تجاذبات سياسية تعقّد مسار الرئيس التونسي في تشكيل الحكومة المقبلة

  • 1/31/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تبقى أزمة تشكيل الحكومة التونسية أكبر تحد يواجه الرئيس قيس سعيّد بعد مرور مئة يوم على وصوله إلى سدة الحكم، وسط تجاذبات سياسية من حركة النهضة وبقية الأحزاب الأخرى دفعته ليصبح في وسط المعترك السياسي. فبعد أن استعمل الرئيس التونسي قيس سعيد صلاحياته الدستورية المنصوص عليها بالفصل التاسع والثمانين من الدستور، والتي أتاحت له اختيار الشخصية الأقدر لتشكيل الحكومة بعد فشل مرشح حزب النهضة الحبيب الجملي، يجمع العديد من المتابعين للشأن العام على أن المشاورات والخطط العريضة للتصورات والتوجهات التي ستعمل عليها الحكومة المرتقبة تجسم خيارات الرئيس قيس سعيد، ولعل أهمها تأكيد رئيس الحكومة المكلف على مقاومة الفساد وتشكيل حكومة مصغرة تضمن النجاعة والفاعلية وتضم كفاءات تستوعب دقة المرحلة وتضم تمثيلا حقيقيا للمرأة والشباب. وسيتوجه الرئيس التونسي إلى الشعب في أول حوار تلفزي له منذ أدائه اليمين الدستورية في 23 اكتوبر الماضي، حيث تقول أوساط إنه سيكشف عن حصيلة عمله وعن خططه وزياراته الخارجية القادمة. وقد أعلنت مؤسسة التلفزة التونسية على صفحتها الرسمية أن رئيس الجمهورية اختار عما القناة الوطنية الأولى ليخصها بأول لقاء تلفزي خاص الخميس إيفاء لتعهده خلال المناظرة التلفزية التي جمعته بالمرشح نبيل القروي أثناء حملة الانتخابات الرئاسية. وسيتمحور اللقاء حول الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية وأهم القضايا والمشاكل التي تهم المواطن والمجتمع. إذ أن الرئيس التونسي قيس سعيّد لم يخاطب التونسيون الا في مناسبات قليلة وهو الذي ركز حملته الانتخابية على الدفاع عن لامركزية القرار السياسي وانتقاد طبقة سياسية حاكمة لم تنجح في إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب في البلاد منذ ثورة 2011. برز اهتمامه الشديد بهذين الملفين بالرغم من أن صلاحياته الدستورية تقتصر على العلاقات الدبلوماسية والأمن القومي حصرا. وأمسك سعيّد بملف ليبيا وقابل في خصوصه ممثلين دبلوماسيين ورؤساء دول فاعلين فيه على غرار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. ولكن لم يغفل في المقابل فتح أبواب الرئاسة لاستقبال شباب عاطلين عن العمل من المناطق الداخلية في البلاد يبحث معهم مقترحاتهم لحل أزمة انتاج الفسفات في قفصة (جنوب). غير أنه لم يتخذ اجراءات عملية إثر لقائهم سوى طمأنتهم في انتظار حسم تشكيل الحكومة المقبلة التي توكل لها هذه المهام. ويقول المحلل السياسي يوسف الشريف "ليس لدينا فكرة محددة على استراتيجيته، وليس هناك حكومة وبذلك فإن هناك بطء في عجلة الدولة". إلى ذلك فان غياب برنامج سياسي واضح المعالم خصوصا اثر الانتخابات النيابية التي أفرزت برلمانا بكتل نيابية مشتتة يزيد في تعقيد الوضعية في البلاد. فقد وجد سعيّد نفسه ملزما دستوريا بتكليف شخصية لتشكيل الحكومة إثر فشل مرشح حزب النهضة الحبيب الجملي في نيل ثقة البرلمان مطلع كانون الثاني لـ"يفرض لعبته" في العملية السياسية في تقدير الشريف. وقد اشترط الرئيس التونسي خلال دخوله في مشاورات سياسية مع الأحزاب قبل ترشيح وزير المالية الأسبق إلياس الفخفاخ، أن تقدم الأحزاب والكتل السياسية مقترحاتها "كتابيا" في محاولة لتجنب إهدار الوقت. ولم يكن الفخفاخ مرشحا من حزب النهضة ذي المرجعية الاسلامية (54 مقعدا من أصل 217) وحزب قلب تونس (38 مقعدا)، ولكنه أكد منذ أول ظهور له في الاعلام أنه يستمد شرعيته من الرئيس سعيّد دون سواه. وشدد الفخفاخ على أن حكومته تحمل تصورا مشتركا منحازا للقيم التي جسدها رئيس الجمهورية قيس سعيد على أساس الخط الانتخابي الذي اختاره التونسيون عبر تصويتهم في الدور الثاني من الرئاسيات. وقد طلب سعيّد من الفخفاخ أن يأخذ بالاعتبار في برنامج عمله "أنّاة العاطلين عن العمل وأنّاة الفقراء". ويبقى سيناريو رفض البرلمان لحكومة الفخفاخ قائما وأمام سعيّد امكانية حل البرلمان والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة بداية من منتصف مارس، على ما ينص الدستور التونسي في فصل 89. أما دبلوماسيا، فإنه من الصعب الوقوف على تغيير واضح المعالم في سياسة البلاد، ويعتبر الشريف "بدأنا نرى نوعا من الحفاظ على السيادة"، معلّلا ذلك برفض تونس الدخول في حلف مع أنقرة في خصوص الملف الليبي بالاضافة إلى رفض دعوة برلين في منتصف يناير للمشاركة في المؤتمر الدولي حول ليبيا لأنها وصلت "متأخرة". ولم يقم الرئيس التونسي بأية زيارة رسمية في انتظار تشكيل الحكومة، انما زار مسقط فقط لأداء واجب العزاء إثر وفاة السلطان قابوس ومن المرتقب أن يزور الجزائر الأحد. ظهر حرصه على الحفاظ على السيادة الوطنية جليّا في حملته الانتخابية وفي خطابه خلال أداء اليمين. غير أن رفض دعوة برلين أثار انقساما لدى الرأي العام، اعتبره البعض مفخرة للدبلوماسية التونسية وآخرون وصفوا القرار بالمتسرّع. كما أثار استقبال سعيّد لمجموعة من اليتامى من أبناء الجهاديين التونسيين في ليبيا انتقادات واسعة وأظهر في المقابل التزاما من قبل السلطات بهذا الملف الذي طالما تجنبت الخوض فيه. وطالبت منظمات المجتمع المدني منذ مدة بتسلم هؤلاء الأطفال وأمهاتهم العالقين في ليبيا.

مشاركة :