يكشف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون اليوم النقاب عن رؤيته للعلاقات المستقبلية بين بلاده والاتحاد الأوروبي، عبر كلمة يُنتظر أن يؤكد فيها على أن المملكة المتحدة، لا تعتزم تقديم «أي تنازلات» في المفاوضات المقرر إطلاقها الشهر المقبل بينها وبين التكتل، لتحديد طبيعة الروابط التجارية التي ستنشأ بينهما، بعدما تم إنجاز الـ«بريكست». وقالت مصادر مقربة من الدوائر الحكومية البريطانية، إنه يُتوقع أن يستبعد جونسون خلال الكلمة قبول حكومته «أي محاولة لتمديد الفترة الانتقالية القائمة مع الاتحاد الأوروبي، منذ أن خرجت المملكة المتحدة منه يوم الجمعة الماضي، والمقرر استمرارها حتى 31 ديسمبر المقبل». كما يعتزم جونسون التأكيد على رفض بريطانيا أن تخضع «العلاقات التجارية المستقبلية بينها وبين الاتحاد، أو أي نزاعات قد تنشأ بين الجانبين في هذا الشأن، للولاية القضائية لمحكمة العدل الأوروبية». وسيشدد على أن بلاده «لا تعتزم الالتزام بقواعد التكتل الأوروبي فيما يتعلق بمسألة الإعانات الحكومية التي تُقدم للمزارعين وغيرهم، خلال المفاوضات التجارية المرتقبة». وبحسب المصادر، سيؤكد رئيس الوزراء البريطاني في كلمته أن بلاده «لا تمانع في التوصل إلى اتفاقية تبادل تجاري محدودة مع الاتحاد الأوروبي، تماثل تلك القائمة بينه وبين استراليا، وهو ما يعني أن تكون تلك الاتفاقية المزمعة، محكومة بالقواعد الخاصة بمنظمة التجارة العالمية، مع إمكانية إبرام اتفاقات جانبية بشأن ملفات تجارية أساسية، مثل التعاون في مجال الطيران والملاحة الجوية، وهو ما يرقى إلى مرتبة خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي من دون اتفاق». بجانب ذلك، يُنتظر أن تشدد كلمة جونسون - التي سيلقيها في لندن بحضور سفراء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لدى المملكة المتحدة - على أن الحكومة البريطانية مستعدة «لفرض تعريفات جمركية على السلع القادمة من دول الاتحاد الـ 27، إذا لم يتسن له التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة، على النحو الذي يرغب فيه». ووفقاً للتسريبات التي تواترت خلال الساعات الماضية بشأن كلمة رئيس الوزراء البريطاني - التي وُصِفَت بـ «الشاملة» - سيستبعد بوريس جونسون خلالها «أن تقبل حكومته - خلال المفاوضات التجارية المنتظرة مع الاتحاد الأوروبي - أي تخفيف للقواعد التي تتبعها، بشأن حقوق العمال أو معايير حماية البيئة أو سلامة الغذاء». وستشمل الكلمة أيضا إعلان جونسون عن أن «المسؤولين والدبلوماسيين المُمثلين للمملكة المتحدة، يعتزمون الجلوس (من الآن فصاعداً) بشكل منفصل، عن نظرائهم الذين يمثلون الاتحاد في الاجتماعات والمؤتمرات التي تعقدها المنظمات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية وغيرها»، وذلك على الرغم من أن «الطلاق الرسمي الكامل» بين الجانبين لن يسري سوى مع أول أيام عام 2021. ويتفق ذلك مع ما تضمنته برقية دبلوماسية مُسربة - نشرت وسائل إعلام بريطانية تفاصيلها أمس - تكشف عن أن وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب أمر مسؤولي وزارته قبل أيام، بإصدار توجيهات إلى الدبلوماسيين في مختلف أنحاء العالم، بضرورة العمل على «تبني مواقف أكثر استقلالية» في المؤتمرات والقمم الدولية المقبلة. وتتضمن البرقية تأكيدات على أنه «لم يعد من حق الاتحاد الأوروبي إملاء أي مواقف على المملكة المتحدة.. أو منع ممثليها - خلال المرحلة الانتقالية - من التعبير عن مواقف بلادهم بشأن الأوضاع على الساحة الدولية، إذا كانت تختلف عن تلك التي يتبناها الاتحاد». وقال راب في برقيته، التي أُرْسِلَت الأسبوع الماضي إلى البعثات الدبلوماسية البريطانية في الخارج، إنه «لا يتعين أن تخجل بريطانيا إذا أرادت مخالفة مواقف الاتحاد الأوروبي على الصعيد الدولي». واعتبر مراقبون أن الفحوى المنتظرة لكلمة جونسون وكذلك ما ورد في برقية راب، يؤكدان اعتزام المملكة المتحدة اتخاذ موقف أكثر تشددا في التعامل مع الاتحاد الأوروبي خلال الشهور القليلة المقبلة. وأشاروا إلى أن ذلك قد يعود إلى شعور المسؤولين البريطانيين بالغضب الشديد، إزاء تقارير تفيد بمحاولات يقوم بها مسؤولو الاتحاد في بروكسل، لإدخال تعديلات بشكل أحادي، على صيغة اتفاقية تجارة حرة مقترحة، كان قد تم التوصل إليها بين الجانبين البريطاني والأوروبي أواخر العام الماضي. وقال مستشارون لجونسون - لم يكشفوا عن هويتهم - إن سعي بروكسل لفرض أي تعديلات من هذا القبيل، قد يجعل الحكومة البريطانية تنزع إلى النموذج الأسترالي في اتفاقية التجارة الحرة المرتقبة بدلا من نظيره الكندي، الذي يسمح - حال الاتفاق عليه - بإعفاء غالبية السلع الواردة من الاتحاد الأوروبي من الرسوم الجمركية، من دون أن تشمل هذه الإعفاءات قطاع الخدمات المهيمن على الاقتصاد في المملكة المتحدة. ورجح محللون أن تسعى حكومة جونسون إلى تعزيز موقفها التفاوضي في محادثاتها المنتظرة بعد أسابيع مع الاتحاد الأوروبي، من خلال إحراز تقدم ملموس على طريق إبرام اتفاقات تجارة حرة مع دول رئيسة، مثل الولايات المتحدة واليابان، بجانب بلدانٍ أخرى كـ «أستراليا ونيوزيلندا».
مشاركة :