لعنة الأسلاف أم زيف الأمجاد تلك التي أصابت الأحفاد في هذا العمل الفنتازي الواقعي السحري; يتطرق الروائي السوداني جمال الدين علي إلى موضوع هام وشائك ضل يعاني منه السودان كدولة وكشعب ألا وهو سؤال الهوية. النص الحائز على جائزة الطيب صالح التقديرية للإبداع الروائي من مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي عام 2017 يتطرق لهذا السؤال الهام والمربك.. لا ليجد اجابة إنما ليفتح الذهن على تساؤلات واستفسارات أعمق ربما لو فكر فيها القارئ من منظور أعمق لحُلَّت الكثير من قضايا الشعوب ذات الطبيعة الجِينية المهجَّنة. . تتمحور الرواية التي فاقت ال 300 صفحة من القطع المتوسطة والصادرة عن دار مركز الأدب العربي للنشر عام 2018 وتدور أحداثها حول الباترا ذلك الكائن الفنتازي الغامض ومجتمع قرية ( مرو).. شمال السودان والخرطوم وباريس.. الفضاء الزماني في هذا العمل هُشِّم تماماً طالما أنه يستمد صيرورته وكينونته من روح الأسلاف ومن فضيلة الصمت التي تعلّمها من طائر البومة الحكيم.. في بيئة اجتماعية تبدو متماسكة من الأعلى; مُثقلاً بالواقع وماضٍ تليد حفرته الريح في ذاكرة صخرية يحاول الباترا اثبات نسبه والحصول على هويته المفقودة. يصطدم بموروث اجتماعي و سُلطة سياسية لبست ثوب الدين واتكأت على بندقية الجهاد وهي تسوق الشعب كقطيع.. ويبقى السؤال. هل ينجح الباترا الذي حفظ الدرس جيداً من رقوق البومة الحكيم و تعاليم حمام الوادي حفيد إلَه الحكمة في العبور. المتتبِع لأعمال الكاتب جمال الدين وهو من جيل الشباب يلحظ انشغاله بموضوع الهوية و يتطرق بجرأة شديدة للمسكوت عنه في المجتمع والتاريخ. يبرز ذلك الاهتمام في روايته جنوكورو عن مكتبة جزيرة الورد بالقاهرة ورواية فلين جذور الصفصاف الفائزة بتقديرية الطيب صالح للإبداع الروائي عام 2016 والصادرة عن دار مداد للنشر بدبي. يستلهم الكاتب التاريخ وأسطرة الواقع والفنتازيا في كتاباته مع جرأة في الطرح وثقافة عالية لا تخطئها العين يخلط كل ذلك بنفس صوفي دافئ يعطي للسرد السوداني نكهته المميزة. جمال الدين يكتب أيضاً القصة القصيرة وله عدة نصوص منشورة وقد ترجم بعض منها إلى اللغة الإنجليزية ويساهم بشكل فعال من خلال اقامته في المملكة العربية السعودية لقرابة العقدين في المشهد الثقافي السعودي والخليجي; سواءٌ كان بالمشاركات الأدبية او القراءات النقدية من خلال الورش والمنتديات. وقد نُشرت له العديد من تلك القراءآت بالصحف والمجلات الخليجية والعربية المهتمة يعكف حالياً على مراجعة وتدقيق نص روائي جديد سيصدر قريباً.