مع اقتراب فتح البورصة السعودية أمام الاستثمار الأجنبي، يشهد قطاع الاستثمار الكويتي ما يمكن وصفه بـ «موسم هجرة الأموال إلى السعودية»، إذ إن وزن سوق المملكة في المحافظ والصناديق الخليجية التابعة ارتفع لدى معظم شركات الاستثمار الكويتية إلى ما بين 40 و50 في المئة. وكان سوق الكويت للأوراق المالية يستحوذ على نسب تتراوح بين 70 و90 في المئة من حجم المحافظ المُدارة من قبل شركات الاستثمار، وتحديداً خلال أعوام 2006 و2007 وحتى النصف الأول من العام 2008، وكان بين 10 و30 في المئة من المحافظ تُخصص لأسواق الخليج الاخرى، إلا أن السائد اليوم هو العكس تماماً. إلا أن ركود السوق الكويتي مقابل نشاط الأسواق الخليجية الأخرى دفع شركات الاستثمار الكويتية إلى الخروج بحثاً عن فرص توافر عائد كفيل بتغطية جانب من طموح عملائها من الشركات والأفراد الذين انتظروا وصبروا لسنوات، منذ اندلاع الأزمة المالية وحتى بدايات العام 2013، ولم تجد تلك الشركات سوى أسواق الخليج. وكان السوق السعودي الأكثر قدرة على استيعاب السيولة الكويتية التي هاجرت لتستوطن هناك، تبعاً لوزنه الكبير وعمقه. ولم تجد شركات إدارة الأصول بداً من إعادة استثمار العوائد التي حققتها من التوزيعات السنوية في أسواق السعودية والإمارات وقطر، وجميعها عوض خسائر الأزمة، فيما ظلت المراكز المالية القديمة التي تمثل ملكيات استراتيجية في شركات قيادية مُدرجة في البورصة الكويتية كما هي لحساسية التخارج منها. ويؤكد مدير الاستثمارات العربية والمحلية في شركة الاستثمارات الوطنية حمد الحميدي أن شهية المستثمر المحلي تتجه نحو أسواق الخليج أكثر من البورصة الكويتية التي خرجت فعلياً من حساباتهم منذ فترة، ما دفع بالشركات المتخصصة الى توفير خيارات للعملاء الراغبين في ضخ سيولة جديدة، منها: 1 - إنشاء محفظة عوائد تعتمد على التوزيعات النقدية مع مراعاة سيولة الأسهم وسهولة التخارج. 2 - المشاركة في أكثر الشركات تداولاً والتعامل مع تطورات أدائها. 3 - توجيه أموال العميل نحو الأسهم التي تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية. 4 - المشاركة ضمن المحفظة التي تستثمر في أسواق الخليج مثل السعودية وغيرها. 5 - تنفيذ طلب العميل حال قرر البقاء في الأسهم الكويتية ذات العائد دون العبء بما تشهده المؤشرات من تقلبات. ويقول الحميدي ان عدداً من شركات الاستثمار أسس محافظ مالية وتم توجيهها الى السوق السعودي مثلاً، قبل عامين، إلا أن تلك المحافظ حققت عوائد مميزة بلغت على مستوى البعض منها 10 في المئة خلال أشهر (منذ بداية العام الحالي مثلاً). واضاف ان البورصة الكويتية فيها ما يزيد على 200 شركة مُدرجة، إلا أن قرابة الـ20 شركة فقط هي القابلة للمجازفة والشراء، بخلاف البنوك التي استُهدفت في ظل تراجعها غير المبرر وسط تداعيات الأزمة عندما تداولت بمستويات سعرية تاريخية (منخفضة)، لافتاً الى أن الشركات الاستثمارية الكُبرى دعمت مراكزها في مثل هذه السلع التشغيلية التي تضمن عائداً من التوزيعات السنوية بخلاف ارتفاع قيمتها السوقية. ولفت الى أن هناك معايير لابد أن تكون حاضرة لدى اتخاذ القرارات الاستثمارية، منها الانتقاء من بين أفضل 50 شركة مُدرجة من حيث السمعة والقيمة المتداولة، ثم قراءة إمكانية التخارج من الشركة التي يقع عليها الاختيار، ثم تكوين فكرة عن معدل الدوران على السهم وما اذا كان تشغيلياً أم مضاربياً، مشيراً الى أن الاستراتيجية ذاتها يتم تطبيقها في كل سوق بما فيها السوق السعودي الاكثر جذباً للسيولة الكويتية في الوقت الحالي. من ناحية أخرى، يرى مدير الصناديق في إحدى الشركات الاستثمارية القيادية ان ما تحققه أسواق الخليج من مكاسب جعلت البورصة الكويتية خارج الصورة، فلم يبق فيها سوى المضاربين، وأصحاب المراكز القديمة، لافتاً الى أن حصة الكويت من اهتمامات الصناديق تراجعت بشكل واضح خلال الفترة الاخيرة، وذلك في ظل تدني قيمة التداول والتركيز على السلع المضاربية فقط من قبل الافراد، الى جانب غياب المحفزات التي يُفترض ان تتبناها الجهات الحكومية مثل الهيئة العامة للاستثمار والتأمينات الاجتماعية وغيرها من الجهات التي تملك محافظ في البورصة. بدوره، قال نائب الرئيس التنفيذي لإدارة الأصول في شركة استثمارية غير مُدرجة ان المحافظ التي تعمل في أسواق السعودية والامارات حققت عوائد تتراوح بين 10 و15 في المئة منذ بداية العام. وبين ان الأسهم الإماراتية تمثل فرصة في الوقت الحالي لرخص اسعارها مقارنة بالاسعار المرتفعة في السوق السعودي، مستغرباً هدوء الوضع في السوق القطري منذ بداية العام الحالي، فيما أشار الى أن البورصة الكويتية وكأنها «تغرد خارج السرب الخليجي»، في إشارة الى أن أقصى عوائد تحققت منذ بداية العام على مستوى المحافظ التي تنشط في الاسهم المدرجة بلغت نحو 5 في المئة (من خلال المضاربات). ولم يستبعد نائب الرئيس التنفيذي ان تشهد بعض قطاعات السوق السعودية مزيداً من النشاط خلال الفترة المقبلة، ولاسيما في ظل فتح الباب امام الاستثمار الاجنبي الذي سيؤهل السوق هناك للدخول في مرحلة جديدة من النضج وجذب عيون مديري المحافظ من مؤسسات الاستثمار الاقليمية والعالمية. وأجمع مسؤولو الشركات الاستثمارية على أن مُعالجة تداعيات الأزمة المالية في الكويت من قبل الحكومة والجهات المعنية كانت فقيرة، على عكس ما اتبعته حكومات دول الخليج والمنطقة العربية الاخرى، بل كانت نقطة التحول التي دفعت بالسيولة الكويتية للخروج و«الهجرة» الى أسواق السعودية والامارات وقطر بحثاً عن العائد المناسب بعد أن تعرضت لانتكاسة في الكويت. وأشاروا الى ان فتح المجال للتداول الإلكتروني وسهولة نقل الأموال بين أسواق الخليج ساهم بشكل أساسي في توفير مناخ مناسب في الفرص المتاحة هناك وتجميد الاهتمام بالسوق الكويتي، فيما نتج عن ذلك زيادة في حجم الانكشاف على تلك الاسواق لما تعيشه من نشاط وسيولة على الأسهم تسهل الدخول والخروج عليها.
مشاركة :