ميراث الألم العراقي في معرض للفنان التشكيلي سيروان باران

  • 2/2/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يقرّ نقاد الفن أن كل معرض جديد للتشكيلي العراقي الكردي سيروان باران، هو حدث فني ينتظره هواة الفنون الجميلة ونقادها على السواء، فمع كل معرض يُقدم الفنان على إقامته ثمّة تجربة إبداعية مختلفة عمّا سبقها، فهو لا يخلف الوعد بأعمال فنية يقدم من خلالها تطويرا لأساليبه الفنية في الرسم مستلهما أعماله من ضباب الذاكرة، وممّا اختزنته العين من المرئي اليومي. ومن الطبيعي أن لا يحيد معرض “ذاكرة لا تُمحى” الذي يفتتح، مساء الأحد، في “غاليري مصر” عمّا عوّد الفنان العراقي متابعيه عليه من مفاجآت تصل حد الإبهار. عن المعرض، يقول الفنان محمد طلعت مدير “غاليري مصر”، “هذا العرض من أهم العروض البصرية لهذا الموسم وذلك لما تتمتع به أعمال الفنان سيروان من قيمة فنية رفيعة، ولأهمية أُطروحاته الجمالية ولما تتناوله موضوعات الأعمال من قضايا إنسانية تمسّ الوجدان وتتجسد في مشاهد مرعبة للمعاناة الإنسانية التي عايشها، والتي يطرحها في قوالب فنية جريئة وصادمة أحيانا، هناك في أعماله انعكاس إبداعي لصور مفزعة للظلم والألم، فتُثير هذه اللوحات باقتدار التساؤل عن مصير الإنسان في هذا العصر. ثمة في لوحاته زحف تدريجي للعتمة كسياج يُحيط بالمشهد المصوّر، وكأن الفنان حريص على تأريخ هذه الأحداث خوفا من أن تدهسها عجلة الزمن، ولتبقى تسرد للأجيال قصة فنان أصر على أن تكون لوحاته الناطق الرسمي عن آهاته وآلامه”. يضيف طلعت “سيروان باران رجل شجاع قبل أن يكون فنانا مُبدعا”. وفي دراسة عن الفنان الكردي العراقي للناقد الفني المصري محمد كمال تحت عنوان “تجسيد القهر واستنفار الروح بفرشاة غاضبة” ألقى الضوء النقدي فيها على تجربة سيروان الغنية التي استلهمها من بين ثنايا الظلم والطغيان للحاكم المستبد، علاوة على جرائم الاحتلال الأميركي في العراق بداية من عام 2003، وذلك بفرشاة رشيقة غاضبة تحوّلت فيها ألوان الأكريلك إلى نيران حارقة، والمسطحات النسجية إلى أبسطة للطغيان، بينما تحول باران نفسه إلى عاصفة استنفارية للروح في مواجهة كل أعاصير التجبّر. وبدوره يقول الكاتب والناقد الفني المغربي فريد الزاهي عن أعمال باران “ثمة فتنة ساحرة وخفية في أعمال الفنان الكردي العراقي سيروان. إنه إحساس غامر بالمأسوي المركب، ودهشة تتلعثم أمام التشوّه الفائق للكائن، وفتنة لا تقاوم أمام الغيرية التي تسكننا وتنزع عنا شخصيتنا كي تحوّلنا إلى قناع. إنه قناع الوجود الذي يتحوّل إلى جوهر للمظهر وظاهر للباطن. وهكذا فإن فن اللوحة لدى سيروان يغدو فن افتكاك التشخيص، والتشويه الجذري للمرئي والمعيش وتجريده من لبوسه الخلْقي والخُلقي. وهو بذلك إعادة تركيب للمرئي، الذي يساميه كي يسبر فيه تلك الشذرات الخفية التي تصوغ المظهري والحضوري وتعيد صياغتهما” ويسترسل “من ثم يبدو الفنان أشبه بساحر يمارس على الأشكال سحره، بحيث إنه في ما وراء قبحها المركب يعرف كيف يمنحها جمالها الباطن. كما لو أن تلك الوجوه والأجساد لا توجد ثمَّ إلاّ لكي تضعنا إزاء استحالة نظرنا. إننا نصاب بالعمَه أمام تلك المخلوقات ‘غير الخالصة’ التي يبدو أنها تتلاعب بأقانيم الجمال المعروفة، إذ نحن ننظر إليها من غير أن نراها. أو بالأحرى هي التي تستقيم أمامنا مثل كراكيز صنعتها صبيّة من بقايا قماش مختلف الألوان والتلاوين. ومن ثم نلحظ ذلك النزوع لدى سيروان إلى اللعب. إنها لعبة الأبعاد والمنظورات المتراكبة التي لا يمكن أن نقيسها إلاّ بميزان الحساسية الخافتة والضبابية. في الوقت الذي تبدو فيه الألوان مشرقة وتلاوينها باهتة. وهي مفارقة تظهر فيها التناقضات بين المرح الطفولي والمأساة الغامرة والتراكبات بين الأجساد والحالات، التي تستحث حسّ المتلقي وتشحذ يقظته”. سيروان باران عارف من مواليد بغداد عام 1968، حاصل على بكالوريوس فنون جميلة من جامعة بابل، عضو نقابة الفنانين العراقيين، عضو اللجنة الوطنية للفنون التشكيلية، وعضو الرابطة الدولية AIAP. أقام العديد من المعارض الخاصة والمشاركات الجماعية الدولية والمحلية وحاز على عدد من الجوائز منها جائزة الشباب الأولى 1990، الجائزة الذهبية “مهرجان الفن العراقي المعاصر” 1995، وسام تقديري من بينالي القاهرة 1999، الجائزة التقديرية بينالي بغداد العالمي الثالث 2002، والوسام الذهبي مهرجان المحرس الدولي بتونس 2002.

مشاركة :