العمل المختلط.. تجربة جديدة تحتاج الدراسة

  • 10/28/2013
  • 00:00
  • 26
  • 0
  • 0
news-picture

شمس علي لم تتوقع ندى أن يدق قلبها بسرعة وتتعلق بمديرها في العمل، وتصبح خازنة أسراره، يحدثها كثيرا عن قسوة زوجته وإهمالها له، حدثها أيضا عن إعجابه بها، ونيته الزواج منها، لكن فرحة ندى، التي لم يمض على التحاقها بهذه الشركة أكثر من عام، لا تطول، فها هو المدير الولهان يعلن نيته الزواج بأخرى. هناك أخرى، هي سعاد التي ظنت أن الظروف تصالحت معها، بعد أن وجدت وظيفة بشهادتها الثانوية، تحقق من خلالها ذاتها، وتكسب ما يحفظ كرامتها، وحاجتها للعمل، كما تقول، وهو ما جعلها لا تلتفت كثيرا إلى كون بيئة العمل مختلطة، والنتيجة أنها تعيش حاليا صراعا نفسيا بين ما تمليه عليه التربية المحافظة القائمة على الفصل التام بين الجنسين، ومتطلبات العمل للتعامل اليومي بين الزملاء في بيئة عمل مشتركة من جهة، ومع الزبائن من جهة أخرى. ندى وسعاد، مع الأسف، ليسا سوى نماذج مما تعيشه بعض الفتيات اللاتي وجدن أنفسهن فجأة في بيئة عمل مختلطة، من تخبط وحيرة، لأنهن إما غير مدركات للضوابط الصحيحة في التعامل مع الجنس الآخر، أو متمردات عليها. لذا كم من المهم أن نشرع في دراسة نتائج وانعكاسات المراحل الأولى لتجربتنا الجديدة في توسيع نطاق العمل المختلط وتأنيث بعض الوظائف، ودراسة التأثيرات النفسية والاجتماعية سلبا وإيجابا. المراقب عن كثب، والقريب من مثل هذه البيئات، يلمس مدى الحاجة لذلك، ويدرك حجم المأزق الذي باتت تعيشه شريحة من الشباب السعودي من الجنسين، من العاملين في أماكن العمل المختلط، وحجم اضطرابها، وتخبطها، وحيرتها، وارتباكها، في مواجهة وضع اجتماعي جديد، لا تملك إزاءه خبرة ووعياً كافيين، بالطرق الصحيحة في التعامل مع الجنس الآخر، وفق ضوابط شرعية، وأخلاقية، وتربوية. ومما يفاقم الوضع، افتقار هذه الأعمال لأنظمة عمل واقعية، ممكنة التطبيق، وملزمة، ترسم وتحدد أطر وأخلاقيات وآليات التعامل الصحي والسليم بين الزملاء والزميلات في بيئة العمل الواحدة. لا يخفى أن عددا غير قليل من العاملين في بعض البيئات المختلطة الجديدة، هم من حملة الشهادات الإعدادية والثانوية، ما قد يعني ثقافة ووعياً محدودين نسبيا، مع الالتفات إلى أن لكل قاعدة شواذاً، وأن الثقافة والوعي غير محكومين دائما بمستوى تعليمي. كما أن بعض هؤلاء العاملين هم أيضا أبناء بيئات محافظة جدا، وفي الوقت الذي قد يكون في هذا ميزة تدفع كلاً من الشاب والفتاة للالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية أكثر من غيره، وتفضي للتعامل الإنساني المبني على الاحترام، يمكن أن تتسبب أيضا في مزيد من الاضطراب والارتباك، خاصة مع غياب مهارات ثقافة التعامل الأمثل، واضطرارهم المفاجئ غير الممهد له للتعامل مع غير محارمهم، ساعات طويلة تصل إلى ثماني ساعات في اليوم. كما لا ننسى أننا نعيش في مجتمع يعاني كثير من أفراد أسره من جفاء في التعامل وشح عاطفي، كما نعاني من حالة استعلاء حيال إظهار مشاعر المودة والحب لبعضنا بعضاً، فيحرم الزوج زوجته، وقد تحرم الزوجة زوجها، والإخوة أخواتهم، والوالدان أبناءهما، والعكس، من كلمات يتلهفون لسماعها، واهتمام يحتاجون إليه، ما يدفعهم -مع الأسف- للبحث عن ذلك خارج محيط الأسرة، بذريعة الصداقة أو الحب، وعبرهما يتبادل الشاب والفتاة دور الجاني والمجني عليه، بعد أن تغذت العقول بدراما تركية وعربية تعلي من قيمة إنشاء علاقات عاطفية بين الجنسين تحت ستار الحب. وأياً كان دافع كل منهما لمثل هذه العلاقات، سواء كان لمجرد التسلية، أو إشباعاً لحاجة نفسية، أو أملاً في العثور على شريك حياة، فإن نتائج عدم التقيد بضوابط وحدود ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الزملاء والزميلات غالبا ما تكون وخيمة. في النهاية، نحن بحاجة، لاختصاصيين اجتماعيين ونفسيين لمراقبة الوضع المستجد، ودراسته والخروج ببعض التوصيات الناجعة، وإقامة ورش عمل مكثفة لهؤلاء الشباب تضعهم على الجادة وتطور مهاراتهم في التعامل مع بعض ومع المستهلك أيضا، وتقديم محاضرات وندوات نوعية لهم، وصناعة أفلام تثقيفية، تكرس وتعلي من قيم أخلاقية لدى الجنسين، مثل: الحياء، والعفة، وتعزيز القيم الدينية، والتعامل الإنساني الراقي القائم على الاحترام المتبادل بين الطرفين، والإحساس بالمسؤولية، وغيرها من القيم الإسلامية والإنسانية النبيلة، إضافة إلى الحاجة لوضع لوائح وقوانين عمل، مكتوبة، تراعي احتياجات الواقع العملي، وتلزم سائر الموظفين بالتقيد بها، مع تحديد عقوبات رادعة لمن يخالفها.

مشاركة :