«صفقة القرن» تدْهم لبنان المأخوذ بـ... «مأزق القرن»

  • 1/30/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ليس مُسْتَغْرَباً أن حتى الأحداث المفصلية في المنطقة والعالم تكتسب في بيروت «خصوصية» لا تُشْبِهُ غيرها عندما تُقاس بـ «الميزان» اللبناني وحساباتِ واقعِه البالغ التعقيدِ و«المكشوف» على «ارتجاجاتِ» محيطه وارتداداتها.وهذا ما ينطبق على «صفقة القرن» التي أُعلنت من واشنطن وسرعان ما «شقّت طريقها» إلى لبنان المأخوذ بـ «مأزق القرن» (الانهيارُ الأسوأ منذ مئة عام هو عمر «لبنان الكبير») الذي يعيشه على المستوى المالي - المصرفي - الاقتصادي. وبمعزل عن «حظوظ الحياة» لهذه الصفقة «المشبّعة» بالخلفيات الانتخابية والتي بدتْ على طريقة لعبة «المونوبولي» على لوحٍ يَعُدُّ عليه دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو الأراضي (والأموال) ويتوزّعانها ويوزّعانها في غياب «المالك الأصلي»، فإنّ هذا التطوّر لم يتأخّر في وضْع المرحلة السياسية الجديدة التي دخلها لبنان مع ولادة حكومة الرئيس حسان دياب، التي يشكّل «حزب الله» للمرة الأولى قاطرتَها الأساسية وبلا أي شراكةٍ مع خصومه، أمام أوّل اختبارٍ لمدى قدرة «استراتيجية السلطة بلسانين» على تظهير موقفٍ يوائم بين حاجة لبنان إلى المظلة العربية والدولية لانتشاله من الحفرة المالية وبين استظلال الحزب «حكومة الأقْنعة» للتوسع في «التحكم والسيطرة» على الواقع اللبناني.وفي هذا الإطار، توقفت أوساطٌ واسعة الاطلاع عبر «الراي» عند مسألتين متداخلتيْن تحوّلتا محور اهتمام كبير منذ الكشف عن «صفقة القرن»:* الأولى بروز ما يشبه «الهامش المدروس» بين «حزب الله» وبين «جناحه الحكومي» في مقاربة هذا التحوّل، وهو ما عبّر عنه بيان الحزب وأدبياته التي شنّ من خلالها هجوماً مزدوجاً على «إدارة ‏ترامب المتوحشة والشيطانية»، كما على أنظمة عربية «متواطئة وخائنة»، في مقابل موقف رسمي ثلاثي من كل من الرئيس ميشال عون ودياب ووزير الخارجية ناصيف حتي، بدا أقرب إلى ديبلوماسية «حفْظ الحق» انطلاقاً من تمسك بيروت بمبادئ المبادرة العربية للسلام (بيروت 2002) وحق عودة اللاجئين. وفيما عبّر عون في اتصال مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن «تضامن لبنان مع الفلسطينيين في مواجهة التطورات التي نشأت عمّا بات يُعرف بصفقة القرن»، مؤكداً «التمسك بالمبادرة العربية للسلام ولا سيما حق عودة الفلسطينيين»، اكتفى دياب بتغريدةِ «ستبقى القدس البوصلة وستبقى فلسطين هي القضية». أما حتي فشدد على أنّ «الموقف اللبناني يستند إلى المبادرة العربية لعام 2002»، داعياً «لتحقيق سلامٍ عادل بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية»، وجازماً «بأننا نشدّد على رفض التوطين (...) ولا أحد يتخلّى عن الهوية الوطنية مقابل إغراءات مادية».* والمسألة الثانية التأثيراتُ المحتملة لاتخاذ «حزب الله» وضعية «هجومية» شرسة بوجه العرب وواشنطن على المسار الذي يُحاك بعنايةٍ وعلى طريقة «حفر جبل» المأزق المالي بـ «إبرة» الإصلاح الموعود و«إخفاء» التموْضع السياسي الحقيقي للحكومة، وسط اعتبار الأوساط المطلعة أن «اللعب على حبليْن» في هذا المجال بين الحزب والسلطة محفوفٌ بخطر استثارة «العين الحمراء» الخارجية في لحظةٍ يُخشى أن تكون «أولويات» المجتمع الدولي على وشك تبدّلات كبيرة في ضوء ما قد يسببه إعلان «صفقة القرن» من تداعياتٍ واضطراباتٍ، وأيضاً في غمرة وجود «دفتر شروط» دولي على بيروت لمدّها بـ «اوكسيجين» الإنقاذ يبدأ بالإصلاحات ويمرّ بـ «النأي بالنفس» عن أزمات المنطقة وتطبيق القرارات الدولية (ذات الصلة بلبنان)، وكذلك في ظلّ الخشية من محاولة واشنطن ربْط رزم الدعم لـ «بلاد الأرز» بـ «حبْل الصفقة» التي كان شقُّها الاقتصادي خصّ لبنان بنحو 6 مليارات دولار.ولم يكن عابراً أن «غبار» صفقة القرن التي قوبلت بـ «يوم غضب» في مخيمات لبنان التي شهدت مسيراتِ تنديد ‏ورفْضٍ بالصوت العالي، ترافقَ مع إطلاق دياب ورشة عمل اقتصادية - مالية في سياق محاولةٍ لإنجاز «خريطة طريق» للخروج من الأزمة المالية - المصرفية - النقدية - الاقتصادية - الاجتماعية وبدء رسْم المسارات الممْكنة لمواجهة استحقاقات مالية داهمة (أحدها استحقاق سندات يوروبوند في مارس) ستتكشّف معها خيارات بيروت في ما خص إعادة هيكلة الديون أو إعادة جدولتها أو غيرها (يترتب على كل منها نتائج على صعيد تصنيف البلاد الائتماني) كما بإزاء طلب تدخل ومساعدة مالية من صندوق النقد الدولي أو الاكتفاء بـ «المشورة التقنية». وشملتْ هذه الورشة التي اعتُبرت من ضمن التحضيرات لإنجاز البيان الوزاري الذي ستنال الحكومة على أساسه ثقة البرلمان، لقاءات مع الوزراء المختصين بحضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف، قبل عقْد اجتماع مع وفد من البنك الدولي. وقد استهلّها دياب بتأكيد «أن الوضع لا يحتمل نظريات وتجارب ولذلك يجب أن تكون لدينا رؤية علمية وواقعية»، موضحاً أن هذا الواقع دفعه إلى طلب «إعداد خطة بهدف استعادة الحدّ الأدنى من الثقة التي هي حجر الزاوية في معالجة الأزمة، وخصوصاً أن الأرقام التي اطلعتُ عليها تسمح بهامش واسع من المعالجات الجدية التي تساعد على تبريد حرارة الأزمة، تمهيداً لإطفائها»، معتبراً أن «الصورة السودوية التي نسمعها غير صحيحة أو غير دقيقة».

مشاركة :