تتحرك تركيا في اتجاهات مختلفة لتقوية موقف حكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج. بهدف ضمان نفوذ دائم لها في ليبيا، ويسعى الأتراك لتوظيف شبكة علاقاتهم في الولايات المتحدة للهجوم على قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، ومحاولة دق الإسفين بينه وبين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. واستعانةُ تركيا بجماعات ضغط في واشنطن أمر معروف؛ وقد أنفقت بسخاء على عقارات مرتبطة بترامب في إطار جهودها للتقرب أكثر من الإدارة الأميركية. وتتعامل حكومة الوفاق في طرابلس حاليًّا مع هذه الشركات نفسها، وأبرزها شركة ميركوري بابليك آفيرز. وتهدف حكومة الوفاق من وراء التعاون مع شركة ميركوري إلى حشد الحكومة الأميركية وغيرها من جماعات المصالح لصالحها. ووفقا للسجلاّت التي تحتفظ بها وزارة العدل الأميركية بموجب قانون تسجيل الشركات الأجنبية، فقد وقّع عددٌ من الشخصيات الأبرز في عالم جماعات الضغط على هذا العقد. ومن الشخصيات المسجّلة ضمن جماعات الضغط في عقد حكومة الوفاق، والذي تشير صحيفة “بوليتيكو” إلى أن قيمته تبلغ 150 ألف دولار في الشهر الواحد، السيناتور الجمهوري السابق ديفيد فيتر، وبريان لانزا مستشار ترامب السابق، وسهيلة تايلا الخبيرة السابقة في السياسة التركية الأميركية في سفارة الولايات المتحدة في أنقرة. ولميركوري تاريخ طويل في العمل مع زبائن أتراك، ومن بينهم مجلس الأعمال التركي الأميركي برئاسة محمد علي يلجنداغ، الحليف المقرّب من الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان. كما تستعين السفارة التركية في واشنطن بشركة ميركوري أيضاً. وتُشير سجلّات قانون تسجيل الشركات الأجنبية إلى أن جماعات الضغط التي تعمل حالياً لصالح حكومة الوفاق الليبية، جميعها إمّا عملت لدعم المصالح التركية في الولايات المتحدة من قبل، أو مسجّلة في آن واحد لدعم المصالح التركية هناك. وحشد بريان لانزا، مساعد ترامب السابق، مسؤولين في مجلس الوزراء لصالح مجلس الأعمال التركي الأميركي في عام 2018، وهو الآن مدرج في عقد حكومة الوفاق الليبية. أما تايلا التي تعمل كعضو في جماعة ضغط لصالح السفارة التركية، فقد سُجّلت أيضاً بين المشاركين عند توقيع اتفاق حكومة الوفاق في أبريل الماضي. وبالنسبة إلى موريس ريد، الذي يقود أنشطة ميركوري مع حكومة الوفاق الوطني، فإنه يُقدّم خدماته أيضاً لمجلس الأعمال التركي الأميركي. ويقول نيكولاس مورغان، الكاتب في موقع أحوال تركية، إن عمل ميركوري ينصب على التأسيس لموقف أميركي واضح بشأن الحرب الدائرة في ليبيا، مضيفا أن من بين وثائق المعلومات التي قُدِّمت لوزارة العدل ورقةً بخصوص قانون تفويض الدفاع الوطني، دعت إلى تقرير بشأن الاستراتيجية الأميركية تجاه ليبيا. وتتضمن هذه الورقة “وصفاً مُفصّلاً للأطراف الأمنية الفاعلة في ليبيا وفي الخارج، وتقييماً للكيفيّة التي تُحرز بها هذه الأطراف الفاعلة تقدماً أو تُقوّض الاستقرار في ليبيا”. ويشير مورغان إلى أن الضغط على إدارة ترامب من أجل تبني مواقف تصب في مصلحة حكومة الوفاق هدف مشترك لشركة ضغط أخرى مرتبطة بتركيا، وهي شركة غوثام المتخصصة في تقديم الحلول للحكومات. ومن بين أعضاء جماعات الضغط المسجلين لدعم حكومة الوفاق الشركاء المؤسسون لغوثام، برادلي غيرستمان وديفيد ايه. شفارتز. ولدى الرجلين علاقات مع ترامب والدوائر المقرّبة منه؛ فغوثام تساعد شركات ترامب في نيويورك منذ عام 2010، بينما عمل شفارتز مستشاراً لمايكل كوهين، المحامي السابق للرئيس الأميركي، في التحقيقات ذات الصلة بالمدفوعات غير المشروعة لممثلة الأفلام الإباحية الشهيرة ستورمي دانييلز. وفي الوقت ذاته، ساعد غيرستمان ترامب في التجهيز لإطلاق حملته الرئاسية في ترامب تاور عام 2015. وشأنها شأن ميركوري، تسعى غوثام إلى تغيير السياسة الأميركية بشكل حاسم لصالح حكومة الوفاق. ويلتقي دبلوماسيون أميركيون بالجانبين، لكن الاستراتيجية كانت تواجه ارتباكاً في بعض الأوقات. وفي أبريل الماضي، تحدث ترامب وحفتر خلال مكالمة هاتفية، حيث أثنى الرئيس الأميركي عليه “لمحاربته الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية”. وفي وقت لاحق، لامت وزارة الخارجية الأميركية حفتر بسبب هجومه على طرابلس. وتُظهر المستندات التي قدمتها غوثام في إطار قانون تسجيل الشركات الأجنبية أن قيمة عقد حكومة الوفاق ستبلغ 1.5 مليون دولار، وأنه يركّز على تسليط الضوء على إسهاماتها في الأهداف الأميركية، وفي الوقت نفسه إضعاف صورة حفتر لدى إدارة ترامب. وعملت غوثام في الماضي لصالح مؤسسات سياسية تركية، لكنها مؤسسات غير تابعة للحكومة. ففي مايو 2017، عملت لصالح مجموعة واشنطن الدبلوماسية، وهي منظمة مرتبطة برجل الدين التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، والذي تُحمّله تركيا مسؤولية محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في عام 2016. وانتهى أجل عقد هذه المجموعة في فبراير 2018. غير أن غوثام تعمل حاليًّا مع حكومة الوفاق، وهي حليف مهم لأنقرة في شرقي المتوسّط. لهذا السبب، انتقد غيرستمان مؤيدي حفتر الذين يعارضون دعم تركيا لحكومة السراج. ووصف غيرستمان المعارضة الأوروبية للقرار التركي بالدفاع عن طرابلس بأنها نفاق هدفه تجنب انتقاد الدعم الذي تقدمه روسيا أو الدول العربية لحفتر. وبالنسبة إلى موقف تركيا تجاه ليبيا في الولايات المتحدة، فقد قال غيرستمان “آمل أن تستطيع تركيا العودة إلى حظيرة البلدان الديمقراطية العاقلة، لكني لا أرى أي خطأ في أن تكون هناك علاقة طيبة تجمع ترامب بأردوغان… تركيا طرف فاعل له نفوذ في المنطقة، ولا يمكن تجاهلها”.
مشاركة :