أيام وتحلّ الذكرى الثانية عشرة لصديق عمرى «مجدى مهنا».. كان واحدًا من أصدق الأقلام التى واجهت الطاغية وتصدت للتوريث ورحل قبل أن يرى الثورة المصرية تقطف الثمرة، جاء «مجدى» للدنيا لكى يقول لا للفساد، وظل طوال عمره القصير ممسكًا بالقلم، مُصوِّبًا طلقاته فى وجه الفاسدين بعفة ولباقة ولياقة، فلم يتجاوز يومًا فى خصومة تفقده حياده، ولم يتورط أيضًا فى صداقة تغلق عينيه عن رؤية الحقيقة!!«مجدى» كان صحفيًا من الطراز الأول، ارتفع من موقع الكاتب إلى رؤية صاحب المشروع، فلقد كانت لديه طموحات مهنية تجاوزت سقف جريدة «الوفد» التى وصل فيها إلى أعلى مكانة صحفية، وهى درجة رئيس التحرير. كان يحلم بجريدة مستقلة تستطيع أن تعبّر عن كل الأطياف السياسية بمهنية وحرفية، وتوحدت رؤوس أموال أكثر من مستثمر، يتزعمهم المهندس صلاح دياب، لكى تبدأ الخطوة الأولى فى جريدة «المصرى اليوم».. كانت روح «مجدى» هى الدافع الرئيسى وكانت «المصرى اليوم» هى الحلم الذى تمناه «مجدى»، حتى جاءه هذا المشروع يسعى إليه ويبحث عنه وكان معه كمديرين للتحرير كل من الكاتبين الصحفيين الكبيرين «حلمى النمنم» و«أحمد عبدالتواب»، وأسند لى مهمة تحرير صفحة الفن، وكان هو صاحب فكرة كتابة عمود يومى، لم تكن تلك الفكرة مسبوقة فى الصحافة الفنية، بل إننى كنت أشعر أنها مستحيلة التحقق إلا أن «مجدى» أثبت لى أن إيقاع الحياة الفنية لا يمكن أن تواكبه إلا بعمود يومى.. لم تر تجربة «مجدى» النور، تردد وقتها أن سقف المسموح الذى كان يراهن عليه لم تستطع الجريدة الوليدة وقتها أن تتحمّله، أو لأن هناك توجهًا سياسيًا وفكريًا مغايرًا يريدون تحقيقه، والحل أن يظل «مجدى» يكتب عموده «فى الممنوع». كان عمود «مجدى» هو الفاكهة التى يصحو قراء «المصرى اليوم» على عبقها فى الصفحة الأخيرة، لم يستطع أحد أن يحدد له توجهًا سياسيًا، هل هو ناصرى، أم مُعادٍ للناصرية؟ هل هو وفدى، أم إخوانى، أم ساداتى؟! عندما أستعيد كتاباته أرى أن التوجه الحزبى الذى من الممكن أن يقيده هو الليبرالية، كان يحلم بالوطن الذى تتفتح فيه كل الأفكار، ويسمح لكل المواهب بأن تشرق وأن يجد المواطن الفرص أمامه متساوية.عرفت «مجدى» طالبًا فى كلية الإعلام، تزاملنا وانطلقنا ونحن طلبة للتدريب فى مجلة «روزاليوسف» كتبنا تحقيقات مشتركة، مرة عن الانتخابات وتزويرها، ومرة عن رغيف العيش وأيضًا تزويره!!.كانت هذه البدايات، قبل أن أتخصص أنا فى الفن و«مجدى» فى الانتخابات والرغيف.. فى أيامه الأخيرة عشت معه مرحلة المرض، ثم المقاومة، ثم حب الحياة، ثم الاستسلام، تشبث «مجدى» بطوق النجاة بعد أن أجرى العملية التى غيّر من خلالها فصًا من الكبد كان فى أعقابها مقبلًا على الحياة، لكن الأمر لم يستغرق سوى أسابيع أو بضعة شهور، ليهاجمه المرض مستأسدًا، حاول «مجدى» المقاومة بالاستغراق فى الكتابة، لكن الآلام لم ترحمه والمرض لم يعرف المهادنة، وبإرادته استسلم ورفض أن يأخذ العلاج انتظارًا للحظة الوداع. ولا يزال مؤثرًا فينا، سواء من عرفه، أو من قرأ له عموده، أو شاهده فى برنامجه الذى حمل نفس الاسم «فى الممنوع»، ولا نزال نعيش (فى الممنوع)!!.
مشاركة :