أكد وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم رئيس الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية أن الظروف الحالية بالغة الدقة والحساسية بعد إعلان ما يسمى بـ "خطة السلام الأمريكية" المبنية على التفاهم والتنسيق مع طرف واحد وعدم التنسيق مع السلطة الفلسطينية الشرعية، والدول العربية والجهات الإقليمية والدولية خاصة أعضاء مجلس الأمن، والرباعية الدولية. وقال "الحكيم" الذي يترأس الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي بدأ أعماله في وقتٍ سابق اليوم بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية :"إن طبيعة الظروف الحالية تستلزم العمل على وضع حلول غير اعتيادية للمشاكل التي تمر بها المنطقة العربية، ولاسيما القضية الفلسطينية". وأضاف أن العراق يحث أشقاءه الفلسطينيين على الالتزام بالوحدة والتماسك والاتفاق لضمان حقهم المشروع في دولة فلسطينية موحدة وقابلة للحياة، وعاصمتها القدس المحتلة، وضمان حق العودة لجميع الفلسطينيين إلى أرضهم وبيوتهم. وشدد وزير خارجية العراق على ضرورة وضع إستراتيجية للعمل مع دول الاتحاد الأوروبي الصديقة، ودول العالم الإسلامي ودول عدم الانحياز وروسيا والصين واليابان لزيادة الوعي العالمي حول مخاطر هذه الخطة المجحفة على الأمن والاستقرار في المنطقة، داعيًا الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية إلى تقديم جميع أشكال الدعم لفلسطين المحتلة. وقال "الحكيم": لابد أن نبين للعالم أن ما يسمى بـ "خطة السلام الأمريكية" تسعى لفرض سياسة الأمر الواقع وتفاقم مستويات العنف والتطرف في المنطقة، مُعربًا عن اعتقاده أن حل مشكلات المنطقة يجب أن يمر من خلال ضمان حقوق الشعب الفلسطيني المنصوص عليها في قرارات الشرعية الدولية، بما فيها قرارات مجلس الأمن، وحقه غير القابل للتصرف وفي مقدمة ذلك حق تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس المحتلة. وأكد وزير خارجية العراق على موقف بلاده الثابت بدعم القضية الفلسطينية، ودعم التوجهات والقرارات التي يتخذها الأشقاء الفلسطينيين، داعيًا العرب والمسلمين وجميع أحرار العالم إلى دعم حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة، واستعادة جميع أراضيه. بدوره حذّر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في كلمته أمام الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب من التداعيات الخطيرة لـ "خطة السلام الأمريكية" التي لا تقيم سلامًا أو استقرارًا بالمنطقة، مؤكدًا على أهمية البدء في مفاوضات مباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية. وأشار "أبو الغيط" إلى أهمية الاجتماع الوزاري العربي لبلورة موقف عربي جماعي من الطرح الأمريكي للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين البالغ الخطورة والأهمية للعالم العربي، الذي يتطلب موقفًا جماعيًا على ذات المستوى من الجدية والشعور بالمسؤولية، لأن فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل هي قضية عربية تهم العرب جميعًا وتجمع شملهم من المحيط إلى الخليج. وقال الأمين العام للجامعة العربية :" إن اجتماع اليوم هو في معناه ورسالته وقفة تضامن مع الفلسطينيين شعبًا وقيادة، كما أنه يبعث برسالة إلى العالم أجمع بأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، وأن القرار الفلسطيني الحُر له ظهير عربي مساندٌ في كل حالٍ، وداعم في كل حين". وأضاف أن العرب يأخذون كل مقترح للسلام من أي طرفٍ كان بالجدية الكاملة وبروح المسؤولية لأن إنهاء الصراع مع إسرائيل هو مصلحة فلسطينية وعربية مؤكدة، لافتًا النظر إلى أنه تم مطالبة الإدارة الأمريكية وغيرها من الأطراف بانخراطٍ أكبر لدفع الطرفين للتفاوض وبعمل أكثر لتوضيح نهاية الطريق ومحددات التفاوض حتى لا تدور المحادثات في دائرة عبثية من تفاوض لا ينتهي، لكنه لم يكن متوقعًا أن تكون "النهاية المُقترحة للطريق" مخيبة للآمال ومجافية للإنصاف على النحو الذي صدر. وشدد "أبو الغيط" على أن الطرح الأمريكي الأخير - المدعوم إسرائيليًا - قد كشف عن تحولٍ حاد في السياسة الأمريكية المستقرة تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وكيفية تسويته، مبينًا أن هذا التحول في محددات الموقف الأمريكي - التي تشكّلت منذ بدء مسيرة التسوية السلمية في مؤتمر مدريد (1991) - لا يصب في صالح السلام أو الحل الدائم والعادل. وأوضح الأمين العام للجامعة العربية أن الطرف الإسرائيلي يفهم الخطة الأمريكية بمعنى الهِبة أو العطية التي يتعين اغتنامها والاستحواذ عليها، وهناك ما يؤكد أن اليمين الإسرائيلي يعدّ الطرح الأمريكي ضوءاً أخضر للمُضي في خطة طالما تبناها وحلم بتنفيذها وهي ضم المستوطنات كلها وغور الأردن بأكمله والانفصال أحاديًا عن بقية الأراضي المحتلة في الضفة، ومعنى ذلك أن تكون نتيجة هذا الطرح الأمريكي هي استدامة الاحتلال مع إضفاء الشرعية عليه، وهي نتيجة لا أظن أبدًا أن الإدارة الأمريكية تسعى إليها، أو أن المجتمع الدولي يُقر بها. ونوّه بأن الفلسطينيين يرفضون الوضع الحالي لأنه لا يُلبي تطلعاتهم ويضعهم فعليًا تحت احتلال، وسيكون من قبيل العبث أن تُفضي خطة للسلام إلى تكريس هذا الاحتلال وشرعنته، وأن يؤدي طرحٌ يُفترض أنه يقوم على فكرة الدولتين إلى وضع يقترب من وضع الدولة الواحدة التي تضم فئتين من المواطنين أي وضع "أبارتايد" يكون فيه الفلسطينيون مواطنين من الدرجة الثانية، محرومين من أبسط حقوق المواطنة، وهو وضع نبذه العالم منذ زمن، ولم يعد له مكان في المستقبل. ونبّه "أبو الغيط" إلى أن هذه السيناريوهات لا تجلب استقرارًا أو تقيم سلامًا، بل تضع بذور مائة عام أخرى من الصراع والمعاناة، عادّاً أن البديل المنطقي والآمن هو أن يتفاوض الطرفان بنفسيهما للوصول إلى حل يستطيع كلٌ منهما التعايش معه والقبول به، وأن يُبدأ التفاوض على أساس صحيح ومتكافئ، يأخذ في الاعتبار مطالب الطرفين، وتطلعات الطرفين، ويأخذ في الاعتبار مبادئ القانون الدولي والقرارات الأممية وأسس العدالة والإنصاف، مبينًا أن تفاوضًا على هذا الأساس هو السبيل الوحيد إلى تسوية عادلة وقابلة للبقاء. وشدد الأمين العام للجامعة العربية على ضرورة العمل بأقصى سرعة لسد ثغرة الانقسام الداخلي الخطيرة من أجل مواجهة التحديات التي تطرحها الخُطة الأمريكية، منوّهًا في هذا الإطار بوجود إشارات أولية إيجابية لمساعٍ من أجل لملمة الشمل، ومُعربًا عن أمله في أن تُثمر هذه المساعي في أقرب وقت، فالرأي العام العربي يرغب في طيّ هذه الصفحة اليوم قبل الغد.
مشاركة :