يدفع الإعلان عن صفقة القرن القيادة السياسية اللبنانية إلى الاستعداد لاتخاذ موقف مشترك يتجاوز السجال بين الشارع المنتفض والحكومة الجديدة، كما يفرض على التيارات السياسية، المتوزعة داخل المعسكرات السياسية التقليدية الموالية لـ”محور الممانعة” أو المعارضة له، وضع استراتيجية مشتركة لمواجهة تداعيات صفقة القرن على مستقبل لبنان. وفيما وضع اتفاق الطائف عام 1989 مسألة رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بندا مستقلا داخل الدستور اللبناني، يتساءل مراقبون حول قدرة لبنان على مقاومة الضغوط الدولية، الأميركية خصوصا، السياسية والاقتصادية، لإجبار بيروت على التعامل مع الحالة الفلسطينية كأمر واقع لا بدّ منه، كما دفع كافة القوى السياسية إلى مراجعة أدبياتها العقائدية في هذا الصدد. ويعتبر المراقبون أن مسألة توطين الفلسطينيين في الأردن وبقية دول الشتات العربي لم تعد أمرا محرما لا بالنسبة إلى الدول المعنية كما إلى اللاجئين أنفسهم، وأن أمر الاستخفاف بالأمر لم يعد مجديا. وتؤكد مصادر دبلوماسية في بيروت أن الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يتعرض لها لبنان قد أوهنت مناعة البلد على مقاومة ما قد تحمله صفقة القرن من ضغوط لإجباره على تنفيذ قسطه من خطة ترامب لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وترى المصادر أن على لبنان تطوير نظرته إلى مسألة اللاجئين بشكل ذاتي وداخل حوار لبناني لبناني، خصوصا أن ما أنجزته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وعملية تعداد الفلسطينيين في لبنان، والتي جرت تحت إشراف الأمم المتحدة، تمهد الطريق نحو نظرة واقعية للوجود الفلسطيني في البلد ثبت بالأرقام أنه أقل بكثير مما علق في الوعي الجماعي اللبناني منذ عقود. وتقول المصادر إنه لا طائل من تعويل لبنان على فشل صفقة القرن وعلى رفض فلسطيني لها، معتبرين أن مسألة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ستبقى بندا أساسيا داخل أي تسوية سياسية فلسطينية إسرائيلية، وأن كافة مشاريع الحل السابقة واللاحقة تسقط حق العودة للاجئين الفلسطينيين أو تجعل هذا الحق محدودا ونسبيا، بحيث أن مسألة توطين الفلسطينيين في لبنان هي مسألة حتمية لن تتجاوزها أيّ تسويات. مصالح روسيا في سوريا مرتبطة مباشرة ببيروت لذلك ستكون موسكو مضطرة للاعتماد على نفوذ حزب الله لتحقيق اختراق ويشير مراقبون إلى أن لبنان غير قادر على التعاطي مع صفقة القرن إلا تعاطيا سلبيا رافضا بحكم هيمنة حزب الله وحاجة إيران وميليشياتها في لبنان إلى استخدام العامل الفلسطيني من جديد لخدمة أجندة ترتبط هذه الأيام بالصراع بين واشنطن وطهران. ويقول هؤلاء إنه في ظل هذه الظروف، فمن المستحيل تصور أن تسهّل طهران نقاشا لبنانيا لبنانيا في هذا الشأن بشكل مجاني، وأن قضية شائكة بهذا الحجم لا بد أن تكون جزءا من أي طاولة مفاوضات مقبلة بين إيران والولايات المتحدة. وتتوقع بعض المصادر أن تصطدم حكومة حسان دياب الجديدة بواقع جديد بسبب صفقة القرن يتجاوز الدعوات الدولية من الحكومة اللبنانية إلى تقديم خطة ناجعة لإصلاح الهيكل الاقتصادي اللبناني يسيطر بها على الهدر ويتم من خلال مكافحة الفساد. وتقول المصادر إن الكثير من الضغوط الأميركية، ولاسيما في ما صدر عن المسؤولين في واشنطن من مراقبة لأداء الحكومة وقراءة لبيانها الوزاري المرتقب قبل إصدار أيّ حكم، قد ينطوي في الثنايا على ما هو مطلوب من لبنان للإفراج عن المساعدات الدولية المالية العاجلة. وترى ذات المصادر أنه سيجري ربط الموقف الأميركي بمدى استعداد بيروت، والثنائية الشيعية خصوصا، للتحلي بالبراغماتية والمرونة في ما يتعلق بترسيم الحدود، البحرية والبرية، بين لبنان وإسرائيل، بما يتيح تنظيم أعمال التنقيب عن الهيدروكاربونات في المنطقة الاقتصادية الخالصة خصوصا في المناطق البحرية على حدود البلدين. وتعتبر المصادر ذاتها أن واشنطن ستجد في مناسبة الإعلان عن صفقة السلام عذرا جديدا لمقاربة الأزمة الاقتصادية اللبنانية وفق رؤية تتعلق بالمنطقة برمتها، وبمستقبل خطة السلم في المنطقة. ويستبعد محللون حصول أي تحول لافت في هذه المسألة، ليس فقط بسبب موقف إيران المهيمن على القرار اللبناني، بل أيضا بسبب ضغوط قد تمارسها روسيا هذه المرة، التي باتت، بحكم مصالحها في سوريا معنية مباشرة بالشأن اللبناني وموقعه وموقفه من تحديات الشرق الأوسط. ويقول هؤلاء إن ما تردد أخيرا عن ذهاب حكومة دياب بعد نيلها ثقة مجلس النواب إلى العمل على تطبيع علاقات لبنان مع النظام السوري يصب في هذا الاتجاه. ويجزم مراقبون أن موسكو بدأت فعلا الدخول بقوة على الخط اللبناني رغم محاولة القيادة الروسية التعاطي مع الأمر بحذر شديد. ويلفت هؤلاء إلى أن موسكو، التي قد تتنافس مع طهران على بسط النفوذ في سوريا، ستكون مضطرة إلى الاستناد على نفوذ حزب الله في لبنان لدفع النفوذ الروسي في سوريا لاختراق الحدود مع لبنان. ويعتبر هؤلاء أن موقف موسكو من صفقة القرن ولاسيما في شقها اللبناني بات حاجة لبنانية لمواجهة الموقف الأميركي، لكنهم يلفتون إلى أن الولايات المتحدة قد تصبح بحاجة إلى روسيا في إعانتها على تسويق تداعيات خطتها على لبنان واستخدام الخدمات الروسية لإحداث تحوّل استراتيجي في موقف لبنان.
مشاركة :