول فلورين: "إن المصافحة تؤثر على طبيعة الحديث الذي سيتجاذب أطرافه المتصافحان".المسلسل التليفزيوني الذي تنبأ بالمستقبل بدقة عجيبةمصدر الصورةGetty ImagesImage caption كانت مصافحة دونالد ترامب وإيمانويل ماكرون في باريس مخالفة لجميع القواعد التي ينبغي اتباعها عند مصافحة الآخرين وتبحث كل من فلورين وساندا في دلالات المصافحات وتأثيرها على المقابلات والصفقات والاستثمارات وعادات الشراء وغيرها. وبينما قد تدل المصافحة على التوافق والاحترام والترحاب، فإنها أيضا قد تكون مشحونة بالمعاني السلبية والكراهية.حافظ على قبضة اليد القوية ارتبطت قبضة اليد القوية عند المصافحة تارة بالانبساطية أو بالإقبال على مخالطة الآخرين والقدرة على التعبير عن المشاعر، وتارة بالخجل والعصابية أو القلق والخوف غير المبرر، وارتبطت أيضا بالإقدام على خوض التجارب الجديدة لدى النساء. لكن قبضة اليد الفاترة والمترددة لا تكاد تلقى قبولا على الإطلاق. وأشارت دراسة إلى أن المصافحة بقبضة يد قوية قد تزيد فرصك في التوظيف، وينطبق هذا على النساء أكثر من الرجال، وذلك بعد تنحية عوامل الجاذبية والهندام. ويبدو أن هذه ليست المرة الأولى التي يصافح فيها ترامب ماكرون بحرارة ويشد على يده، حتى إنه لوحظت في بعض الأحيان آثار قبضة كل منهما على يد الآخر بعد المصافحة. وتقول فلورين إن المصافحة الفاترة تدل على عدم المبالاة، لكن في نفس الوقت فإن إحكام قبضة اليد بقوة إلى حد كسر يد الآخر له دلالات سلبية.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption تصافح الملكة إليزابيث الثانية الكثير من الناس ضمن واجباتها الملكية، لكنها لا تكاد تخرج لمقابلة الجمهور من دون القفازات لا تطيل المصافحة وبالإضافة إلى المميزات السابقة، فإن المصافحة تساعدك أيضا في التعرف على الشخص الذي تقابله. فإن المصافحة المناسبة تساعد في تهدئة المتقدم للوظيفة، بينما قد تصيبه المصافحة غير اللائقة بالارتباك والقلق من المقابلة. وقد يكون للمصافحة الطويلة عواقب سلبية. إذ صور باحثون في إحدى الدراسات انطباع بعض الأشخاص الذين تجرى معهم مقابلات بعد مصافحة طويلة بشكل استثنائي. ولاحظ الباحثون أن المشاركين بعد المصافحة بدا عليهم الاضطراب والقلق وكانوا أقل استعدادا للضحك أو إظهار علامات السعادة."لمسة حانية" وتقول جينيفر أرغو، أستاذة التسويق بكلية إدارة الأعمال بجامعة ألبرتا، إن التربيت على ذراع الشخص من الخلف قد يحمله على اتخاذ قرارات جريئة، لكنها تضيف أنه لم تتم ملاحظة هذه النتيجة إلا عندما تكون امرأة هي من تربت على ذراع الشخص الآخر. وشارك في الدراسة طلاب من كلية إدارة الأعمال طُلب منهم استثمار مبالغ مالية. وكان في استقبالهم إما رجل أو امرأة لتحيتهم باليد أو من دون استخدام اليد على الإطلاق. وخلص الباحثون إلى أن المستثمرين الذين استقبلتهم امرأة وربتت على ذراعهم من الخلف عند توجيههم إلى الغرفة اتخذوا أكثر القرارات جرأة. وتقول أرغو إن اللمسة الحانية على اليد أو الذراع تدل على الأمان، وعندما تشعر بالأمان ستتجرأ على تحمل المخاطر واستثمار مبالغ أكبر. ويرجع الباحثون ذلك إلى أن اللمسة الحانية ترتبط في الذهن بالأمهات في مرحلة الطفولة، ولهذا لم تترك لمسة الرجل نفس الأثر لدى المشاركين في الدراسة. لكن هذا الأثر فسره البعض بأنه بسبب إساءة تفسير لمسة المرأة، وهذا يدفع المستثمرين، الذي يظنون أن هذه اللمسة تدل على الانجذاب الجنسي، إلى اتخاذ قرارات جريئة. وأجريت دراسة شهيرة في السبعينيات من القرن الماضي عن التفسير الخاطئ للانفعالات. وفي هذا الدراسة ظن المشاركون أن مشاعر الخوف والقلق سببها الإثارة الجنسية.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption تكشف طريقة اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي في التحية عن مدى شيوع المصافحة الحارة في بلاده وطُلب من المشاركين اجتياز جسرين أحدهما ثابت، والآخر معلق، وفي نهاية الجسر استقبلهم رجل جذاب أو امرأة فاتنة وقدما لهما ورقة تحمل اسمهما ورقم هاتفهما للرد على استفساراتهم بشأن الاختبار. وكان المشاركون الذكور الذين اجتازوا الجسر المعلق واستقبلتهم امراة فاتنة أكثر استعدادا للاتصال بالمرأة. ويفسر الباحثون ذلك بأن المشاركين ظنوا أن ارتفاع ضغط الدم وتسارع ضربات القلب الذي ترافق مع القلق كان من علامات الإثارة الجنسية. لكن أرغو تقول إن الجرأة على اتخاذ القرارات لوحظت لدى المستثمرين الرجال والنساء على السواء، لكنها ارتبطت دائما باللمسة الحانية من المرأة وليس الرجل. وترى أرغو أن هذا الأثر قد يمتد لمجالات أخرى غير الاستثمار، مثل الشراء في المتاجر. فإن لمسة خفيفة من بائعة في متجر قد تحمل الزبون على شراء منتجات باهظة.حافظ على مسافة مناسبة وفي نهاية المصافحة كاد ترامب وماكرون أن يكونا ملاصقين لبعضهما البعض. في حين أنه في معظم دول العالم، يحافظ المتصافحان، حتى لو كانا صديقين مقربين، على مسافة 30 سنتيمترا على الأقل، وفي الولايات المتحدة تصل هذه المسافة إلى 50 سنتيمترا بين الأصدقاء المقربين و69 سنتيمترا بين المعارف و95 سنتيمترا بين الغرباء. ولوحظت نفس هذه الأرقام عند قياس المسافات بين المتصافحين في فرنسا وإسبانيا وألمانيا. وحلت المملكة العربية السعودية في المرتبة الأولى بين الدول الأكثر تحفظا عند المصافحة، إذ يحافظ الأصدقاء المقربون على مسافة 95 سنتيمترا بينهما، بينما كان الأرجنتينيون هم الشعب الأكثر ودا وترحيبا، إذ لا تتعدى المسافة بين الغرباء عند المصاحة 70 سنتيمترا. وربما يكون الهدف من الاقتراب من الشخص الذي نصافحه هو استكشاف المزيد من المعلومات عنه، مثل الرائحة. وخلصت دراسة إلى أن الناس يتعمدون تشمم أيديهم أكثر من المعتاد بعد مصافحة الآخرين.مصدر الصورةGetty ImagesImage caption تحولت مصافحة ترامب وإيمانويل ماكرون في العيد الوطني الفرنسي إلى تشابك عجيب بالأيدي بين ثلاثة أطراف وتقول نعوم سوبل، عالمة بيولوجيا الأعصاب بمعهد وايزمان للعلوم في إسرائيل، والتي قادت فريق الباحثين، إنه من المعروف أن المصافحة تساعد في التعرف على الشخص، سواء من الإيماءات وقوة قبضة اليد أو حركة الجسد، لكننا نرى أن المصافحة قد تكون أيضا وسيلة للحصول على عينات من المواد الكيماوية التي نتناقلها أثناء مخالطة الآخرين. ارسم ابتسامة على وجهك من الممكن تمييز الابتسامة الحقيقية من الزائفة بالنظر إلى حركات العضلات المرتبطة بالاشمئزاز والخوف والحزن التي تظهر بين ثنايا الوجه السعيد. ويساعد الضحك على توطيد العلاقات الاجتماعية. وأثبتت دراسة أن الضحكة الزائفة تزيد شعبيتك وجاذبيتك، وإن كانت الضحكة الحقيقية أكثر تأثيرا على الآخرين. وأشارت دراسة إلى أننا أكثر استعدادا للكشف عن معلوماتنا الشخصية بعد تبادل الضحكات مع معارفنا. ولهذا فإن نوبة ضحك زائفة بين الأصدقاء قد تشجعهم على تبادل الأسرار. ومن الشائع في الغرب أن يتصافح الرجال بالأيدي، بينما يحيي الرجل المرأة وكذلك تحيي المرأة نظيرتها بالتقبيل على الوجنتين. ويختلف عدد القبلات من بلد لآخر، ومن منطقة لأخرى. وفي البلدان غير الغربية يتصافح الكثير من رجال الأعمال باليد، ومن الشائع أيضا الانحناء والتقبيل عند المصافحة بين الرجال أو الامتناع عن مد اليد للآخر. ولعل المصافحة بين ماكرون وترامب تعطينا درسا في الممارسات التي يجب تفاديها عند مصافحة الآخرين. وربما يكون الرئيسان، بحكم خبرتهما الطويلة في اللقاءات والمقابلات، على دراية بالعادات والتقاليد إلى درجة أنهما كانا يتفاخران بمخالفتها للفت أنظار الجمهور. لكن لا أحد يعلم ما إن كان الاثنان يفهمان دلالة الإيماءات التي كانا يتبادلانها أم لا. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future
مشاركة :